تابعنا
السّياسات والمصالح الأوروبية غير المتماسكة وغير المتناسقة، والمتناحرة في ليبيا من بين الأسباب لتفاقم الصراع المسلح الذي تعيشه العاصمة طرابلس.

في الأسبوع الماضي، أجرى فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس، محادثاتٍ في بروكسل مع دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، وفيديريكا موغيريني، رئيسة لجنة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، لمناقشة الصّراع في ليبيا.

وعلى الرغم من أنَّ المجلس الرئاسي كان يحاول كسب تأييد الاتحاد الأوروبي في صفّه، قال كل من تاسك وموغيريني للسراج إنَّ كل الأطراف يجب أن تبدأ في وقف فوري لإطلاق النار وإعادة الالتزام بالمفاوضات، طبقاً لخطّةٍ يقدمها مبعوث الاتحاد الأوروبي لليبيا، غسان سلامة.

وممّا أحبط رئيس الوزراء الليبي، أنَّ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لم يصدروا تصريحاً لمطالبة الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بالانسحاب إلى المواقع التي احتلّوها قبل أن يطلق قائد المنطقة الشرقية حملته العسكرية على العاصمة الليبية في يوم 4 أبريل/نيسان. واعتبر داعمو حفتر هذا الامتناع انتصاراً دبلوماسياً للجيش الوطني الليبي.

ارتباك الموقف الأوروبي

يقول سامي زابيطة، مالك صحيفة ليبيا هيرالد الناطقة بالإنجليزية في حديث له إلى إذاعة "فويس أوف أميركا" الأمريكية، إنَّ بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي "فشل في مطالبة حفتر بإعادة قواته إلى نقاطهم الأساسية، وساوى بين حفتر والسراج، وهو ما طلب السراج من المجتمع الدولي عدم فعله".

ولم يضمن الوزراء أيضاً الإدانة الواضحة لهجوم حفتر على طرابلس، وهو ما كان يبحث عنه السراج.

أعطى الاتحاد الأوروبي الردّ نفسه تماماً للسراج منذ أسبوعين، عندما كان في جولة على العواصم الأوروبية سعياً لاستعادة الدعم لمجابهة الهجوم الذي بدّد محادثاتِ السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة.

مثّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النهجَ الأقوى بدعمه لوقفٍ غير مشروط لإطلاق النار، وهو يساوي قبول التقدّم العسكري لحفتر منذ بداية هجومه على طرابلس.

في هذا السّياق، علّق عماد بادي، الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الليبي قائلاً "الحكومة المعترف بها دولياً أرادت التأكيد على شرعيتها، وأرادت أيضاً الضغط للوصول لوقف إطلاق نار مشروط أساسه عودة قوات حفتر للمواقع السابقة. ومن الواضح أنَّ هذا لم ينجح".

تسبّبت نتائج زيارات روما وبرلين، وباريس في ظهور السراج في مظهرٍ ضعيف، في حين ظلّ الاتحاد الأوروبي بلا حراك، ومنقسماً انقساماً عميقاً حول الملف الليبي.

وكتب محلّل الشؤون الليبية في تغريدةٍ له في يوم 7 مايو/أيار "كانت رحلة السراج لأوروبا فكرةً سيئة، فالعاصمة السياسية لحكومة الوفاق الوطني في أسوأ حالاتها منذ البداية في حين أنَّ الاتحاد الأوروبي تغمره الانقسامات في ما يتعلق بطريقة التعامل مع الحرب في محيط طرابلس".

وعلى النقيض، يرى عثمان القاجيجي، المتخصّص في الانتخابات والحكم المحلي المقيم في طرابلس، أنَّ البعثة الدبلوماسية إلى الاتحاد الأوروبي التي أجراها السراج كانت "مفيدة" لأنَّ الاتحاد الأوروبي كان متفقاً على المطالبة بوقف إطلاق النار، ودعم حل سياسي للأزمة الليبية.

ولكنه أقر بأنَّ أداء حكومة الوفاق الوطني رداً على إطلاق عمليات الجيش الوطني الليبي في طرابلس لم يكن فعّالاً.

وقال القاجيجي، الذي كان أيضاً الرئيس السابق للجنة العليا للانتخابات الوطنية، واللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية "حكومة الوفاق الوطني لم تكن مستعدّة لهذا الاعتداء، وكان ردّ فعلها بطيئاً للغاية. أتمنى لو أنَّهم صعدوا الأمر منذ وقت بعيد".

ومع ذلك، فرئيس حكومة طرابلس تمكّن من تأكيد الاعتراف بحكومته أثناء زياراته، ويُعتبر حتى الآن "المتفاوض" الليبي المدعوم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وجاءت زيارة السراج بعد مكالمةٍ هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وحفتر الشهر الماضي، مدح فيها ترمب المشير المارق لمكافحته "الإرهاب" في تَغير واضح للدعم الأمريكي لحكومة طرابلس.

