ظهرت الآثار السلبية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة صدمة اقتصادية جديدة نتج عنها مزيد من الأعباء الإضافية، بعدما عاد الاقتصاد الأردني إلى التعافي تدريجياً من تداعيات جائحة كورونا، لتشكل تهديداً للعديد من القطاعات، بما في ذلك القطاع السياحي والاستثماري في الأردن، إذ جاء تقرير صندوق النقد الدولي مؤكداً الأثر السلبي في الاقتصاد الأردني نتيجة العدوان غزة.
وفي تقرير اقتصادي جديد بعنوان "الصراع يفاقم التحديات الاقتصادية" حذّر صندوق النقد الدولي من تأثير الحرب على غزة في النشاط السياحي وإيراداته، خاصة خلال مواسم الذروة.
وأشار التقرير إلى التداعيات السلبية للصراع على القطاعات المرتبطة بالسياحة، مما أدى إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ الطلب الإقليمي على الواردات، ومن المتوقع أن يشهد عجز الحساب الجاري تراجعاً أقل مما كان متوقعاً في السابق، ليصل إلى 6.3% من إجمالي الناتج المحلي، نتيجة لانخفاض عائدات السفر وارتفاع واردات الطاقة.
حرب غزة تُعيق انتعاش السياحة في الأردن
ويؤكد حسين هلالات، نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية التأثير المباشر للحرب على قطع غزة في القطاع السياحي في الأردن.
ويلفت في حديثه مع TRT عربي إلى أن القطاع شهد انخفاضاً ملحوظاً في أعداد السياح مع تراجع حجوزات الفنادق، عازياً ذلك إلى الشعور بعدم الاستقرار في المنطقة، والتخوف من امتداد الصراع.
وتشير إحصاءات البنك المركزي الأردني إلى أن القطاع السياحي الأردني شهد حالة من الانتعاش قبل الحرب، وحقق مكاسب جيدة في عام 2023، بنسبة 30.5% مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2022، ليسجل ما قيمته 6.9 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه تبين إحصاءات صندوق النقد الدولي أن الصراع أثر سلباً في قطاع السياحة، ورغم عودة مؤشرات الفنادق والرحلات الجوية في المنطقة قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مستويات عام 2019، سجلت اتجاهات نسب إشغال الغرف الفندقية عقب اندلاع الصراع تراجعاً حاداً في لبنان والأردن لعام 2023 مقارنة بالفترة نفسها في العام السابق.
ويبيّن هلالات أنه رغم التعاون بين القطاع الخاص وهيئة تنشيط السياحة للترويج للسياحة الأردنية في الخارج، بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن هذه الجهود لم تكن ذات جدوى، لأن الأردن أصبح يصنف "دولة خطرة" بسبب أوضاع الحرب، وخصوصاً للأسواق الأوروبية والأمريكية، موضحاً أن هدف الترويج كان أكثر لتعزيز مكانة الأردن على الخارطة السياحية العالمية، بدلاً من جذب السياح خلال تلك الفترة.
بدوره أشار وزير السياحة مكرم القيسي في وقت سابق إلى تراجع حجوزات الفنادق في الأردن بنسبة 50% منذ بدء الحرب على غزة، مبيناً أن الطلب على المواقع السياحية تراجع بنسبة 40% منذ بدء الحرب، بالإضافة إلى انخفاض نسبة حجوزات المطاعم السياحية بنسبة 60 إلى 70%.
خطط أردنية لمواجهة تداعيات الحرب
وبيّن القيسي في اجتماع نظمته الجمعية الأردنية للسياحة الوافدة، أن فتح الأسواق الجديدة مثل إفريقيا، وبحث إعادة النظر للسماح للطيران الروسي بالهبوط في مطارات الأردن، من أهم الخطوات التي تتخذها وزارة السياحة والآثار، بالإضافة إلى العمل على استمرار التسويق للأردن بشكل مكثف وفعال في الأسواق ذات الاهتمام، والعمل على تجويد المنتجات، والتدريب والتأهيل للعمالة في القطاع السياحي، إلى جانب العمل على استدامة المواقع الأثرية والحفاظ عليها.
