تابعنا
أصدر البنك الدولي تقريراً في 18 من سبتمبر/أيلول الماضي، قال فيه إنّ من بين كل 4 فلسطينيين، يعيش فلسطيني واحد تحت خط الفقر. متوقعاً أن يستمر الاقتصاد الفلسطيني في العمل بشكل أقل من إمكاناته بكثير.

ما زال الاقتصاد الفلسطيني يعاني الكثير من التحديات التي تفرضها القيود الإسرائيلية، والتي أسهمت بشكل كبير في انخفاض معدل الدخل للفرد الفلسطيني، وقلّلت من نمو الاقتصاد والناتج الإجمالي المحلي لفلسطين، حتى أصبح المواطن الفلسطيني يعاني كثيراً ليتمكن من توفير قوت يومه، وقد لا يتمكن من ذلك في كثير من الحالات.

وأصدر البنك الدولي تقريراً في 18 من سبتمبر/أيلول الماضي، قال فيه إنّ من بين كل 4 فلسطينيين، يعيش فلسطيني واحد تحت خط الفقر. متوقعاً أن يستمر الاقتصاد الفلسطيني في العمل بشكل أقل من إمكاناته بكثير.

وأرجع التقرير الأسباب إلى مجموعة من المعوقات المالية والقيود التي تفرضها إسرائيل وتعرقل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، مما يؤثر سلباً على السكان، خصوصاً في قطاع غزة.

وصرّح المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستيفان إمبلاد، بأنّه "إذا ظل الاقتصاد الفلسطيني يعاني بصورة أساسية ركوداً على مدى السنوات الخمس الماضية، من غير المتوقع أن يتحسن ما لم تتغير السياسات على أرض الواقع".

وحسب مراقبين، تُعرقل القيود الإسرائيلية الوصول إلى الموارد في فلسطين (المياه، والكهرباء، والاتصالات السلكية واللا سلكية وفرص الاستثمار) من خلال فرض حصار جائر على قطاع غزة وعزل القدس الشرقية عن محيطها، كما تعمل القيود الإسرائيلية على تقطيع ترابط الأرض من خلال استمرار سياستها الاستيطانية.

وأدت هذه القيود إلى تشوهات في البنية الهيكلية الاقتصادية لفلسطين، وما رافقها من ضعف في القطاعات الإنتاجية ومن ضمنها التصنيع، بالإضافة إلى تحكمها في المعابر الحدودية والإيرادات الجمركية، وتدفق التجارة، وفقاً لما أكدته وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية.

هيمنة إسرائيلية على التجارة الفلسطينية

تذهب 87% من صادرات فلسطين إلى إسرائيل، و70% من الواردات تأتي من خلال إسرائيل أو عبرها، وهو ما يُحدث "هيمنة إسرائيلية على التجارة الفلسطينية بمختلف أشكالها"، ويخلق تحديات تَحول دون تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في فلسطين، كما يرى الباحث الاقتصادي محمد ملحس.

ويضيف ملحس لـTRT عربي، أنّ "أكثر ما يحدّ من ارتفاع معدلات النمو والتنمية في فلسطين هو استمرار السلطات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي والموارد في الضفة"، مشيراً إلى أنّ 60% من مساحة الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل بشكل كامل، خصوصاً المناطق التي تُعرف بـ(منطقة ج)، وهي إحدى المناطق المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو الثانية.

ويبيّن أنّ عدم تمكّن الفلسطينيين من الوصول إلى أكثر من 50% من أراضي الضفة الغربية -التي معظمها أراضٍ زراعية- يكبِّد الاقتصاد الفلسطيني خسائر تُقدَّر بنحو 3.4 مليار دولار سنوياً، مضيفاً أنّ "الاقتصاد الفلسطيني يعاني عجزاً ومديونية سنوية متراكمة على مدار سنوات لهذه الأسباب، وهو ما يهدّد الاقتصاد الكلي الفلسطيني".

