تابعنا
تتوجه أنظار الملايين الصيف المقبل إلى فرنسا، تحديداً حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في الهواء الطلق على نهر السين في باريس، لكن الهجوم المسلّح في 2 ديسمبر/كانون الأول قرب برج إيفل، يطرح عديداً من التساؤلات حول تأمين أكبر حدث رياضي في العالم.

لأول مرة يُقام حفل افتتاح الألعاب الأولمبية (2024) الذي يريده إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي "عظيماً"، خارج ملعب رياضي.

لكن الفكرة تثير قلقاً متزايداً في مواجهة التهديد الإرهابي، بعد سلسلة هجمات إرهابية استهدفت فرنسا في الأشهر الأخيرة.

وتزايدت المخاوف بعد هجومَي أراس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وباريس في ديسمبر/كانون الأول، الذي أودى بحياة سائح ألماني عند مدخل جسر "بيرحكيم" الممتدّ على نهر السين، والمعروف بكثافة إقبال السياح الأجانب عليه.

"مخاطرة غير ضرورية"

ووفق تصريحات المسؤولين الرسميين، تقول مؤشرات إن هذا الهجوم الأخير الذي نفّذه شاب فرنسي-إيراني كان أعلن الولاء لتنظيم داعش الإرهابي، لن يغير من الخطة الأمنية شيئاً.

وأشارت أميلي أوديا كاستيرا، وزيرة الرياضة الفرنسية، إلى أن "التهديد الإرهابي موجود"، لكن نقل مكان حفل الافتتاح ليس "فرضيّة" مدروسة حالياً، رغم المخاطر الإرهابية.

في الوقت نفسه عبّرت وزيرة الرياضة عن غياب "خطة بديلة"، بل إن الخطة الرئيسة تسمح ببعض التعديلات، على وجه الخصوص "عدد الجمهور خلال حفل الافتتاح"، وأيضاً "عدد الاحتفالات المسموح بها في أنحاء منطقة الافتتاح"، و"إدارة المحيط الأمني".

غير أن فلوران فاديلو، الخبير في القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، يرى أن إقامة الحفل على نهر السين، "مُخاطَرَة غير ضروريّة".

ويوضّح في حديثه مع TRT عربي، أنّ "كل الوسائل اللازمة لإقامة احتفال مهيب بالقدر نفسه دون إرهاق الأجهزة الأمنية موجودة، كما أن المكان قد يُشعِر بعض الوفود بالقلق والخوف، وقد يقرّرون عدم المشاركة".

الألعاب الأولمبية.. هدف مميز

ويؤكّد فاديلو أن الألعاب الأولمبية "تُعتبر هدفاً مميزاً للإرهاب، بسبب التغطية الإعلامية العالمية التي تصاحبه".

ويشير إلى أن "الإرهاب المعاصر أصبح يبحث عن هدف إعلامي، ولم يعُد كما في الثمانينات يسطر هدفاً استراتيجياً أو يركز على عدد من القتلى، بل يتعلق الأمر بالتأثير في الوعي العامّ من خلال وسائل الإعلام".

ويضيف الخبير في القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب أن "الألعاب الأولمبية توفّر هذا الوعاء الإعلامي الذي يسمح بنشر رسالة الإرهابيين عشرة أضعاف، سواء على مستوى فرنسا أو على المستوى الدولي".

ويعبّر فريديريك بيشينار، المسؤول في حزب "الجمهوريون" (يمين) والمدير العامّ السابق للشرطة الوطنية، عن "القلق" نفسه.

وأشار بيشينار يوم الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول في تصريح لقناة عموميّة فرنسية، إلى وجود "عدد معين من المخاطر" المتعلقة بالألعاب.

وطرح سؤالاً حول مدى كفاية الموارد البشريّة للشرطة "لمراقبة عشرات آلاف الأشخاص ومئات الشقق (المطلّة على مكان الاحتفالية)".

لكن وزيرة الرياضة حاولت في خطاب "مطمئِن" إبعاد المخاوف، معتبرةً أن "الأمر ليس جديداً، وليس خاصّاً بفرنسا ولا بالألعاب، وفرنسا تبذل كل الجهود لتقليص المخاطر قدر الإمكان في حالة من اليقظة المطلقة".

جذور الخطر الإرهابي

ويتفق منتصر ساخي، الباحث في جامعة لوفان الكاثوليكية (بلجيكا)، المختص في الجماعات المتطرفة، مع أن الظروف الحالية التي تخصّ الدولة والمجتمع الفرنسي ليست استثنائية، وهي على الحال نفسها منذ عام 2014 على الأقلّ، أي حتى قبل وضع ملفّ الترشيح لتنظيم هذا الحدث.

ويشدّد ساخي في حديثه مع TRT عربي، على أنّ "الحرب الحالية على غزة والفلسطينيين أمام صمت ودعم الحكومات الأوروبية لليمين المتطرف الإسرائيلي تشكّل دعامة لخطر الإرهاب، إذا ما انطلقنا من قضايا اليأس والشعور بإحساس العنصرية الذي يحرّك عدداً من الذاتيات (الأفراد) التي لا تُؤخَذ بعين الاعتبار في أوروبا عموماً، وفي فرنسا خصوصاً".

