تابعنا
في ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب الحرب الدائرة مع حماس وتأثيرها في إسرائيل، الأمر الذي شكّل مخاطر سياسية واقتصادية.

اعتمدت إسرائيل على الديون والاقتراض وبيع السندات والأصول لتمويل حربها على قطاع غزة، حتى تجاوزت تكلفة الحرب وفقاً للتقديرات الأولية 67 مليار دولار، وهو رقم رفع حجم الإنفاق بالنسبة إلى الإيرادات، وزاد عجز الموازنة.

ومع تأكيدات رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه مستمرّ في الحرب على غزة مستنداً إلى الدعم الأمريكي الكبير، أصدر البنك المركزي الإسرائيلي أدوات دين بقيمة 3.7 مليار دولار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، موزعة بواقع سندات بقيمة مليار دولار، وأخرى بـ1.9 مليار دولار و800 مليون دولار، لغايات تمويل الحرب، جرى بيعها في الولايات المتحدة وبلديات أمريكية.

وفي ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي قررت وكالة موديز خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب الحرب الدائرة مع حماس وتأثيرها في إسرائيل، الأمر الذي شكّل مخاطر سياسية واقتصادية، إذ تقدِّر موديز أن عبء الديون الإسرائيلية سيكون أعلى من تقديرات ما قبل الحرب.

وأثقلت إسرائيل كاهلها بالديون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأشاحت نظرها عن معدلات ونِسَب النمو، ولجأت إلى الديون الكبيرة وإلى بيع الأصول من السندات، وأقرت موازنة بعجز كبير، خصصت فيها ملايين الدولارات للتسليح من أجل تمويل حربها على قطاع غزة، غير آبهة للكارثة التي تنتظر اقتصادها، وفق ما يرى خبراء اقتصاديون.

متاهة كبيرة

ويقول الخبير الاقتصادي وائل رجب إن إسرائيل عدّلت موازنة 2024 وفقاً للتقديرات الأولية، بعد أن رفعتها بقيمة 156 مليار دولار، وهي زيادة قدرها 19 مليار دولار عن الميزانية الأولى الأصلية، التي سبق أن مرّت بمخاضات كبيرة بين أطراف الحكومة.

وينوّه رجب في حديثه مع TRT عربي بأن هذا التعديل أدخل المالية الإسرائيلية في "متاهة كبيرة"، وعجز وصل إلى أكثر من 6.5% من الناتج الإجمالي المحلي، ما يعني خفض مخصصات وزارات، وانكماشاً وتضخماً، لغايات رفع التمويلات الدفاعية وزيادة مخصصات التسليح خلال الحرب على غزة.

ويضيف أن إسرائيل قررت إصدار حزمة من السندات للبيع كمرحلة أولى من أجل الحصول على أموال لشراء السلاح، وبالتالي ارتفاع في معدل خدمة الديون التي تتلقاها من الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب تراجع ثقة المستثمرين الذين قد يشترون سندات إسرائيل وهي في خضمّ حرب لا يعرف موعد انتهائها.

وتواجه المالية الإسرائيلية انحداراً مستمراً، كما يرى رجب، إذ تعرضت لصفعة قوية بعد أن قررت وكالة موديز تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل لأول مرة، وهو ما يعني عملياً أن إسرائيل قد لا تكون قادرة على التزام سداد ديونها، نظراً إلى الحرب التي تشنها على غزة، وعدم قدرتها على الوفاء بسداد فوائد الدين.

ويردف: "بالنتيجة سوف يساهم في زيادة سعر الفائدة على القروض التي تضطر إسرائيل إلى الحصول عليها لتمويل الحرب، وسوف تصبح أسعار الفائدة أعلى، وسيحدث انهيار في أسعار الأسهم ببورصة تل أبيب، إلى جانب تراجع صرف العملة الإسرائيلية (الشيكل) مقابل العملات الأجنبية".

أزمة واسعة النطاق

وكانت المالية الإسرائيلية قبل الحرب على قطاع غزة تعاني من أزمات عدّة، ويبيّن محلل الأسواق المالية الدكتور مصطفى الهندي أن من أهم هذه الأزمات إشكاليات تنظيمية في السوق الاقتصادية، وغلاء المعيشة، وغياب التنافسية بسبب سطوة شركات عملاقة -خصوصاً التكنولوجية- واستحواذها على أغلب أسهم الأسواق المالية الإسرائيلية، فضلاً عن البيروقراطية المالية، واتساع أنماط الأموال غير المشروعة التي تصدر لاسرائيل من خلال شركات "الأوف شور".

ويضيف الهندي لـTRT عربي أنه مع نشوب الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل البدء بترتيبات إقرار مشروع قانون موازنة 2024، كانت صدمة الأسواق الإسرائيلية بين تخصيص جزء من ماليتها لتمويل الحرب تحت بند الطوارئ وبين تحقيق معدلات نمو لسنة مالية صعبة.

