تابعنا
أكد الائتلاف الأهلي لحقوق الإنسان أن هدم المنازل بما فيها الهدم الذاتي سياسة قديمة تعود إلى عام 1973 عندما ترأست غولدا مائير الحكومة الإسرائيلية وشكلت لجنة بهدف قلب المعادلة الديموغرافية في القدس المحتلة لتصبح 25% عرباً مقابل 75% إسرائيليين.

في 17 فبراير/شباط الماضي أجبرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المقدسيّ علي عودة على هدم منزله في حي بئر أيوب ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، بحجة البناء من دون ترخيص.

وحرمت قوات الاحتلال عودة من العيش في حياة طبيعية، كما يقول، إذ هُدِم منزله مرتين، واحدة منها نفذها بنفسه لتجنّب دفع تكاليف الهدم لطواقم البلدية وخسر مبالغ ماليّة تقدّر بملايين الشواكل.

منازل وأحلام مهدمة

ويضيف عودة لـTRT عربي: "أحلامي هُدمت أيضاً وأصبحت في الأربعين من العمر لا أشعر بالاستقرار ولم أتمكن من الارتباط أو تأسيس عائلة، فالبشر والحجر والشجر مستهدفون في القدس".

ويوضح أن المنزل تبلغ مساحته نحو 100 متر مربع، وهذه المرّة الثانية التي يُجبَر فيها على هدمه، إذ هدمت سلطات الاحتلال منزله للمرة الأولى عام 2021، لكنها المرة الأولى التي ينفّذ فيها القرار بيديه، مؤكداً أن "كل سياسات الاحتلال تهدف إلى تفريغ القدس من سكانّها ودفعهم إلى الرحيل".

أما حي بئر أيوب الملقب بـ"جار الأقصى" حيث يسكن عودة فهو واحد من 12 حيّاً في بلدة سلوان القريبة من المسجد الأقصى، إذ لا يفصل بين مدخل البلدة الشمالي (وهو حي وادي حلوة والمسجد الأقصى) سوى سور القدس الجنوبي المحاذي للحي، ويتعرض هذا الحي لمحاولات استيطانية مستمرة لتهويده وإقامة مبانٍ عامة ومراكز جماهيرية وسياحية لصالح المستوطنين.

"الهدم الذاتي".. تهجير للمقدسيين

وأكد الائتلاف الأهلي لحقوق الإنسان في القدس المحتلة أن هدم المنازل بما فيها الهدم الذاتي سياسة قديمة تعود إلى عام 1973 عندما ترأست غولدا مائير الحكومة الإسرائيلية وشكلت لجنة بهدف قلب المعادلة الديموغرافية في القدس المحتلة لتصبح 25% عرباً مقابل 75% إسرائيليين.

ويبيّن الائتلاف في تصريح لـTRT عربي أن سياسة الهدم الذاتي تأخذ منحى تصاعدياً في السنوات الثلاث الأخيرة في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تدفع المقدسيين نحو هذا الخيار، تحديداً في مناطق سلوان وجبل المكبر وأجزاء من العيسوية وبيت حنينا.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 هدمت آليات الاحتلال 94 مبنى سكنياً، 41 منها نُفذ ذاتياً، فيما كانت بلدية الاحتلال تمنح أصحاب المبنى مهلة 21 يوماً لتنفيذ قرار الهدم، لكن الآن تُخترق هذه المهلة وتنفذ عملية الهدم قبل انتهاء هذه المهلة.

واعتبر الائتلاف أن "الهدم الذاتي" من أخطر السياسات التي تنفذ في القدس بهدف تهجير المقدسيين وتفريغ المدينة ومحيطها وإحلال المستوطنين، في معركة وجودية تسير بوتيرة سريعة لتغليف القدس بالحزام الاستيطاني.

ويلفت إلى أن بلدة سلوان مستهدفة كونها تقع ضمن "مخطط الحوض المقدس" الاستيطاني، حيث هناك 3 جمعيات استيطانية تعمل على تخصيص الأموال لتنفيذ مخططات استيطانية في مناطقها، كما يوجد في البلدة اليوم 3 آلاف مستوطن.

وتدخل سياسة الهدم الذاتي في سياق مخطط إسرائيلي يهدف إلى تعقيد حياة المقدسيين، بدءاً من استصدار تراخيص البناء التي تكلّف مبالغ خيالية تُدفع بالدولار في ظل أوضاع اقتصادية صعبة أصلاً يعيشها المقدسيون، حيث تجاوزت نسبة الفقر 60%، مقابل تسهيلات غير مسبوقة تقدم للمستوطنين، وصولاً إلى عدم الإفصاح عن طبيعة تصنيف الأراضي وفقاً لقوانين بلدية الاحتلال، سواء كانت تصلح للبناء أم تعتبر "مناطق خضراء"، فيما تنفذ طواقم الاحتلال عمليات مسح جوي بشكل دوري لتبدأ ملاحقة أي بناء جديد.

