ملايين من الأرواح مهدد بالمجاعة في منطقة القرن الإفريقي (Others)
تابعنا

دقّ الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ناقوس الخطر بخصوص الوضع الإنساني ببلاده، مشيراً إلى أنّه "يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، ويتطوّر إلى الحالة التي كنا نحذّر منها وهي المجاعة، إذ يموت الناس جوعاً في بعض الأقاليم الصومالية"، داعياً المجتمع الدولي إلى تضافر الجهود وتقديم العون للمتضررين، قبل أن تتجه الأوضاع إلى "أسوأ حالة إنسانية".

ويواجه ملايين الصوماليين شبحي المجاعة والموت مع توالي مواسم الجفاف الشديد، علاوة على الاضطرابات السياسية والاقتصادية محليًّا وعالميّاً، أمام استمرار تأثيرات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي نتج عنها ارتفاع كبير في الأسعار ونقص تمويل الموادّ الأساسية، في مقابل عدم تلبية المساعدات الإنسانية للاحتياجات المتزايدة.

الوضع ليس أفضل في البلدان المجاورة للصومال، إذ حذرت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء 2 أغسطس/آب، من أن منطقة القرن الإفريقي الكبرى تشهد واحدة من أسوأ المجاعات خلال الأعوام السبعين الماضية، كاشفةً أنّ "أكثر من 37 مليون شخص يواجهون الجوع الحادّ، ويعاني نحو سبعة ملايين طفل دون سن الخامسة سوء التغذية الحادّ". هذا على الرغم من الجهود الدولية التي تحاول تخفيف حدة هذه الأزمات حول العالم، والتي كان آخرها توقيع "اتفاقية القمح" في إسطنبول برعاية أممية، ويُسمح بموجبها بتصدير القمح من روسيا وأوكرانيا، الذي توقف بسبب الحرب.


تحديات الصحة والهجرة

ويُجمِع مختلف المنظّمات الدولية على أن أزمة خطيرة تهدّد حياة ملايين في منطقة القرن الإفريقي، التي تشمل بلدان جيبوتي والصومال والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، مع التراجع الحادّ للموارد المائية وزيادة انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع موجات النزوح البشرية، وما تفرضه من تحدّيات صحّيّة وأمنية.

في هذا السياق كشفت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، أنّ مخاطر المجاعة وسوء التغذية ستتسبّب في هجرات واسعة للوصول إلى المياه والمراعي وباقي الخدمات الحيوية، ممّا سيقود إلى زيادة عدوى وتفشّي الأمراض مثل الإسهال المائي الحادّ والكوليرا، بالإضافة إلى الضغط على الموارد الضئيلة المتبقّية.

وناشدت منظمة الصحة العالمية المجتمع الدولي بضرورة تخصيص أكثر من 120 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات الصحية المتزايدة والحيلولة دون تحوُّل أزمة الغذاء إلى أزمة صحية، مؤكدّةً إلحاحية التدخُّل العاجلّ لتفادي الأمراض والوفيات التي يمكن الوقاية منها.

وكشفت "الصحة العالمية" تخصيصها "16.5 مليون دولار من صندوق احتياطي الطوارئ الخاص بها لضمان حصول سكان المنطقة على الخدمات الصحية، وعلاج الأطفال المرضى الذين يعانون سوء التغذية الحادّ، والوقاية من الأمراض المُعدِية واكتشافها والاستجابة لها".

غير أن هذا الرقم يبقى غير كافٍ، يقول إبراهيم سوسي فال المدير العامّ المساعد للاستجابة لحالات الطوارئ في المنظمة: "الوضع كارثي بالفعل، ونحن بحاجة إلى التحرك الآن. لا يمكننا المتابعة في ظلّ أزمة نقص التمويل هذه".

أزمتا الجفاف ونقص التغذية نتج عنهما كذلك موجات هجرة كبيرة، حسب المتحدثة باسم المفوضية السامية للاجئين شابية مانتو، التي كشفت خلال ندوة صحفية أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، أنه مع تفاقم الأزمة اضطُرّ مئات الآلاف من الأشخاص إلى الفرار من منازلهم بحثاً عن مساعدات تنقذ حياتهم، لافتة إلى أنه منذ نهاية العام الماضي نزح أكثر من 800 ألف شخص في الصومال داخلياً، وعبر ما يقرب من 16 ألفاً الحدود إلى إثيوبيا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأعداد خلال الأشهر القليلة المقبلة.

تأتي هذه الأرقام الضخمة للنزوح والهجرة بالقرن الإفريقي، لتزكّي تحذيرات البنك الدولي بشأن آثار التغيرات المناخية في دول الجنوب"، حيثُ تَوقَّع مطلع السنة الجارية ارتفاع نسب الهجرة واللجوء بهذه المناطق بسبب مشكلات الجفاف ونقص التغذية وندرة الموارد المائية.

إشكاليات عابرة للحدود

من شأن أزمة المجاعة بالقرن الإفريقي وارتداداتها الخطيرة على مختلف الأصعدة، أن تخلق تحدّيات جديدة لدول المنطقة التي تعاني خلال السنوات الأخيرة اضطرابات سياسية وأمنية عميقة، مع استمرار أعمال القرصنة بسواحل خليج عدن، وتجدُّد الصراع المسلح في دارفور ومعها الحرب الأهلية بجنوب السودان، إضافة إلى التوترات العرقية التي تعانيها إثيوبيا، علاوة على هاجس الجماعات الإرهابية المنتشرة بهذا الحيّز الجغرافي.

خبير الشؤون الإفريقية عبد الواحد أولاد مولود، يؤكّد في تصريح لموقع TRT عربي أن "هاجس ضمان الأمن الغذائي يفاقم الظروف الصعبة التي تواجهها دول القرن الإفريقي بعد عقود من عدم الاستقرار السياسي والأمني وحتى الصحّي مع توالي مواسم الجفاف والأمراض والأوبئة، التي كانت هذه المناطق من القارة الإفريقية الأكثر عرضة لها".

وتابع الخبير المغربي بأنّ الأزمات الاقتصادية وجهٌ آخر من أوجه الصعوبات التي تواجه هذه البلدان التي عانت وتعاني تخلفاً اقتصاديّاً، وتراكماً للديون تسبّب في تبعيتها اقتصادياً لدول أخرى، مشيراً إلى أن دعم المنظمات الدولية ومجهوداتها في دعم التنمية بالمنطقة لم تفلح في إخراج معظم دول القرن الإفريقي من أزماتها.

وحذّر الباحث في العلاقات الدولية من أن عوامل غياب الأمن الغذائي ومخاطر المجاعة "ستؤدي لا محالة إلى تفاقم الاضطرابات السياسية التي ستنتج بدورها اختلالاً على مستوى التوازن الأمني العالمي، بخاصة مع ارتفاع مستويات الهجرة واللجوء"، واعتبر أن هذه التبعات الخطيرة ستتجاوز منطقة القرن الإفريقي إلى منطقة الساحل والصحراء التي تشهد بدورها أزمات سياسية وانتشاراً للجماعات الإرهابية"، مشيراً إلى أن دول العالم الأخرى لن تكون بمعزل عن شرارة هذه المتغيّرات.

أمام هذه التطورات، شدّد أولاد مولود في تصريحه لـTRT عربي على "ضرورة التدخُّل العاجل لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المهدِّدة لحياة الملايين، بتخصيص إعانات وموارد مالية وتقديم الإغاثات الصحية والغذائية اللازمة لصالح الدول المعنية إنقاذاً للأرواح وتجنُّباً لتفاقم الأوضاع بالمنطقة".



TRT عربي