وفي بداية شهر أبريل/نيسان، طالب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو "الوقف الفوري" لهجوم حفتر العسكري، "والعودة إلى المواقع القديمة".

كما رفضت حكومة الوفاق الوطني أي وقفٍ لإطلاق النّار إذا لم يسحب حفتر قواتِه من ضواحي طرابلس.

البحث عن تأييد سياسي

تعتقد أليس ألوني، باحثة رسالة الدكتوراه في جامعة دورهام ومتخصّصة في الشأن الليبي، أنَّ السراج ذهب إلى أوروبا لكسب التأييد السّياسي من قوى الاتحاد الأوروبي بعد مكالمة ترمب لحفتر.

وهو دعم "يتناقص" في نظرها، لأنَّ حكومة الوفاق الوطني، أثبتت أنَّها أضعف بكثير، وفشلت مراراً في فرض سلطتها على الميليشيات في طرابلس منذ وجودها في عام 2016. وأصبح هذا ملحوظاً للغاية في سبتمبر/أيلول 2018، أثناء القتال بين جماعات مسلحة متخاصمة في طرابلس وأطرافها عندما بدت حكومة الوفاق الوطني عاجزة عن السيطرة على العاصمة.

وتقول الباحثة في الشأن الليبي "من الواضح أنَّه حتى الآن لم يكن للسراج سيطرة حقيقية على الميليشيات أو حتى التعامل معها"، مضيفة "لن يكون في وضع قوي يجعل المليشيات تقبل بوقف إطلاق النار غير المشروط الذي يرونه خطوة تدعم موقف حفتر".

وتضيف "يتراءى لي أنَّ حكومة الوفاق الوطني تخرج نفسها بنفسها من المشهد ببطء".

اشتباكات طرابلس.. إلى أين؟

جاءت جولة أوروبا التي بدأها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في وقتٍ دخل فيه الصراع في طرابلس إلى طريقٍ مسدود من الناحية العسكرية، وذلك لأنَّ الجيش الوطني الليبي حقق مكاسب مبدئية، لكنّ القوات الموالية للحكومة التي تدعمها ميليشيات قوية أطلقت هجوماً مضاداً في يوم 20 أبريل/نيسان، ومنذ ذلك الحين، أوقفت قواتُ حفتر عن التقدم إلى وسط المدينة، وما زال القتال مستمراً في ضواحي العاصمة، خاصّةً في المناطق الجنوبية.

في شهر يناير/كانون الثاني، قاد حفتر، الذي يسيطر بالفعل على مناطق كبيرة من شرق البلد، عمليةً ناجحة في الجنوب، حيث حقق مكاسب إقليمية عن طريق قطع التعاملات مع الميليشيات المحلية، والعصف بالتحالفات القبلية. لكنّ أكبر سوء تقدير ارتكبه كان الاعتماد على السّقوط السريع لميليشيات طرابلس، ليسمح لما أطلق عليه جيشاً بالزحف بسهولة إلى العاصمة.

لكنّ الزعيم الليبي القوي واجه مقاومةً كبيرة من ميليشيات مسلّحة جيداً، وتحرص على عدم خسارة الأراضي التي تسيطر عليها، وتحمي المؤسّسات الاقتصادية المهمة في البلد، مثل المصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.

أشار القاجيجي "كانت استراتيجية حفتر لهذه الحرب معتمدة على عقد اتفاقات مع المواطنين في غربي ليبيا. وهذا لم يحدث، كان هذا واضحاً منذ الأيام الأولى".

ولا يقود حفتر "جيشاً" بالمعنى التقليدي. فالجيش الوطني الليبي هو تحالف هشّ مكون من ضباط سابقين في الجيش الليبي، ميليشيات ومقاتلين من قبائل متحالفة وسلفيين.

وعلى الرغم من أنَّ قواته نجحت في دخول أربع مدن رئيسية على حدود العاصمة وهي صبراتة وصرمان وغريان وترهونة، واخترقت الضواحي الجنوبية لطرابلس، فقد فشلت في اختراق الخط الدفاعي حول المدينة.

والقوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، لم تحرز تقدماً ملحوظاً بدورها أيضاً، على الرغم من أنَّها تصد قوات حفتر في القتال.

الأطراف الخارجية.. مَن يدعم مَن؟

تدعم حكومةَ الوفاق الوطني مجموعةٌ من ميليشيات العاصمة وبلدة مصراتة المجاورة. كما تتلقى دعمها أيضاً من دول خارجية كقطر وتركيا، بينما تدعم دول كالإمارات ومصر والسعودية حفتر.

