الحراك الجزائري المستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع يواصل زخمه ويضغط على النظام  (AP)
تابعنا

تحمل تطورات الوضع في الجزائر منحى جديداً بعد ردة فعل المحتجين على قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي قوبلت بالرفض القاطع معتبرين إياها تمديداً للحكم بالأمر الواقع، داعين إلى استمرار الاحتجاجات، حتى استجابة كاملة وحقيقية لمطالبهم.

بوتفليقة أعلن الاثنين الماضي إقالة الحكومة وسحب ترشحه لولاية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل، إلى أجل غير محدد، وتشكيل ندوة وطنية لوضع الدستور، وبعدها يتم تنظيم الانتخابات.

نور الدين بدوي رئيس الوزراء الجديد، تعهد بتشكيل حكومة كفاءات لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مدافعاً عن قرارات الرئيس فهو لم يشكك في دستورية قرار تأجيل الانتخابات، معللاً بأنها كانت استجابة لمطالب الشّعب الجزائري مصدر السلطات، وأن بقاء الرئيس في الحكم حتى بعد انتهاء عهدته الرابعة كان في إطار استجابته لمطالب الشعب.

رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري رأى هو الآخر أن قرار تأجيل الانتخابات يستهدف استيعاب الحراك المستمر في الشارع.

وفي مقابلة مع TRT عربي أشار سليم حمادي المحلل السياسي الجزائري أن تصريحات رئيس الوزراء كانت أكثر بيروقراطية واتسمت بنوع من الإبهام والتعقيد، فهو شخص من النظام الذي يطالب المحتجون برحيله، كما أنه لم يعط إجابات شافية لأدنى مطالب الجزائريين.

يُذكر أنه في اليوم ذاته التي أُصدرت فيه هذه القرارات كان التلفزيون الجزائري قد عرض لقطات استقبال بوتفليقة لوزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي، الذي قال إنه أطلعه على قرارات مهمة، ومن بينها تشكيل ندوة الحوار الوطني والتي تداولت بعض المصادر أنه سيرأسها، غير أن الإبراهيمي صرح بعدها بأيام بأنها أخبار مكذوبة، ولم يُعلن عن كيفية وآلية تشكيل الندوة حتى الآن.

الحراك الجزائري لن يقبل الآن، وهو في موضع قوة، بأي تسويات مشبوهة تجهض مطالبه، وأولها تسليم السلطة لرئيس البرلمان، وإجراء انتخابات ديمقراطية خلال 90 يوماً من أجل تداول حقيقي للسلطة وضخ دماء جديدة في دواليب الحكم

سليم حمادي-محلل سياسي جزائري

دلالات حراك 15 مارس

يعتبر سليم حمادي أن النظام الآن في أضعف حالاته، والثابت الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه الآن هو سلمية الحراك الشعبي سواء في الجامعات أو النقابات أو الشوارع، وسيكون حراك 15 مارس بمثابة رسالة قوية من طرفه إلى السلطة القائمة التي تحاول الالتفاف على مطالب الشعب وكسب مزيد من الوقت في محاولة لإيجاد بديل، في الوقت الذي يرفض فيه المحتجون كل القرارات التي ليست سوى تمديد غير دستوري وخرق قانوني.

الحراك الجزائري لن يقبل الآن، وهو في وضع قوي، بأي تسويات مشبوهة تجهض مطالبه، وأولها تسليم السلطة لرئيس البرلمان، إجراء انتخابات ديمقراطية خلال 90 يوماً من أجل تداول حقيقي للسلطة وضخ دماء جديدة في دواليب الحكم.

تخبط النظام والجيش

ربما يكون النظام، ومن ورائه الجيش، أخطأ عندما قرر ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، ولم يضع تصوراً لردة فعل الشارع، ولحل هذه الإشكالية تعهدوا بإجراء إصلاحات، لكن في الحقيقة هم يحاولون كسب الوقت للبحث عن وسيلة لإنقاذ نظام سياسي مترهل يمثل مصالحهم، وقرارات تعيين شخصيات للنظام للإشراف على الفترة الانتقالية تعد حيلة مستهلكة قد لا تُجدي نفعاً.

ناهيك عن أن المؤسسة العسكرية الجزائرية هي المستفيد الأساسي والمدافع الأول عن النظام السياسي الحالي، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه بهذه السهولة، وقرارات بوتفليقة الأخيرة ما هي إلا تكتيكات لإعادة ترتيب أوراقه.

