بين فترة وأخرى تعلن الجزائر القضاء على "عناصر إرهابية" نفذت هجمات على الحدود (AFP)
تابعنا

عرفت نقاط حدودية بأقصى جنوبي الجزائر، متاخمة لدولتَي مالي والنيجر، اشتباكين مسلحين بين الجيش الجزائري و"جماعات إرهابية"، خلال أقل من شهرين.

ويدفع السياق الخاص الذي يعرفه الساحل الإفريقي إلى تساؤلات بشأن طبيعة النشاط الإرهابي في المنطقة.

وزارة الدفاع الجزائرية أعلنت في 20 مارس/آذار الجاري، مقتل 3 عسكريين في اشتباك مع "مجموعة إرهابية" بمنطقة "تيمياوين" (حدودية مع مالي).

كما أعلنت الوزارة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، مقتل جنديين و"القضاء على إرهابيين اثنين في اشتباك مسلح مع مجموعة إرهابية"، بمنطقة "حاسي تیریرین" قرب الحدود مع النيجر.

وجاء الاشتباك بمنطقة تيمياوين بعد 4 أيام من عملية عسكرية للجيش الجزائري، وصفتها وزارة الدفاع بـ"النوعية" ضد "الجماعات الإرهابية الناشطة شمال البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي".

وأفادت الوزارة في 17 مارس الجاري بالقبض على 7 "إرهابيين وضبط أسلحة وذخائر"، خلال عملية للجيش في غابة بمحافظة سكيكدة شرقي البلاد.

وقال قائد الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إن "العملية النوعية تعني أن هذه الجماعة الإرهابية دُمرت نهائياً"، وفسّر مراقبون كلامه بأنه قُضيَ على آخر جماعة إرهابية (تنتمي إلى تنظيم القاعدة) تنشط بالمناطق الشمالية والشرقية للبلاد.

وشدّد شنقريحة خلال زيارة لمكان العملية، على أن "الجزائر هزمت الإرهاب وحدها بلا مساعدة من أي دولة".

محاولة اختراق الحدود

وزارة الدفاع الجزائرية تحدثت عن "اشتباك مع مجموعة إرهابية" في تيمياوين، وأن الضحايا الثلاثة عسكريون من سلك حرس الحدود، المعروف بأن عناصره يجهزون بأسلحة خفيفة.

ولم تذكر الوزارة تفاصيل أكثر عن الاشتباك، وهل كان "كميناً" نُصب للعسكريين، أم صدُّوا هجوماً إرهابياً من مواقع دفاعية.

وحملت تعزية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إشارة ضئيلة إلى ما حصل، عندما قال: "إنهم (الجنود) استُشهدوا دفاعاً عن حرمة التراب الوطني"، بما يفيد بأنهم تعاملوا مع "عدو خارجي غريب" عن الأراضي الجزائرية.

وأوضح الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية بن عمر بن جانا، أن "العملية التي راح ضحيتها ضابط وجنديان، تدلّ على وقوف الجيش الوطني في وجه جماعة إرهابية أرادت اختراق التراب الوطني".

كما شهدت تيمياوين، في فبراير/شباط 2020، مقتل جندي جزائري، في تفجير سيارة مفخخة كان يقودها "إرهابي انتحاري".

ووفق بيان للجيش الجزائري آنذاك: "كانت الحادثة أول عملية إرهابية بالجنوب الجزائري منذ 2013، حينما حاولت جماعة إرهابية السيطرة على منشأة غازيَّة ضخمة (...) وانتهت بالقضاء على جميع المهاجمين وعددهم 32".

ضغط وتوريط

تسجيل عمليتين إرهابيتين في أقل من شهرين، بنقاط حدودية متاخمة للنيجر ومالي، خلفتا معاً 5 قتلى من جانب الجيش الجزائري، يحمل أكثر من دلالة، بخاصة في السياق الأمني العامّ الذي تعرفه منطقة الساحل، مع تحضير القوات الفرنسية لمغادرة مالي نهائياً.

وتحدثت مصادر إعلامية مختلفة خلال السنوات الأخيرة، عن رفض الجزائر في عديد المناسبات تقديم الدعم والمساندة العسكرية للقوات الفرنسية العاملة في مالي.

ووجدت باريس نفسها مضطرة إلى سحب أكثر من 5000 جندي من قواتها بشمال مالي، إثر أزمة حادة نشبت بينها وبين القيادة العسكرية الحاكمة للبلاد، بعدما أطاحت بالرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا في أغسطس/آب 2020.

ودائماً ما تعرضت الجزائر لضغوط لإقحام قواتها في الحرب على الإرهاب فوق التراب المالي، لكنها ترفض ذلك وتعتبره أمراً "مخالفاً لعقيدتها العسكرية".

ويعتقد الخبير بن عمر بن جانا، أن "الاشتباك الأخير مع الإرهابين يحتمل كل التأويلات، بما فيها محاولة الضغط على الجزائر وسحبها إلى مستنقع الساحل، بعد مغادرة فرنسا".

وأضاف: "يمكن اعتبارها أيضاً عملية مثل العمليات الأخرى التي ترغب من خلالها الجماعات الإرهابية في تسجيل هالة إعلامية وفكّ الحصار المفروض عليها".

وأفاد بأن "العملية لا تنقص الدور الذي يؤدّيه الجيش الجزائري في حماية الحدود الشاسعة، فهي مؤمَّنة جيداً وكل هجمات الجماعات الإرهابية مهما كانت صغيرة أو كبيرة سيكون مآلها الفشل".

الجريمة المنظمة

من جانبه يحذر الخبير في الأزمات الدولية حسان قاسمي، من الامتدادات الجغرافية لما يحدث شمال مالي، إلى التراب الجزائري.

وقال قاسمي إن "تيمياوين متاخمة لمدينة كيدال المالية"، داعياً إلى "مراقبة التطورات الحاصلة هناك من قرب، حتى لا تمتدّ الأزمة إلى ساكنة المناطق الحدودية الجزائرية".

وأشار المتحدث، وهو مسؤول ملف الهجرة سابقاً بوزارة الداخلية، إلى "عنصرَي التهريب والجريمة المنظمة، كعامل مُقوٍّ للنشاط الإرهابي في هذه المنطقة الخطيرة جداً، التي أسمِّيها رواق أباطرة الجريمة العابرة للحدود، بخاصة الاتجار بالمخدرات والمهاجرين".

واستطرد: "مناطق مثل تيمياوين، وعين قزام، وتينزواتين الحدودية، نظراً إلى موقعها الجغرافي، بحاجة إلى يقظة أمنية أقوى بالنظر إلى قوة التهديدات القائمة".

وتملك الجزائر حدوداً بمسافة 1359 كم مع مالي و951 كم مع النيجر، ونحو ألف كم مع ليبيا.

وخلال السنوات الماضية دفعت السلطات الجزائرية بآلاف العسكريين لتأمين الحدود الجنوبية مع البلدان الثلاثة، لصدّ ما تقول السلطات إنه "محاولات تسلُّل إرهابيين وتهريب سلاح".

AA