وعلى الجانب الآخر، فغياب الموقف الموحد من أوروبا تجاه هجوم حفتر على طرابلس يضع عقبةً جديدة أمام التسوية السّلمية للصراع. وتقف فرنسا وإيطاليا على وجه التحديد على جوانب صراع السلطة في ليبيا من عدة نواحٍ، وهما اللاعبان الخارجيان الأكبر في ليبيا.

فمن جانبٍ، يتعاطف الإيطاليون، إلى جانب البريطانيين وغيرهم، مع حكومة السراج، وعلى الجانب الآخر، فالموقف الرسمي لفرنسا يتمثل في دعم حكومة الوفاق الوطني، لكنها أيضاً تدعم حفتر في قتاله في غرب ليبيا، وتمتنع عن إدانته صراحةً.

يتمتّع المشير والجيش الوطني الليبي بدعم الإمارات ومصر، وروسيا، والسعودية، ويُقال إنَّ فرنسا تمدّه بالأسلحة، والذخيرة، والطائرات، والطائرات بدون طيار. فجميعهم يرونه حصناً ضد عودة الإرهاب، والتيار الإسلامي، ويرون فيه الشخص القادر على إعادة الاستقرار إلى ليبيا. وترى فرنسا أيضاً قائد ِشرق ليبيا مفيداً في الحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا وحماية أصولهم من النفط.

قالت ألوني في مقالٍ نشرته في 6 مايو/أيار إنَّ "السّياسات والمصالح الأوروبية، غير المتماسكة وغير المتناسقة، والمتناحرة" في ليبيا هي الملامة في الأحداث الحالية في هذا البلد الغني بالنفط.

وكتبت "لقد وجدوا -الدول الأوروبية- أنفسهم يتخبطون لحماية مصالحهم الجيوسياسية في ليبيا، مثلهم مثل كثيرٍ من الدول في المنطقة. وكانت نتيجةُ هذا تقويض أيّ عملية سياسية في ليبيا بطريقة تضرّ بتحقيقَ حلٍّ سلمي للصراع".

اشتباكات طرابلس والحسابات الخارجية

وتركت حكوماتُ الاتحاد الأوروبي طرابلس تقع في قبضة ثيوقراطية الخليج، بدلاً من الاتحاد على موقف واحد لمواجهة القتال الحالي في طرابلس.

وفي حين لا تستطيع القوى الأوروبية الاتحاد لتحديد أسلوب مشترك للتعامل مع الأزمة الليبية، فهم يخدمون قوى الخليج العربي التي تستخدم ليبيا بصفتها ساحة قتال لصراعاتِهم. تدعم قطر المليشيات الموالية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، المعروفة باسم "الإسلاميين" في حين تدعم السعودية والإمارات بقوة جيش حفتر، ويضم الجيش كثيراً من القادة السلفيين بين صفوفه.

ووسط المطالبات المتكررة بوقف إطلاق النار، هناك عِدّة تقارير تفيد بأنَّ القوى الإقليمية المتناحرة تزيد من إمدادات السلاح للأطراف المتنازعة.

في هذا الإطار، قال محمد الجارح، محلل في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي عبر حسابه على تويتر الأسبوع الماضي "دول خارجية تُصعّدُ من جهودها في دعم شركائها أو وكلائها في الصراع الليبي. وتستمر الأسلحة والذخيرة في التدفق، كما توفر لها تقنيات الطائرة بدون طيار، بالإضافة إلى رحلات الطيران غير المجدولة على الجانبين".

ينتهك تدفق الأسلحة إلى ليبيا حظراً فرضته الولايات المتحدة على ليبيا في فبراير/شباط 2011. وطبقاً للأمم المتحدة فهذا الحظر انتهكته مراراً أطرافٌ مختلفة.

وبعد السراج، يأتي دور حفتر لبدء جولةٍ حول أوروبا، إذ يخطّط للقاء ماكرون بعد محادثاتٍ مفاجئة مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي يوم الخميس 16 مايو/أيار.

يُذكر أنَّه، منذ يوم 19 مايو/أيار، قُتِّل 510 شخص، وجُرح 2467 آخرون، ونزح حوالي 60 ألف بسبب المعركة في طرابلس، حسب معطيات منظّمة الصّحة العالمية.

اشتباكات ليبيا  (Reuters Archive)
مقاتلون موالون للحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة يطلقون أسلحة خلال اشتباك مع قوات موالية لخليفة حفتر في ضواحي طرابلس.  (Reuters)
فرنسا متهمة بتقديم دعم عسكري ولوجيستي لخليفة حفتر (AP)
مقاتلون موالون للحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة يطلقون أسلحة خلال اشتباك مع قوات موالية لخليفة حفتر في ضواحي طرابلس  (Reuters)
TRT عربي