ماذا تريد فرنسا من منطقة المحيط الهادئ؟ / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

"نحن في غابة ولدينا فيلان كبيران في حالة توتر متزايد"، هكذا كان توصيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للوضع بمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، مشيراً إلى التنافس الأمريكي-الصيني الدائر هناك. قبل أن يستنجد بباقي "النمور والقرود"، على حد وصفه، إلى التعاون من أجل تجنيب المنطقة مخاطرة المواجهة.

كانت هذه الكلمات ضمن خطاب الرئيس الفرنسي في قمة قادة المنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "ابيك"، يوم الجمعة، باسطاً من خلالها استراتيجية بلاده في المنطقة. هذا دون أن يفصح صراحة عن طموحها بأن تكون "الفيل الثالث" هناك، رغم تصدي الصين والولايات المتحدة لذلك في أكثر من مرة.

"الفيل الثالث" في الغابة؟

وفي خطابه الجمعة، اعتبر ماكرون أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تشهد منافسة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، يجب أن تعتمد على القوى الإقليمية، بما فيها فرنسا، لضمان هذا التوازن. ومن هنا أتى تشبيهه تلك المنطقة بالغابة، و"لدينا فيلان كبيران في حالة توتر متزايد. وإذا زادت حدة توترهما، فسيبدآن محاربة بعضهما وهذا سيكون مشكلة كبيرة لبقية الغابة".

ويرى ماكرون أن هذه المنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بملف تايوان، تضع عدة دول بالمنطقة لا تريد الاختيار بين القوتين في حرج. بالمقابل يقدم الحل في "التعاون" بين هذه الأطراف من أجل ضمان أمن واستقرار المنطقة.

هذا ولم يخف الرئيس الفرنسي "الأولوية الاستراتيجية" لهذه المنطقة الممتدة من سواحل شرق إفريقيا إلى السواحل الغربية لأمريكا، بالنسبة إلى بلاده. مدافعاً عن طموح هناك بالقول: "نحن لا نؤمن بالهيمنة والمواجهة. نؤمن بالاستقرار ونؤمن بالابتكار".

وحسب مراقبين يعد خطاب ماكرون اليوم تتميماً لما تعهد به سابقاً، عام 2018، في خطابه بقاعدة "غاردن أيلاند" الأسترالية. حيث عبَّر وقتها عن انخراط بلاده في "تسوية الأزمات الإقليمية وسلامة طرق الشحن الرئيسية ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة"، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة، وأداء دور أكبر داخل التكتلات الإقليمية هناك.

ما أهمية المنطقة لباريس؟

وفق الموقع الرسمي للخارجية الفرنسية فإن منطقة المحيط الهادئ "ذات أهمية كبيرة للبلاد"، إذ تحظى فرنسا هناك بموطئ قدم عبر أراضيها الخارجية، حيث يقطن نحو 1.65 مليون من مواطنيها. كما تقع 93% من المنطقة الاقتصادية الفرنسية الخالصة في المحيطين الهندي والهادئ. هذا فضلاً عن 8 آلاف جندي من قواتها مرابطة هناك.

ومنذ سنة 2018 تسعى فرنسا لتقديم نفسها في المنطقة كـ"قوة وسيطة" بين التجاذبات والاستقطاب الحاد الذي تعرفه، والدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بتعزيز شراكاتها مع مختلف الفعلة هناك، وهو ما كشفته وثيقتها الاستراتيجية في هذا الصدد.

وترسم الخارطة الاستراتيجية لمنطقة المحيط الهادي خمس ملفات جيوسياسية ساخنة، أولها التنافس الأمريكي-الصيني وملف تايوان، والمنافسة الصينية-الهندية، والتوترات في شبه الجزيرة الكورية، وترسيم الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي والشرقي.

ومن ضمن المصالح الاقتصادية لفرنسا في المنطقة صادرات صناعاتها الدفاعية، حيث تعد آسيا وأوقيانوسيا مجتمعتين أحد أكبر مستوردي السلاح في العالم. وحسب منظمة "سيبري" استحوذت هاتان القارتان مجتمعتين على 43% من واردات السلاح العالمية للفترة ما بين 2017 و2021. وزادت صادرات فرنسا من السلاح لتلك المنطقة بنسبة 59% خلال نفس الفترة، وبالتالي أصبحت تستحوذ على 11% من صادرات السلاح العالمية إلى هناك.

بالمقابل تتحطم طموحات باريس بتحقيق اختراق في المنطقة، وأن تصبح لاعباً ثالثاً مهماً فيها، على جدار القوى العظمى هناك: الصين والولايات المتحدة على وجه التحديد. وهو ما يبرز عبر الصفعة التي تلقتها باريس خريف 2021، حينما جرى استثناؤها من التحالف الثلاثي "أوكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وإقناع واشنطن كانبيرا بفسخ عقد استيراد غواصات فرنسية، ما اعتبر فشلاً استراتيجياً لباريس.

TRT عربي