خصوصاً وأن النظام من داخله يشهد صراعاً حتى قبل الحراك أو الإعلان عن فتح باب الترشح يناير/كانون الثاني الماضي تجلى في استقالة جمال ولد عباس رئيس "جبهة التحرير الوطني" الموالية لبوتفليقة، إقالة 26 من حكّام الولايات المؤيدين للنظام، فضلاً عن حملة إحالات للتقاعد لبعض القادة العسكريين.

وبالتالي فالفترة الانتقالية المعلنة وغير المحددة تعد فرصة ثمينة سيحاول النظام وجنرالات الجيش خلالها حل خلافاتهم والتوصل إلى مرشح جديد يضمن استمرار سيطرتهم على الأوضاع.

سيناريوهات قادمة

يرى سليم حمادي أن ردة فعل الشعب الجزائري على إعلان ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة، وحتى الآن، لم يتوقعها النظام، وفاقت كل تصوراته، وفي الفترة المقبلة قد نشهد تطورات قد تتمثل في استبدال رئيس الوزراء، وتقديم النظام تنازلات، والبحث عن وجوه أخرى تحسن هيئته.

يميل محللون آخرون إلى الإقرار بأن الموقف لايزال هلامياً، ولا يمكن توصيفه على أنه ثورة، فالثورات تستلزم الإطاحة المتزامنة بالنظام السياسي والاجتماعي، يعزز كل منهما الآخر، وهذا لم يحدث حتى الآن، فتراجع الرئيس عن ترشحه أو حتى بروز وجه آخر من النظام نفسه لا يعني ثورة.

كما أن خصوصية التجربة الجزائرية في الانتقال إلى الديمقراطية قد تجعل من الصعب حدوث تحول ديمقراطي حقيقي على المدى القريب لسببين:

الأول: سيناريو أكتوبر 1988 عندما شهدت الجزائر احتجاجات على مستوى البلاد، قُتل فيها 120 جزائرياً على الأقل، نُشر الجيش في الشوارع، نجحت الاحتجاجات في صياغة دستور جديد، دفع الكثيرون إلى استخلاص أن الجزائر تمضي بخطى ثابتة نحو الديمقراطية في ذلك الوقت، والأفضل حالاً في محيطها الإقليمي.

لكن بعد سنوات قليلة فقط من إقرار الدستور الجديد في 1989، سقطت الجزائر في حرب أهلية بعد أن ألغى الجيش نتائج الانتخابات التي جاءت بجبهة الإنقاذ إلى الحكم، فكان ثمن الديمقراطية حرباً أهلية كاسحة أودت بحياة 100 ألف جزائري بحسب التقديرات الرسمية.

وفي كل الأحوال لا يمكننا اعتبار التاريخ هو خارطة الطريق للمستقبل، لكنه يدلل على طبيعة السياسة الجزائرية والتي تحولت في لحظة واحدة من الديمقراطية إلى دموية و سلطوية.

وفي هذا الصدد يعتقد حمادي أن الوضع اليوم يختلف عن سيناريو 88 فالسلطة كانت في يد الجيش بشكل مباشر، كما أن ردة الفعل على الاحتجاجات كانت عنيفة حيث قُتل فيها 150 جزائرياً.

والمعطيات بين المرحلتين مختلفة؛ فالجيش الآن وضعه يختلف كثيراً عن تلك المرحلة فهو لا يتدخل في السياسة بشكل مباشر، ولا يمكنه أن يجابه الاحتجاجات السلمية بالعنف، غير أنه يسعى للتهدئة بين جميع الأطراف، وبالتالي لا وجه للمقارنة بين المرحلتين.

الثاني: طبيعة النظم السياسية في المنطقة بوجه عام، بالرغم مما شهدته من موجة احتجاجات قوية أفضت في نهاية المطاف إلى نظم سلطوية وبعضها غرق في الحرب الأهلية والفوضى.

في الواقع لم يحصل الجزائريون حتى الآن على ما أرادوا بسبب العوائق المؤسسية والاجتماعية التي يواجهونها، لكنْ ثمة شيء واحد لا يمكن تجاهله أبداً، وهو أن الجزائريين وشعوب هذه المنطقة لا يستسلمون أبداً؛ فلا يزالون يشقون طريقهم للخلاص من النظم المستبدة.

الجيل الحالي لا يأبه بمخاوف الحرب الأهلية الجزائرية التي اندلعت القرن الماضي لأنها بالنسبة له مجرد وقائع تاريخية (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً