تابعنا
تواجه الحكومة الفلسطينية أزمة مالية خانقة أدّت إلى تأثر عدد من القطاعات الحيوية، منها الحكومية والخاصة، وانعكست تداعياتها على المواطن الفلسطيني.

وتعود الأزمة إلى الإجراءات الإسرائيلية تجاه السلطة والاقتطاعات من أموال المقاصة، وتراجع المنح الخارجية وتراجع الموارد المحلية، إلى جانب صعوبة تقليص الإنفاق الجاري.

وأفاد موجز جديد صادر عن منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني اليوم 7 يونيو/حزيران، بأن ثمانية أشهر من الحرب في قطاع غزة تسببت في فقدان الوظائف وسبل العيش على نطاق واسع، وتراجع حادّ في الناتج المحلي الإجمالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي الضفة الغربية وصل معدل البطالة إلى 32%، فبينما تحاصر إسرائيل غزة وتقصفها، تشن أيضاً حرباً اقتصادية في الضفة بسبب القيود الشاملة على الاقتصاد الفلسطيني، وإلغاء تصاريح العمل وإعاقة حرية الحركة، فضلاً عن احتجاز الاحتلال الإسرائيلي عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية (المقاصة) لعدة أشهر.

فقدان وظائف وضعف القدرة الشرائية

وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية فإن 51% من عمال الضفة الغربية الذين ما زالوا يعملون واجهوا تخفيض ساعات العمل، في حين عانى 62.8% منهم انخفاض الأجور.

وخلص التقرير أيضاً إلى أن 65.3% من الشركات في الضفة الغربية أبلغت عن تخفيض في القوى العاملة لديها، إذ لجأ عديد من الشركات إلى تسريح دائم أو مؤقت للعمال.

وفي مايو/أيار الماضي قال تقرير للبنك الدولي إن الحرب الإسرائيلية أثّرَت في البنى التحتية ومستويات المعيشة، مما أفقد إلى فقدان نصف مليون وظيفة في الأراضي الفلسطينية.

ولم يتمكن 148 ألف عامل من الضفة الوصول إلى وظائفهم في أراضي الـ48، وفُقدت 144 ألف وظيفة في الضفة أيضاً بسبب تصاعد العنف وتداعياته على سلاسل التوريد وطاقة الإنتاج وأيضاً على قدرة المعيلين على الوصول إلى أماكن عملهم.

فضلاً عن ذلك تحتجز الحكومة الإسرائيلية أكثر من 6 مليارات شيكل (1.61 مليار دولار) من أموال المقاصة، وهي ضرائب تجبيها المالية الإسرائيلية عن السلع الواردة شهرياً، وتحوّلها إلى وزارة المالية الفلسطينية.

وأكّد البنك الدولي أن المالية العامة للسلطة الفلسطينية تدهورت بشدة، مما يزيد مخاطر حدوث تعديلات غير منظمة واحتمال حدوث انهيار مالي وشيك.

ووصلت الفجوة التمويلية للسلطة الفلسطينية بعد المعونة لعام 2023 إلى 682 مليون دولار أو 3.9% من إجمالي الناتج المحلي، ولوجود فجوة تمويلية محتمَلة في عام 2024 قد تصل إلى 1.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة المالية، وفق البنك الدولي.

وتؤدّي القيود الإسرائيلية والضغوط المالية الحادة وارتفاع البطالة إلى تدهور حادّ في القدرة الشرائية، وتؤثّر سلباً في النشاط الاقتصادي العامّ في الضفة الغربية.

وحول أثر الأزمة في واقع العمال والموظفين، تقول عضو الأمانة لاتحاد نقابات عمال فلسطين عائشة حموضة، إن لهذه الأزمة انعكاس خطير له علاقة بأن الأسر التي تُعتبر بمستوى الدخل المتوسط ستواجه خطر انخفاض مستوى الشعور بالأمن الغذائي، وقدرتها على تأمين احتياجات التعليم والصحة.

وتضيف في حديث لـTRT عربي أن " الأسر التي تتلقى رواتب من الحكومة ستُصنَّف تحت مستوى خط الفقر الوطني وخطّ الفقر المدقع، إذ تبيّن المؤشرات أن هذا الجانب سيساهم في ارتفاع نسبة الأسر الفقيرة التي لا تستطيع تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، خصوصاً مع معطيات تقرير منظمة العمل الدولية بمؤشراته الخطيرة التي لم ترد لأي دولة في العالم".

