الانسحاب من الدَّاخل.. كيف قرأ الفرنسيون إعلان الفشل ومغادرتهم مالي؟ (Benoit Tessier/Reuters)
تابعنا

فشلت العمليات الفرنسية الإفريقية المشتركة، التي انطلقت قبل سنوات باسم "عملية برخان"، في تحقيق أي هدف مما كان مرصوداً لها. قبل أن يأتي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الشهر الماضي ليضع حدّاً لهذا الفشل بهروب نحو الأمام، مقتنصاً فرصة الانقلاب المالي، كي يعلن نهاية ثماني سنوات من وجوده العسكري بالبلاد.

هي الصفعة التي تلقتها البلاد وهي ترى جيشها ينسحب منهزماً، مخلفاً وضعاً لا يقل سوءاً عن ذاك الذي حط بمالي لإنهائه، تاركاً منطقة الساحل أمام تهديد الجماعات المسلَّحة المتطرفة المعدة للتفاقم أكثر. سامحاً للتوسع الروسي بالمقابل، عبر أذرعه السياسية ومرتزقته، بأن يلتهم تلك الدول الإفريقية واحدة تلو الأخرى.

أمام هذا الواقع ما كانت ردود الفعل الفرنسية، الخارجة من رحم صدمة الخطوة التي أقدمت على بثها رئاسة الجمهورية، إلا الامتعاض والغضب لما وقع، بل وامتد هذا الامتعاض والغضب إلى قلب الجيش الفرنسي، الذي وقَّع عارضتين يعلن فيهما سخطه على أحوال البلاد.

ردود فعل حول الفشل!

أجمعت ردود الفعل الفرنسية في أغلبها على الامتعاض من فشل عملية برخان، التي استهلكت لمدة ثماني سنوات ملايين اليوروهات من جيوب دافعي الضرائب، كما استهلكت من أجساد أبنائهم، الذين تحولوا إلى حطب لحرب خرجت منها البلاد دون تحقيق هدف من أهدافها، يكرم على الأقل تضحياتهم تلك.

على رأسها كان زعيم اليسار الفرنسي، ممثلًا في حركة "فرنسا الأبية": جان لوك ميلانشان، الذي اعتبر انسحاب ماكرون من مالي وإنهاء عملية برخان: "قراراً ارتجالياً، لا يأخذ بعين الاعتبار وضعية الشعب المالي". هذا بعد أن حمَّل الوجه اليساري البارز الحكومة الفرنسية مسؤولية ما عرفته البلاد من انعدام للاستقرار، رجوعاً لما دعمته قبلاً من نخبة سياسية وإدارية مالية فاسدة.

واضعاً الإصبع عند هذه النقطة، يعيب ميلانشان على العملية العسكرية المذكورة افتقارها للاستراتيجية السياسية، وللأهداف الديموقراطية التي تستمد شرعيتها من القرار السيادي للشعب المالي. كما الانسحاب الأخير منها، أي من برخان، وضع البلاد أمام تفشي أكبر للجماعات المسلحة، وتوسع تهديدها ليطال "دول الجوار". أمام كل هذا يرى ميلانشان في الأمر تملصاً آخر للحكومة الفرنسية من مسؤولياتها إزاء الشعوب الإفريقية والشعب الفرنسي.

في رد فعل آخر، هذه المرة أقلَّ إنسانية مما عبر عنه ميلانشان، اعتبرت زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، أنها "النهاية الطبيعية لأي عملية عسكرية تفتقر إلى استراتيجية سياسية تقف خلفها"، كما هي حتميَّة "يوتوبيا منظومة الدفاع الأوروبية المزعومة والدبلوماسية الأوروبية المفترضة".

فيما يذكر أن ذات المتحدِّثة، كانت قد هاجمت قبلاً العملية العسكرية معتبرة أن "فرنسا تدافع وحدها عن الأوروبيين"، داعية حكومة ماكرون إلى فك ارتباطها الأوروبي والبحث عن حلف مع روسيا، التي اعتبرتها "المقاوم الأكبر للخطر الجهادي" حسب قولها.

قلق داخل الجيش

نهاية عملية دون نظرة استراتيجية سياسية، هي وجهة نظر الجيش كذلك، والذي احتج على اعتباره الحل لكل شيء. هذا ما أعرب عنه القائد السابق لعملية برخان، ديدييه كاستريس، في حوار له مع جريدة ليبيراسيون، الذي قال: "عند بداية العملية كان الاتفاق بين السياسيين والعسكريين أنه لا نجاح للعملية دون تحقيق نقاط ثلاث هي: "لن يكون هناك حل دون أو ضد الجزائر، ولن يكون حل هناك دون تحقيق اتفاق سلام صريح وواضح، ولن يكون هناك حل دون التضييق على منافذ السلاح والعتاد الموجه إلى المسلحين من الجبهة الليبية". بيد أن كل هذا لم يتحقق، يخلص المسؤول العسكري.

مضيفاً أن هناك سياسة اتكالية من قبل الحكومة الفرنسية، "ترى في العسكرية حلاً لكل شيء"، فيما دور الجيش "هو ضبط الأوضاع على الأرض من أجل تحقيق الحل السياسي" يقول كاستريس. مضيفاً أنه: "كان الوقت يسير ضدنا، ككل جيش ينفذ عمليات خارج حدو بلاده، يجب أن يسارع قبل أن يلحقه امتعاض شعب تلك البلاد"، ويشير إلى أن تأخر الحل السياسي كان السبب الأبرز للفشل الفرنسي.

TRT عربي