الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون (Reuters)
تابعنا

هل تحولت الجمهورية الفرنسية التي وعد إيمانويل ماكرون بأن تكون "نموذجية" إلى "جمهورية صفقات"؟ بالنظر إلى قضية أليكسيس كوهلر وإريك دوبوند-مورتي الجديدتين اللتين أضيفتا إلى نحو 40 تحقيقاً يستهدف المقربين منه والذين استغلوا مناصبهم للكسب الشخصي.

زلزال يهز الإليزيه.

في نفس اليوم الذي أحيل فيه وزير العدل إريك دوبوند-موريتي إلى محكمة العدل الجمهورية (CJR) وجهت لائحة اتهام إلى الأمين العام للإليزيه أليكسيس كوهلر من مكتب المدعي المالي الوطني بتهمة الاستيلاء غير القانوني على الفوائد التي استغلها من منصبه.

من جهتها أدانت البرلمانية بحزب La France insoumise (فرنسا غير الخاضعة) المجموعة اليسارية في البرلمان الأوروبي مانون أوبري هذه التصرفات، فقالت إن "جمهورية إيمانويل ماكرون النموذجية تتحول إلى جمهورية صفقات".

وعنون الموقع الفرنسي الإخباري Mediapart مقالاً بعدده الخاص "الاثنين الأسود من أجل الجمهورية النموذجية"، جاء فيه سرد لقضيتَي أليكسيس كوهلر وإريك دوبوند-مورتي، ونحو 40 قضية أخرى بما في ذلك قضية بينالا وقضية ريتشارد فيران التي فضحت الخلافات القانونية في حاشية ماكرون المقربة له منذ أبريل/نيسان 2017.

شكلت تهمة الاستيلاء غير المشروع على الفوائد نقطة مشتركة لقضيتَي أليكسيس كوهلر وإريك دوبوند-مورتي. باختصار تتهمهما العدالة باستغلال مناصبهم لخدمة مصالحهم الخاصة.

فالاتهام الذي وجه إلى كوهلر من مكتب المدعي المالي الوطني تمحور حول أخذ فائدة غير قانونية في إطار التحقيق بالعلاقة التي تربط عائلته وعلاقاته المهنية مع مالك شركة الشحن MSC.

أما تهمة دوبوند-موريتي فهي استغلال وظيفته الوزارية لتسوية حسابات سابقة مع قضاة مكافحة الفساد الذين عارضهم عندما كان محامياً. وهكذا ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة جرت إحالة وزير على رأس عمليه إلى محكمة العدل الجمهورية، وهي محكمة مسؤولة بشكل خاص عن محاكمة الوزراء أو الوزراء السابقين عن الجرائم المرتكبة في أثناء ممارسة وظائفهم.

وعد ماكرون مجرد سراب

يتعارض الإبقاء على أليكسيس كوهلر وإريك دوبوند-مورتي مع الوعود التي قطعها ماكرون عام 2017، فرغم انكشاف أعمالهما غير القانونية لن يترك أي منهما منصبه، في حين نجد أنه في أثناء حملته الرئاسية عندما دُعي بمجموعة فرانس 2 في 3 مارس/آذار 2017 قبل أسابيع من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية كان المرشح ماكرون واضحاً: "من حيث المبدأ… يجب على الوزير ترك الحكومة عند توجيه الاتهام إليه".

وأكد الوزير المفوض للحسابات العامة جبرائيل عتال مبدأً جديداً، وأوضح في كتابه في LCI: "لدينا عقيدة هنا "عندما يُدان وزير فإنه يترك الحكومة". وبالتالي فإن لائحة الاتهام لم تعد بحد ذاتها تبرر وقف الخدمة. لذلك سيستمر وزير العدل في توجيه المؤسسة القضائية مع الاضطرار إلى الرد أمام مجلس القضاء الأعلى وسيواصل الأمين العام للإليزيه تقديم المشورة إلى رئيس الجمهورية.

مطالبات بالاستقالة

في حين لم يتصرف ماكرون في أي من القضيتين، فإن المعارضة يبدو أنها بدأت تتصرف، إذ صرحت مانون أوبري بأن "إيمانويل ماكرون لم يتوقف أبداً عن حماية ألكسيس كوهلر ودوبوند موريتي. تجب عليه إقالة وزير العدل وأليكسيس كوهلر من وظائفهم".

بالنسبة إلى زعيم نواب الجمهوريون - Les Républicains أوليفييه مارليكس فإن إبقاء أليكسيس كوهلر في منصبه في الإليزيه "سيكون إهانة للمؤسسة القضائية".

من جهته استنكر الاشتراكي أوليفييه فور: "أمين عام للإليزيه، ليس بالمنصب الهين، إنه ثاني أقوى رجل في الدولة الفرنسية، وهو لا يزال في الإليزيه، كيف يكون هذا ممكناً؟ كيف نحافظ على مصداقيتنا؟".

وأشار جان فيليب تانجوي نائب التجمع الوطني إلى أن "هذا يؤكد الشكوك الهائلة حول تضارب المصالح التي تحيط بفريق إيمانويل ماكرون، وإيمانويل ماكرون نفسه منذ بداية مسيرته".

من جانبه صرح النائب عن دعاة حماية البيئة (Les Verts) بنيامين لوكاس قائلاً: "بين كوهلر ودوبوند-موريتي في نفس اليوم، يجب على الرئيس ماكرون الآن أن يختار: إما أن يكون رئيساً للجمهورية وإما زعيم عصابة".

هل يسود الصمت في وسائل الإعلام الفرنسية؟

انتقد Mediapart صمت ماكرون في مقال بعنوان "كوهلر، دوبوند موريتي: وفجأة لم يحدث شيء"، يوجه المقال أصابع الاتهام إلى تغطية وسائل الإعلام الفرنسية للحالتين الشحيحة والتي لم تطرح بالشكل الكافي.

وكتب الصحفي مايكل هاجدنبرج أن "الأخبار والبرامج التلفزيونية تعاملت مع الموضوع بشكل هامشي، لم يُستضَف ضيوف مختصون ولا توجد تدوينات مخصصة ولم نرَ عناوين رئيسية تخص الموضوع في أكبر صحيفتين فرنسيتين لوموند-Le Monde ولوفيغارو-Le Figaro، بينما تحدثت كل وسائل الإعلام الفرنسية عن مواضيع أقل أهمية مثل قضية جون ميشيل بلونكي حول بروتوكول الكوفيد الذي قدمه أثناء إقامته في إيبيزا الذي صدرت بصدده أعداد خاصة وتعليقات لم تتوقف، هذا ما شكل عدم توازن في تغطية وسائل الإعلام الفرنسية.

في نفس السياق يضيف مايكل هاجدنبرج أن "رئيس الجمهورية يستفيد من اختيارات وسائل الإعلام غير المفهومة لتسليط الضوء على المواضيع البسيطة والرمزية، بينما لا يغطون التغطية الكافية لمواضيع أهم ولها علاقة بالفساد".

بالنسبة إلى أنتيكور-Anticor، وهي جمعية قدمت شكوى ضد كوهلر، فقد صرحت بأنه "لا يمكننا مطالبة المواطنين بالثقة بممثليهم السياسيين في ظل ظروف كهذه. فالرجل الأول في الإدارة وأحد أقوى الرجال في الدولة متهم بخرق جسيم للمهنية والأمانة".

في حين تجتاح فرنسا موجة عدم ثقة تجاه الطبقة السياسية تضاءلت شعبية ماكرون في البرلمان لأنه محاط بشخصين مقربين يخضعان لاتهامات.



TRT عربي