ويلفت إلى أن هذا الشعور ليس جديداً، وأن مسألة الخطر الإرهابي على الأراضي الأوروبية حلّلها في كتابه الصادر مؤخراً عن دار "لا ديكوفيرت" الفرنسية، وهي "تتعلّق أساساً بدخول فرنسا تحت راية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي".

ويبيّن ساخي أنّ دخول فرنسا في حرب مدمّرة في سوريا والعراق أجّج الردود على هذه الحرب، مضيفاً أن "هذا يشكّل أهمّ أسباب العمليات الإرهابية التي عرفتها فرنسا وأوروبا في الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019".

ويشدّد الباحث في مجال الأنثروبولوجيا على أنه "رغم أن هذه الفترة قد ولّت بحكم نهاية حرب التحالف الدولي، لكن "الحرب على الإرهاب" التي تخوضها الحكومات الأوروبية لا تزال تشكّل خطراً حقيقياً على المجتمعات الأوربية نفسها، فهي تساهم في تشكيل أرضية خصبة لردّ الفعل الذي يتّخذ من سياسة الإرهاب طريقاً أمام اليأس والإحساس بالقهر".

تشديد الأمن

ولمواجهة هذه المخاوف، كشف قائد شرطة باريس لوران نونيز يوم الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول على قناة "BFM TV"، عن النظام الأمني ​​الذي سيُوضَع خلال الألعاب الأولمبية الممتدة من 26 يوليو/تموز إلى 11 أغسطس/آب 2024.

بلغة الأرقام تحدّث نونيز عن "تعبئة 45 ألفاً من عناصر الشرطة والجيش خلال حفل الافتتاح على نهر السين، وحشْدِ نحو 35 ألفاً من قوات الأمن يوميّاً خلال الحدث، وستكون مناطقُ واسعة تحت مراقبة مشدّدة، مع محيط آمن، وحظر حركة المرور وتفتيش المداخل".

وستكون لكل موقع أربع محيطات أمنية تمتدّ من المحيط التنظيمي الأكثر تقييداً، إلى المحيط الأزرق الأوسع والأقرب ما يمكن إلى الموقع.

كما يمكن أن تكون القيود سارية وسط باريس من الساعة السادسة والنصف صباحاً حتى منتصف الليل، أما محطات المترو التي ستكون في المحيطين الأحمر والأزرق، فستظلّ مفتوحة.

في المقابل، لفت نونيز إلى إحباط أكثر من "40 هجوماً في فرنسا" منذ عام 2017، مشيراً إلى أن "التهديد الإرهابي دائم".

تَحدٍّ أمني كبير

لا ينفي فلوران فاديلو الخبير في القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، استمرارية التهديدات، لكنه يشير إلى أن التهديد الإرهابي الحالي في فرنسا لم "يعُد منسّقاً" كما كان في عام 2015 في ذروة نشاط داعش الإرهابي.

ويرى فاديلو في حديثه مع TRT عربي، أنه "لم تعُد الهجمات مُعَدّة ومخطَّطاً لها بوسائل كبيرة جداً، وحاليّاً يرتبط التهديد ارتباطاً رئيسيّاً بالأفراد الذين ليسوا بالضرورة على اتصال بتنظيمات إرهابية في الخارج، وينتقلون إلى الفِعْل إمّا من خلال قناعاتهم وإما من خلال مساراتهم الشخصية، وأحياناً النفسية في كثير من الأحيان".

لهذا يعتقد فاديلو أنّ الألعاب الأولمبية لعام 2024 تمثّل "تحدِّياً أمنيّاً كبيراً، لأنّ أعمال العنف الفردية أو ما يُعرف حاليّاً بالإرهاب، منخفضة التكلفة ويكاد يكون من المستحيل وقفها قبل ارتكابها".

فرنسا ليست منعزلة

من الواضح أن كل الدول التي استضافت الألعاب الأولمبيّة خلال العشرين سنة الماضية، كان هاجسها الأكبر تَجنُّب أعمال تخريبية أو إرهابية طوال مدّة الحدث الرياضي.

وفي أثينا عام 2004 سُخّر 70 ألفاً من قوات الشرطة لتأمين الألعاب، لأنها كانت الألعاب الأولى منذ هجمات نيويورك في سبتمبر/أيلول 2001.

كما أعلنت الصين عن تفكيك خلية إرهابية تخطّط، وفق الأمن، لارتكاب هجمات خلال مباراة لكرة القدم خلال الألعاب الأولمبية التي احتضنتها البلاد 2008.

أما الشرطة البريطانية فخطّطَت خلال ألعاب لندن 2012 لاستخدام قوانين مكافحة الإرهاب، رغم أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبرتها غير قانونية.

وسخّرَت البرازيل 85 ألف رجل أمن، بين شرطة وجيش، في الألعاب الأولمبية، ريو دي جانيرو عام 2016، أي ضعف العدد الذي كان في أولمبياد لندن، بعد أن تَلقَّى المنظّمون رسائل تهديد ومخاوف من عمليات لتنظيم داعش الإرهابي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً