تابعنا
"مخاض اجتماعي" كبير تشهده الجزائر هذه الأيام، بسبب الارتفاع القياسي في نسبة البطالة وتدهور القدرة الشرائية للجزائريين، بسبب الضّغوط المالية الكبيرة التي تواجهها البلاد وانعكاسات وباء كورونا الذي اجتاح العالم بأسره.

فلا يكاد يمرّ يوم دون أن يهدأ الشارع الجزائري من احتجاج العاطلين عن العمل، المطالبين بمنصب شغل يضمن لهم العيش الكريم، إذ أصبحت التحركات الاحتجاجية تشعِل الشارع بشكل شبه يومي وباتت تحاصر الجهاز التنفيذي الذي يقوده التكنوقراطي عبد العزيز جراد الذي يبدو أنه في حالة احتضار بسبب فشله في تنفيذ مخطط السّلطة الجديدة.

وتعتبر مدينة ورقلة الجزائرية التي تعد العصب الرئيسي للبلاد لأنها تضم كبريات الشركات الغازية الأجنبية، كما أنها تحتوي على أكبر مناطق النفط والغاز، إحدى المدن التي لم تهدأ، إذ شهدت الأسبوع الماضي تجمعاً حاشداً للمطالبين بوظائف وفرص عمل في الحقول النفطية والغازية، إضافة إلى فتح تحقيقات في ملفات التشغيل، وهددوا بتنظيم إضراب مفتوح إلى غاية تجاوب السّلطات العليا في البلاد مع مطالبهم.

ومن بين الشعارات التي رفعها المحتجون في المحافظة التي تبعد بنحو 900 كيلومتر عن العاصمة الجزائرية، والتي تلقب بعاصمة النفط: "الغاز هنا، والنفط هنا ولا شيء هنا"، فالمحتجون حسب تصريحاتهم يقارعون البطالة والفقر والتهميش منذ سنوات رغم أنهم طرقوا أبواب العشرات من المؤسسات وشركات التنقيب عن النفط في الجنوب.

الأوضاع ذاتها شهدتها محافظة الأغواط بجنوب البلاد، لكن كانت أكثر حدة بكثير، إذ ظهرت سيدات يصرخن في أضخم حراك شعبي، للدفاع عن أبنائهن الذين يحملون شهادات جامعية عليا لكنهم لم يفلحوا في الحصول على وظائف.

كورونا يعمّق جراح الاقتصاد

عبّرت حكومة الجزائر مؤخراً، عن مخاوفها من تداعيات البطالة وتراجع القدرة الشرائية للجزائريين في البلاد، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والاستثنائية التي زادت حدتها جائحة فيروس كورونا وتداعياتها.

وحسب الأرقام التي كشف عنها وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، الهاشمي جعبوب، خلال جلسة مساءلة النواب لبعض الوزراء، فإن عدد انتداب العاطلين عن العمل شهد تراجعاً بنسبة 31 في المئة عام 2020 مقارنة بسنة 2019، ووصف السنة الماضية بـ"الاستثنائية" بسبب تفشي وباء كورونا.

وذكر أيضاً أن نشاط الوكالة الحكومية للتشغيل عرف تراجعاً ملحوظاً في عدد عروض العمل بنسبة تقدر بنحو 30 بالمئة عام 2020، بحيث تراجع من 437 ألفاً عام 2019 إلى 306 آلاف عرض عام 2020.

وانحصرت العروض المتوفرة على قطاعات البناء والأشغال العمومية والري والصناعة والخدمات، فيما 80 بالمئة من العروض المتبقية مصدرها القطاع الخاص.

وأقرّ وزير التشغيل بثقل حركة التوظيف في القطاع الحكومي، بخاصة ما يتعلق بـ"إدماج العمال المؤقتين"، ورجع ذلك إلى عدم تحرير المناصب المجمدة وعدم تحديد المناصب المالية الواجب إنشاؤها وعدم ملاءمة مؤهلات بعض المعنيين مع المناصب المتوفرة، فضلاً عن تسجيل فائض في العنصر البشري ببعض الهيئات والإدارات.

وفي تعليقه على هذه الأرقام يقول الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، في تصريح خاص لـTRT عربي: "إن جائحة كورونا عمّقت جراح الاقتصاد الجزائري الذي يشهد انكماشاً بنسبة 2,5 في المئة مع عجز كبير في الميزانية".

ويشير بريش إلى الدراسة التي أجراها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، إذ تكشف أن جائحة كورونا تسببت في فقدان ما بين 100 ألف و150 ألف وظيفة.

ويذكر الخبير الاقتصادي أسباباً أخرى ساهمت في زيادة معدل البطالة في الجزائر من بينها بطء وتيرة الاستثمار وإنشاء الشركات وإطلاق المشاريع الاستثمارية سواء الاستثمار المحلي والاستثمارات الأجنبية، فالأمور في حالة توقف منذ بداية الأحداث السياسية والحراك في سنة 2019.