وفيما يتعلق بالتخطيط لاستقطاب سياح جدد من دول شرق آسيا، يوضح حسين هلالات أن تحديات تواجه هذا الاقتراح، منها المتعلقة بارتفاع تكاليف السفر للسياح، نتيجة لعدم وجود رحلات جوية مباشرة من تلك الدول إلى الأردن
وشدد نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية على أهمية توفير رحلات جوية مباشرة جديدة من شركات الطيران، لتسهيل عملية استقطاب سياح جدد من هذه الأسواق.
ويطالب هلالات الحكومة الأردنية بضرورة دعم القطاع السياحي، الذي يعمل به ما يقارب 600 ألف عامل بشكل مباشر، يتضمن هؤلاء العاملين عمال فنادق ومرشدين سياحيين، بالإضافة إلى قطاع المطاعم وغيره، مؤكداً أن التخلي عن دعم الحكومة لهذا القطاع سيشكل مشكلة كبيرة جداً، منها زيادة معدلات البطالة بسبب إغلاق الاستثمارات في القطاع.
تأثير الحرب على الاقتصاد الأردني
وفي سياق متصل، يوضح الخبير الاقتصادي مازن الرشيد أن الحرب في غزة قد تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة، مما يتسبب في تأثير سلبي في الثقة الاستثمارية والسياحية، باعتبارهما قطاعين حيويين للاقتصاد الأردني.
ويلفت الرشيد في حديثه مع TRT عربي إلى أن المستثمرين قد يُضطرون إلى تأجيل أو إلغاء الاستثمارات في الأردن نتيجة للمخاوف الأمنية، مما يسبب فقدان فرص العمل والدخل.
ويتابع القول: على المستوى الاقتصادي الكلي، قد نشهد زيادة في أسعار السلع الأساسية نتيجة للتأثيرات في سلاسل الإمداد والتجارة الإقليمية خاصة في منطقة البحر الأحمر، الذي يعتمد الأردن عليه لاستيراد عديد من السلع الأساسية.
ويبيّن أن ذلك يقابله ارتفاع في التكاليف، وتأثر الميزانية الوطنية بسبب الحاجة إلى زيادة الإنفاق على الأمن والدفاع في مواجهة التوترات الإقليمية، مما يقلل من الموارد المتاحة للتنمية والخدمات العامة.
أما عن تقرير صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى تراجع نمو الاقتصاد الأردني، يعزى الرشيد هذا التراجع إلى عوامل عدة تحدّ من القدرة على تحقيق نمو سريع، منها الضغوط الاقتصادية المتزايدة نتيجة للحرب، وتأثيراتها على ثقة المستثمرين، وتدفقات السياحة، فضلاً عن التحديات الهيكلية الداخلية، مثل ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع الدين العام.
ويشير الرشيد إلى أنه "يجب على الحكومة الأردنية تبنّي استراتيجيات تركز على تحفيز النمو من خلال تحسين بيئة الأعمال، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز القطاعات ذات القدرة التنافسية لخلق فرص عمل وتنويع الاقتصاد".
في الوقت نفسه، أشار صندوق النقد الدولي في تقريره إلى أن الحرب في غزة كان لها تداعياتها السلبية على عدد السائحين والإنفاق الاستهلاكي في الأردن، ويتوقع أن يتراجع النمو خلال عامي 2023 و2024 ليسجل 2.6%، مقابل التوقعات السابقة ببلوغ النمو قرابة 3% هذا العام.
ولفت إلى أن هذه التوقعات قد تنعكس على تراجع الاستثمار، وانخفاض العائدات المحلية، ليسجل الحساب الجاري عجزاً أقل مما كان متوقعاً في السابق ليصل إلى 6.3%.
يُذكر أن وزير المالية محمد العسعس قال في خطابه عن موازنة الأردن 2024 أمام مجلس النواب، إن إعداد مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024، "جاء في ظل ظروف غير مسبوقة"، جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.