ويكشف الائتلاف أن عام 2023 شهد تنفيذ عمليات هدم لـ150 مبنى سكنياً، 70 منها كان هدماً ذاتياً، أما عام 2022 فشهد 143 عملية هدم مسكن، 71 حالة منها كان هدماً ذاتياً، أما في عام 2021 فقد نفذت بلدية الاحتلال 181 عملية هدم مسكن، 97 منها كان هدماً ذاتياً.

حرب نفسية على القدس

وتوضح إخصائية الطب النفسي الدكتورة سماح جبر أن سياسة "الهدم الذاتي" للمنازل في القدس، التي تتعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهاجها بحق المقدسيين، تُعَدّ شكلاً من أشكال الحرب النفسية التي تترك أثراً بالغاً في نفسية أهالي القدس.

وتشير جبر في حديثها مع TRT عربي إلى أن الحرب النفسية تُعَدّ أحد أوجه الحرب العديدة التي تتضمن مناورات واستراتيجيات قوية تهدف إلى إضعاف المقاومة أو الشعب المستهدف منها.

وتلفت إخصائية الطب النفسي إلى أن إسرائيل اعتمدت تاريخياً كثيراً من أشكال الحرب النفسية، مثل إلقاء المناشير أو إبراز المقاومين بصور سلبية أو تعمد نشر أخبار كاذبة أو مضللة أو نشر صور المواطنين وهم عراة ومكبلو الأيدي، كالذي نشهده حالياً في الحرب المتواصلة على قطاع غزّة، مؤكدة أن الوعي هو الأداة الأساسية لمقاومة هذا الشكل من الحرب.

"عدم الترخيص" حجّة لتفريغ القدس

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة (أوتشا) فإن الزيادة التي طرأت على عمليات الهدم بصفة عامة، وعمليات الهدم الذاتي على وجه الخصوص، ترتبط بالتعديلات التي أُدخلت على قانون التخطيط والبناء لعام 1965، التي أقرّها الكنيست الإسرائيلي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، والمخاوف التي تعتري الفلسطينيين حيال دفع غرامات باهظة والتعرض للاعتقال.

ويُعَدّ البناء من دون الحصول على رخصة في القدس الشرقية عملاً جنائياً يُفضي إلى فرض غرامات على أعمال البناء التي تخالف القانون، وتُدفع هذه الغرامات عادةً على أقساط شهرية قد يستمر تسديدها حتى بعد هدم المنزل نفسه.

وإضافة إلى ذلك تتضمن القرارات القضائية بشأن أوامر الهدم القضائية عادةً أحكاماً تنص على أن مالك المنزل إنْ لم ينفذ الهدم بحلول تاريخ محدد فستتولى السلطات تنفيذ الهدم وتزيد قيمة الغرامة المفروضة.

وتعتمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية بهدف تحجيم وتقليص الوجود السكاني الفلسطيني في المدينة، وقد صنفت أربعة أنواع لهدم المنازل، ويُعَدّ الهدم الإداري الأكثر شيوعاً، وينفذ بذريعة البناء من دون الحصول على ترخيص أو بذريعة المصلحة العامة، وتكمن السهولة في إصدار القرار الإداري للهدم بالاكتفاء بإصدار مهندس البلدية بلاغاً بهذه الحالات، في حين يقوم رئيس البلدية بدوره بالتوقيع عليه، مع أن "البناء دون تراخيص" يجري أيضاً في المستوطنات بكثرة. وتتمثل الأنواع الأخرى في الهدم القضائي والهدم العقابي والهدم العسكري.

وجاء اتّساع نطاق البناء غير المرخّص شرقيّ المدينة نتيجة لسياسة السلطات الإسرائيلية التي تتعمّد خلق أزمة سكن حادّة مقابل التصديق على تراخيص إقامة آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي القدس، في انتهاك للقوانين والقرارات الدولية للأمم المتحدة التي تعتبر القدس الشرقية، بما فيها البلدة القديمة، جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مخالفات القانون الدولي

وأشارت المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية (مفتاح) في تقرير حول سياسة الهدم الذاتي إلى أن المادة 25/ 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11/ 1 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 نصّتا على أن "هدم المنازل يُعَدّ خرقاً واضحاً لإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تكفل حق الفرد في السكن الملائم".

وتُعَدّ سياسة هدم المنازل ضمن المخالفات الجسيمة وأحد أشكال الإجراءات التعسفية التي تؤدي إلى تدمير ومصادرة الملكية من دون وجه حق ومن دون وجود أي ضرورة عسكرية تستدعي ذلك، وذلك حسب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب.

وتحظر المادة 53 من الاتفاقية تدمير دولة الاحتلال أي أموال ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد أو الجماعات، إلّا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك لتحقيق أهداف عسكرية، كما تفيد المادة 33 بحظر العقوبات الجماعية للسكان المدنيين المحميين أو معاقبتهم عن أفعال لم يرتكبوها أو التعامل بطريقة الثأر منهم ومن ممتلكاتهم.

ويعتبر القانون الجنائي الدولي هدم المنازل على نطاق واسع عملاً غير مشروع ومخالفاً للقانون الدولي، وحسب المادة 8/ 2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنّ "تدمير الممتلكات على نطاق واسع من دون توافر ضرورة عسكرية تبرر ذلك يُعَدّ جريمة حرب".

TRT عربي