ويلفت إلى أن عدداً كبيراً من الشركات قرر الإغلاق، وأخرى توقفت أعمالها بسبب تراجع الطلب، وشركات سرّحت موظفين لديها، وكل ذلك خلق أزمة مالية واسعة النطاق على الاقتصاد الإسرائيلي.

ويوضح محلل الأسواق المالية أن إسرائيل تعمل الآن -بعد أن عدّلت ميزانيتها- على اللجوء إلى الاقتراض من خلال استثمارات الصناديق المالية الإسرائيلية والعالمية لتغطية العجز أولاً، وحتى تُبقي معدلات تمويل التسليح عند ذات المستوى ثانياً.

ويستدرك: "أما إذا توسع نطاق الحرب ليشمل مناطق أخرى ودخول أطراف جديدة فيها فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة في الإنفاق العسكري من خلال الاستدانة، وبيع مزيدٍ من سندات الخزينة، وبالتالي اتساع أكبر في العجز (الخسائر الاقتصادية)".

ويرى الهندي أن الدعم الأمريكي الاستثنائي الكبير المُقدم لإسرائيل، الذي تجاوز 14 مليار دولار، قد لا يكون كافياً لتمويل الحرب والتسليح، خصوصاً أن إسرائيل لا تمتلك الضمانات على حسم المعركة المستمرة منذ أشهر، إلى جانب الكُلف اليومية التي تتحملها إسرائيل.

ويردف: "على سبيل المثال، إن تكلفة الصاروخ الواحد من القبة الحديدية يزيد بـ100 مرة على كلفة الصاروخ الواحد الذي تطلقه حركة حماس، ناهيك بالعتاد والآليات وغيرها، وهذه كلها كُلف متراكمة تزيد أزمة الاقتصاد الإسرائيلي، وتجعلها تتعمق أكثر كل يوم".

ما جدوى الاستمرار في الحرب؟

وبعد أكثر من خمسة أشهُر على الحرب تُطرح تساؤلات عدّة حول جدوى استمرار إسرائيل في عملياتها العسكرية مقابل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها اقتصادها.

وحول ذلك يوضح الخبير الجيوسياسي محمود المراسي أن رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى وإن تمكّن من إقناع بعض الوزراء برفع وتعديل الميزانية للعام الحالي، فإنه يدرك أن بعد الحرب ستظهر الخسائر الحقيقية على اقتصاد إسرائيل، وأن تحقيق نمو من جديد سيكون صعب جداً ويحتاج إلى "جراحات عميقة" قد لا تتمكن مالية إسرائيل من إجرائها.

ويضيف المراسي لـTRT عربي أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لن يترك شعبيته تهبط كل يوم أكثر فأكثر مقابل دعم إسرائيل بالمال والسلاح عبر الضغط على الكونغرس، وسط اشتعال المعركة الانتخابية مع خصمه دونالد ترمب، الذي يعارض سياسة وآلية وطريقة الدعم المقدمة لإسرائيل، وإنْ كانت الإدارة الأمريكية تاريخياً تمنح إسرائيل دعماً غير مشروط بفعل الضغط من اللوبي الصهيوني.

ويؤكد أن الإدارة الأمريكية حتى لو كان جزءاً من خططها بيع مزيد من أسلحتها لإسرائيل والمماطلة في وضع حدّ للحرب، فإنها تعاني من ضغط داخلي كبير وانقسامات وصلت إلى استقالة جوش بول المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قال إن استقالته جاءت بشأن مساعدة واشنطن المستمرة لتل أبيب.

وقد لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تقنع دولاً أوروبية بتقديم الدعم لإسرائيل، كما يرى المراسي، لأن الرأي العام الأوروبي بدأ ينظر إلى الأمور من زاوية أخرى، وبدأت الأصوات الداعمة لإسرائيل في أوروبا تهبط، خصوصاً بعد قرار محكمة العدل الدولية بإلزام إسرائيل اتخاذ تدابير تمنع وقوع إبادة جماعية، والضغط الشعبي الكبير المعارض لسياسة تمويل الحرب في غزة.

ويرى المراسي أن نتنياهو عليه أن يوقف الحرب فوراً لإنقاذ ما تبقى من اقتصاد إسرائيل المتهالك، وأن يفكر جدياً في حلّ الأزمة المعمقة التي ستجعل إسرائيل ترجع إلى الخلف خطوات إذا ما تخلفت عن سداد ديونها وفوائد الديون التي ترتبت عليها خلال أشهُر الحرب الخمسة.

ووفقاً لبيانات منظمة مكافحة تجارة الأسلحة، مقرها المملكة المتحدة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر مورّد للأسلحة إلى إسرائيل، إلى جانب عديد من البلدان الأخرى، خصوصاً ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.

وقالت المنظمة إنه بين عامَي 2009 و2018 زودت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بـ70% من الأسلحة، وتلتها ألمانيا بنسبة 24%، ثم إيطاليا بنسبة 5.9%، مشيرةً إلى أن إسرائيل في المرتبة 19 من حيث أكبر مستورد للأسلحة التقليدية الرئيسية في جميع أنحاء العالم خلال هذه الفترة.

TRT عربي