تابعنا
في السنوات الأخيرة، وازنت تركيا في علاقاتها بين الدول، مع وضع اعتبارات أمنها القومي في المقام الأول، وهو ما جعلها لاعباً إقليمياً ودولياً يحظى بالاحترام والتقدير من قِبل الفاعلين الأساسيين في السياسة الدولية.

حظيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا باهتمام إقليمي ودولي كبير، تجلى بوضوح من خلال التغطية الإعلامية العالمية، مما عكس بدوره أهمية تركيا باعتبارها فاعلاً إقليمياً ودولياً في عديد من الملفات.

كان لهذا الاهتمام بُعد آخر، برز من خلال التهاني التي صدرت منذ الساعات الأولى لإعلان النتائج غير النهائية لجولة الإعادة للانتخابات الرئاسية من قِبل عديد من زعماء العالم بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن.

زعماء العالم سارعوا بتهنئة أردوغان

لفت قالن في لقاء تليفزيوني، الاثنين 29 مايو/أيار، إلى أنه "عندما بدأت النتيجة تتضح بدأت الاتصالات ترد إلينا من مختلف أنحاء العالم (...) طيلة سنوات عملي مع الرئيس، هذه أول مرة أشاهد فيها هذه السرعة لتهنئته من قِبل المجتمع الدولي، أعني زعماء العالم".

وأشار قالن إلى أن بعضهم قد هاتف الرئيس أردوغان، وبعضهم بعث ببرقيات تهنئة، وبعضهم الآخر نشر التهنئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في وقت مبكر فور اتضاح النتائج.

وعلّقت شبكة BBC البريطانية بنسختها التركية على الانتخابات صباح اليوم التالي، بالقول: "يمكنك أن تفهم الأهمية الاستراتيجية لتركيا عالمياً، خصوصاً بعد حرب أوكرانيا، من خلال تسابق زعماء العالم من الصف الأول لتهنئة أردوغان على فوزه في الانتخابات مساء الأحد (28 مايو/أيار)"، مشيرة إلى التهاني "المبكرة" التي صدرت عن بوتين وماكرون وبايدن.

في السنوات الأخيرة، وازنت تركيا في علاقاتها بين الدول، مع وضع اعتبارات أمنها القومي في المقام الأول، وهو ما جعلها لاعباً إقليمياً ودولياً يحظى بالاحترام والتقدير من قِبل الفاعلين الأساسيين في السياسة الدولية.

تركيا "قوة مستقلة"

يرى الكاتب والباحث التركي أيهان دمير أن الاهتمام الغربي بالانتخابات التركية التي تزامنت مع مشارف دخول الجمهورية التركية مئويتها الثانية يتعلق بالنهضة التي تحققها تركيا يوماً بعد يوم.

وقال دمير لـTRT عربي: "تزداد تركيا قوة من جهة، وتعود إلى هويتها الأصلية المستقلة من جهة أخرى، وفي خضمّ ذلك نرى بلدنا يتحول إلى قوة إقليمية وعالمية مع مرور الوقت".

وأضاف بأن "الحملة الإعلامية الغربية خلال الحملة الانتخابية في تركيا كان لها بُعد آخر في هذا السياق، إذ رأينا الهجمات على تركيا ورئيسها وكأنهم يحاولون تلقين الشعب التركي درساً في الديمقراطية، وذلك لسبب واحد، هو أنهم لا يتحملون أن يكون لهذا الشعب قراره المستقل والحاسم على نطاق عالمي".

واعتبر الباحث التركي أن "الغرب منزعج من كون تركيا الدولة الوحيدة تقريباً التي لديها حضور واعتبار ويجري الاستماع لها والوثوق بها في عديد من بلدان المنطقة والعالم، لا سيما التي تشهد صراعات باردة أو ساخنة"، على حد وصفه.

وأوضح أن "نشاط تركيا في السياسة الخارجية وخصوصاً في العالم الإسلامي يزعج بعض القوى العالمية".

العالم العربي وصدى الانتخابات التركية

لم تكن متابعة الانتخابات التركية مقتصرة على وسائل الإعلام الغربية والسياسيين الغربيين، بل كان العالم العربي المجاور لتركيا يراقب من كثب تطورات العملية الديمقراطية إلى حين إعلان فوز أردوغان، إذ غطّت كبرى القنوات العربية ذلك من داخل تركيا ونقلت للمتابعين العرب التطورات أولاً بأول.