ويرى بريش أن السلطة السياسية الجديدة في البلاد ورثت وضعاً اقتصادياً متهالكاً بسبب سوء تسيير وإدارة الوضع من طرف نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ويقول إن هذه التراكمات ضاعفها تراجع أسعار البترول وعائدات البلاد من موارد العملة الصعبة.

تدنّي القدرة الشرائية

وتضاف هذه الأزمة إلى أخرى لا تقلّ حدة عنها، إذ أقرّ وزير التجارة الجزائري كمال رزيق في ندوة صحافية عقدها على هامش جلسة لمساءلة النواب لبعض الوزراء، بتراجع القدرة الشرائية للجزائريين بسبب انزلاق قيمة الدينار الجزائري في الأشهر الأخيرة إلى أدنى مستوياته مقابل العملات الأجنبية.

ويعادل سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي على مستوى بنك الجزائر 128 ديناراً، وهو رقم يتناقض مع توقعات بنك الجزائر التي وردت في قانون الموازنة للسنة المالية الماضية، إذ توقع القانون بلوغه عتبة 135 ديناراً.

وتَضمَّن القانون المؤطّر للسنة المالية الجارية، بنوداً غير مفرحة للجبهة الاجتماعية، إذ أقرّت حكومة الجزائر تعويماً جديداً للعملة المحلية، وهو ما سيفاقم معاناة الجزائريين، وذلك على الرغم من الوعود التي أطلقها الرئيس الجزائري خلال انتخابه رئيساً جديداً للبلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، بالقضاء على الفقر ومعالجة عدم التوازن في الدخل.

ويندرج هذا التوجه في سياق محاولة الجهاز التنفيذي توفير كتلة نقدية لمواجهة أزمة السيولة التي تعصف بالبنوك ومراكز البريد، ولتعويض العجز المسجل في قانون الموازنة لسنة 2021، الذي بلغ مستوى قياسياً بمقدار 22 مليار دولار، وهو الرقم الذي وصفه الخبير الاقتصادي الجزائري عبد القادر بريش بـ"الكبير جداً".

وألقى قرار خفض قيمة العملة المحلية بخمسة في المئة بظلاله على حياة الجزائريين، إذ شهد مختلف الموادّ الاستهلاكية ارتفاعاً كبيرا في الأسعار، ومن بين أهم المواد الاستهلاكية التي مسّتها الزيادة العجائن والزيت والفواكه الجافة وحتى اللحوم البيضاء، وبرّر بعض التجار الزيادة المفاجئة في الأسعار بانهيار قيمة العملة المحلية.

وفي تعليقه على هذا الوضع يقول العضو البارز في المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم، في تصريح لـTRT عربي، إنه مع بداية 2021 شهد الكثير من الأسعار ارتفاعاً قياسياً، وهذا ناتج عن انخفاض قيمة الدينار وعن بعض الزيادات التي مسّت الصناعيين، واستدلّ المتحدث بالزيادة التي مسّت سعر السكر إذ بلغت نسبتها 10 بالمئة بالنسبة إلى الصناعيين.

ويصف تميم قرار خفض قيمة العملة بـ"الموجع" لأنه سينعكس سلباً على محدودي الدخل، بخاصة إذا لم تطرأ أي تغييرات على كتلة الأجور التي تنصف الأدنى عربياً من بين أجور موظفين في ثماني دول عربية، إذ تحتل الجزائر المرتبة الثالثة عشرة بمتوسط راتب شهري يقدر بنحو 293 دولاراً شهرياً.

أما النائب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان الجزائر) هواري تيغرسي، فيقول لـTRT عربي، إن "المواطن البسيط هو المتضرر الرئيسي من قرار خفض العملة، فالقدرة الشرائية للجزائريين تراجعت بنحو 50 في المئة في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع مستوى التضخم".

ويؤكّد هواري تيغرسي أن القدرة الشرائية للجزائريين انخفضت بنسبة 50 في المئة في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع مستوى التضخم، إذ تتوقع الحكومة الجزائرية أن يتراوح معدل التضخم بين 4,04 و4,72 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي الأرقام التي يفنّدها متتبعون للمشهد الاقتصادي في البلاد ويُجمِعون على أنها ستتضاعف بشكل كبير.

وفي ظلّ غياب أرقام وإحصائيات دقيقة عن عدد الفقراء في الجزائر، تقول الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (تنظيم حقوقي بارز)، إن ربع الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر، وأكّدت أن 10 بالمئة فقط من الجزائريين يستولون على 80 بالمئة من ثروات البلاد.

وحسب ما ورد في تقرير الرابطة الذي أصدرته فإن مظاهر الفقر شهدت تحولاً كبيراً في البلاد، إذ لم يعد يشمل الفئات المحرومة فقط، بل أصبح يمسّ أيضاً الفئات المتوسطة إلى هوة الفقر، حتى إنه انتقل من الأرياف إلى المدن الكبرى.




TRT عربي