وفيما يخص قطاع غزة، يشير الباحث الاقتصادي إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية لا تزال تسيطر وتفرض منطقة عازلة داخل أراضي قطاع غزة على امتداد الحدود، وتمنع الفلسطينيين من استغلال موارد مهمة في القطاع، مثل الغاز المكتشَف قبالة شواطئ البحر في غزة، إلى جانب التضييق الدائم على الصيادين".

ويلفت ملحس إلى أنّ "عزل السلطات الإسرائيلية قطاع غزة عن الضفة الغربية وفرض حصار اقتصادي شامل منذ 16 عاماً، سبّب دماراً كبيراً في البنية التحتية للقطاع، ونتج عنه إفقار السكان في غزة، وجعل المستوى المعيشي لهم سيئاً للغاية".

"علاقة اقتصادية قسرية"

من جهته، يقول الخبير والمحلل السياسي في الشؤون الإسرائيلية مأمون المومني، إنّ "ما تقوم به سلطات الاحتلال الآن هي جباية جمركية على مستوردات الفلسطينيين، إذ تتعمد السلطات الإسرائيلية عدم تحويل كامل مردودات هذه المستوردات إلى خزينة السلطة الفلسطينية لمبررات تعسفية وبحجج أمنية".

ويوضح المومني لـTRT عربي، أنّ "سلطات الاحتلال تسيطر على حرية النقد في فلسطين، وتتحكم بسياسة وآلية إصدار العملة الوطنية، وهو ما يحرم فلسطين من التحكم بأدوات السياسة النقدية اللازمة للنهوض بالاقتصاد".

ويضيف أنّه رغم وجود "بروتوكول باريس الاقتصادي" (1994)، الذي ينظّم العلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، فإنّ "مفاصل الاقتصاد الفلسطيني ومحركاته بقيت بيد إسرائيل، وتتحكم بها بما يخدم مصالحها بشكل تعسفي منفرد، وهو ما يضيّق الخناق على تحركات السلطة الاقتصادية ويحرمها من أي تقدم اقتصادي".

وينوه المومني إلى أنّ شكل العلاقة الاقتصادية حالياً بين السلطة وإسرائيل "قسرية" بقوة الاحتلال العسكري، ودون أي مراعاة لاتفاق باريس الاقتصادي -الذي من المفترض أن يكون قائماً على مبدأ المنافع المشتركة والمتبادلة- مضيفاً أنّ "إسرائيل تسعى لمقايضة أي تنازلات اقتصادية قد تقدمها بمكاسب سياسية وأمنية تخدمها".

اقتصاد فلسطيني مجزّأ

وبيَّن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في يوليو/تموز 2022، حجم القمع المتزايد، والمعاناة الإنسانية والاقتصاد الفلسطيني المجزأ والتابع لإسرائيل نتيجة سياساتها في الأرض المحتلة.

وحسب التقرير، فإنّ سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية، من قمع ضدّ الأفراد والهيئات، والقيود التي تفرضها على الفلسطينيين، والاستمرار في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وحصار غزة... تمنع تقدم عجلة التنمية في فلسطين، وتسبّب أزمات إنسانية، وتجزّئ الاقتصاد الفلسطيني بشكل يجعله تابعاً لإسرائيل ومعتمداً على المعونة والمساعدات الخارجية.

وأكد التقرير استحالة تحقيق التنمية المستدامة في الأرض الفلسطينية المحتلة في ظل استمرار السياسات والممارسات الإسرائيلية، إذ أصبح أكثر من نصف الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال بحاجة إلى مساعدة إنسانية.

ولفت التقرير الأممي إلى أنّه ما زال معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد في غزة أدنى من نصف ما كان عليه عام 2005، ولا تزال معدلات البطالة فيها تناهز 47%، فيما يقبع أكثر من 60% من أهل غزة تحت خط الفقر، ويعاني نحو 62% منهم من انعدام الأمن الغذائي، وذلك بسبب تعمّد إسرائيل القيام بالتجريد الممنهج للاقتصاد الفلسطيني من عناصره وتآكل قاعدته الإنتاجية.

TRT عربي