من جانب آخر، تصدّر وسم الانتخابات التركية وأردوغان موقع تويتر عربياً، حسب رصد لوكالة الأناضول، مشيرة إلى أن الوسمين تصدرا الموقع العالمي في 10 دول عربية، هي مصر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عُمان والمغرب والعراق ولبنان بواقع عشرات آلاف التغريدات.

إلى جانب أن تركيا دولة مجاورة لسوريا والعراق جغرافياً، فإنها ترتبط بعديد من الدول العربية بمصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة، وهو ما يفسّر الاهتمام العربي رسمياً وشعبياً بمجريات الانتخابات التي طالما وصفها أردوغان بأنها "انتخابات القرن".

وعلى الصعيد العربي كذلك، كان من الملاحظ مسارعة عديد من الزعماء لتهنئة الرئيس أردوغان بفوزه بولاية جديدة، في وقت مبكر فور اتضاح نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وكان أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المهنّئين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوزه، وجاء ذلك عبر تغريدة نشرها الأمير على تويتر قال فيها: "أخي العزيز رجب طيب أردوغان، مبارك لكم الفوز، وأتمنى لك التوفيق في ولايتك الجديدة، وأن تحقّق فيها ما يطمح إليه الشعب التركي الشقيق من تقدّم ورخاء، ولعلاقات بلدينا القوية مزيداً من التطور والنماء".

"تركيا حاضرة في قلوب الأفارقة"

في سياق متصل، كانت الانتخابات التركية على أجندة القارة الإفريقية رسمياً وشعبياً، ما يشير إلى أن تركيا خرجت من سياق كونها منطقة بعيدة جغرافياً عن إفريقيا، بل زادت زخم حضورها الدبلوماسي والإنساني والاقتصادي في العقدين الماضيين.

تقول الدكتورة السودانية المحاضِرة بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة توكات غازي عثمان باشا التركية، ميادة كمال الدين، خلال حديثها مع TRT عربي، إن "تركيا ورئيسها أردوغان بات لهما حضور قوي في إفريقيا، إذ إنّ وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) وصلت إلى عديد من الدول الإفريقية".

وتابعت كمال الدين: "كانت تركيا أكثر دولة وقفت بجانب الصوماليين خلال أزماتهم، كما كان أردوغان على سبيل المثال أول زعيم أجنبي يزور دارفور عقب أزمتها في 2006، وأمر ببناء مستشفى تركي هناك لا يزال يقدم خدماته مجاناً حتى اليوم".

واعتبرت كمال الدين أن العلاقات التركية-الإفريقية "تعيش اليوم أفضل أيامها بسبب سياسة تركيا في عهد الرئيس أردوغان. فعلى سبيل المثال، بينما كان عدد السفارات التركية في القارة يبلغ 12 فقط في عام 2002، نجد أن العدد ارتفع إلى 44 سفارة بحلول 2022، وبينما كان حجم التبادل التجاري عند 5.4 مليار دولار، نجد أنه الآن ارتفع إلى أكثر من 40 مليار دولار في ذات الأعوام".

وأوضحت الباحثة السودانية أن جزءاً كبيراً من العلاقات بين تركيا وإفريقيا "يعتمد على العامل الإنساني"، مشيرة إلى أن تيكا وهيئة الإغاثة التركية (İHH) تنشطان في شتى دول القارة، وهذا أصبح "عاملاً لخلق مكانة لهذا البلد في قلوب ومشاعر الأفارقة".

كما أكدت أهمية "العلامة الفارقة التي ميزت تركيا عن غيرها من اللاعبين المنافسين في القارة مثل فرنسا والصين والولايات المتحدة"، لافتة إلى "دفاع أردوغان عن حقوق الأفارقة في مجلس الأمن وتسليط الضوء على أزماتهم ومعاناتهم وأن العالم أكبر من 5 دول فقط، إلى جانب أن أردوغان نفسه هو أكثر زعيم يزور الدول الإفريقية على مستوى عالمي".

وكان الرئيس أردوغان قد أشار سابقاً إلى أن الغرب "لا يريد لإفريقيا أن تنهض وتستفيد من إمكاناتها الهائلة وأن يسود السلام في جميع أنحائها (...) لم ولن نقبل إطلاقاً بمواقف الدولة الغربية الاستعلائية والفظة وتدخلاتها في دول القارة الإفريقية"، مؤكداً أن علاقات تركيا مع الدول الإفريقية تقوم على "أساس المساواة والاحترام المتبادل".

TRT عربي