وتؤكد حموضة أن "الإشكالية الحقيقية أن موضوع التأمين الصحي الذي كان أمام تحدٍّ كبير، والذي تقتطعه الحكومة الإسرائيلية من العمال الفلسطينيين، لا يُورَّد للحكومة الفلسطينية، مثل المنافع الأخرى التي صادرها الإسرائيليون في عملية تُعتبر ابتزازاً للشعب الفلسطيني".

وتوضح: "نحن أمام منعطف خطير في تحوُّل الموظفين وأسر الموظفين في القطاع العام إلى مستوى الفقر المدقع".

الصحة والتعليم أبرز القطاعات المتضررة

ومن أبرز القطاعات التي انعكست عليها الأزمة المالية، القطاع الصحي، إذ أثرت الأزمة في تمويل موازنة وزارة الصحة وفي القدرة التشغيلية والتوريد ومخازن الأدوية والمستهلكات الطبية، حسب وكالة "وفا".

وتفرض القيود المالية العامة ثقلاً على النظام الصحي الفلسطيني، خصوصاً قدرته على التعامل مع العبء المتزايد للأمراض غير المعدية، وأدّى عديد من المعوقات التي تحول دون توفير الرعاية الصحية، إلى جعل نظام الإحالات الطبية الخارجية للعلاج، إلى المستشفيات غير الفلسطينية، حسب البنك الدولي.

وقال وكيل وزارة الصحة وائل الشيخ لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إن نقص مخزون الأدوية وعدم القدرة على توفير بعض الأصناف الدوائية دفع وزارة الصحة إلى الاعتماد أكثر على تحويل المرضى للعلاج في المستشفيات الخاصة والأهلية، ما زاد فاتورة التحويلات وشراء الخدمة.

وأكّد أن الأزمة المالية لها تداعيات كارثية على القطاع الصحي الفلسطيني، وانعكاس خطير على قدرة الوزارة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المرضى، بخاصة أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة من توفير الأدوية وتقديم الخدمات الطبية، فيما أصبح عدد كبير من الأدوية مفقوداً حالياً من مستودعات الوزارة المركزية.

وتأثر أيضاً قطاع التعليم، ولأن التعليم أحد أكبر بنود إنفاق القطاع العام في الضفة الغربية، أدى الانخفاض الحادّ في الإيرادات إلى خفض أو تأجيل أجور موظفي القطاع العامّ، إذ انخفضت رواتب المعلمين بمقدار النصف تقريباً منذ أكتوبر/تشرين الأول.

أبرز ملامح الأزمة المالية

وتقول عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عائشة حموضة، إنه "حدثت من بداية 7 أكتوبر/تشرين الأول إشكالية مالية حقيقية، أولاً بتعطُّل 240 ألف عامل في الداخل بالأراضي المحتلة".

وتضيف أن "الإغلاقات التي فرضها الاحتلال والمداهمات لعدد كبير من بلدات الضفة الغربية تسببت في خروج ما يصل إلى 100 ألف عامل من سوق العمل، ليظهر أيضاً لاحقاً التحدي الأكبر في مصادرة الاحتلال مبالغ المالية للمقاصة تُضَخّ لأعداد كبيرة من العمالة في داخل القطاع العامّ، من ضمنها قطاعات تقدم خدمات للمواطنين".

وتعتبر حموضة أن "هذا مؤشر خطير لإفشال وتدمير منظومة البناء الوظيفي في فلسطين لتقديم الخدمات، وهذا يشكّل تحدياً كبيراً الآن لكونه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقبله كان لدى الحكومة أزمة مالية، ولكن واضح أن الأزمة المالية تتفاقم إذ انخفضت مستويات تقديم الرواتب لتصل إلى 80-70%، والحديث اليوم عن انخفاض 50%، الأمر الذي ينعكس على واقع مشاركة هذه المبالغ في ضخّها في داخل السوق الفلسطينية وضمن عجلة الإنتاج في الشراء والبيع".

TRT عربي
الأكثر تداولاً