تحملت المرأة الفلسطينية أعباء النضال الفلسطيني ووحشية الاحتلال وإجرامه بحق المجتمع الفلسطيني / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

بلغ عدد نساء فلسطين 2.7 مليون امرأة في عام 2023، أي ما يمثّل نحو نصف عدد السكان البالغ 5.48 مليون نسمة يعيشون داخل فلسطين، بحسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

هؤلاء، كما الفلسطينيّات المقيمات في المهجر، ساهمن منذ قيام القضية الفلسطينيّة في النضال والمقاومة، من الحفاظ على الهويّة إلى النضال المسلح.

حربٌ على النساء

لا تستهدف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مقاتلي حركة حماس فقط، كما تزعم رواية الاحتلال الإسرائيلي، بل يقع ضحاياها عدد كبير من النساء.

ووصلت نسبة الشهيدات والأطفال إلى 67% خلال الحرب المستمرة على القطاع، بحسب تصريحات وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، خلال كلمتها بمجلس الأمن الدولي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وأشارت إلى أن أمَّيْن تُقتلان في قطاع غزة كل ساعة، و7 نساء كل ساعتين، وأن ما يقرب من 800 ألف امرأة نزحن من قطاع غزة، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.

وقدّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن ما يقرب من 493 ألف امرأة وفتاة هُجّرن من منازلهن في غزة، كما تزايد عدد الأرامل في القطاع، إذ أصبحت نحو 900 امرأة يُعلن أسرهن بعد وفاة أزواجهن، وفقاً لتقرير نشرته الهيئة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كما تتعرّض النساء في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلّة للقمع وهنّ ضحايا لسياسات الاحتلال عموماً.

ورغم هذا العنف المهول، والمستمر منذ النكبة، تناضل المرأة الفلسطينية، وتتحمّل الأمرّين في سبيل الحفاظ على الهويّة الفلسطينية والأرض.

وفي هذا الصّدد، تشدّد الأسيرة المحرّرة نورهان عوّاد على أن دور النساء والفتيات الفلسطينيات "دور عظيم، وخاصةً مع ما يمرّ به شعبنا من ظروف صعبة، وقد تجاوزنا مراحل صعبة من قبل، وسنتجاوز الحرب الحالية التي علّمتنا كثيراً، وفتحت عيونَنا على أشياء كثيرة، وفتحت عيونَ العالم كله".

وتضيف نورهان لـTRT عربي، أن المرأة طوال التاريخ الفلسطيني تقاتل وتصمد إلى جانب الرجل في الميدان، صبراً تارةً وبالسلاح تارةً أخرى، كما تربّي الجيل الناشئ على حبّ الوطن والتمسّك به، وهي التي تحافظ على التراث بتقديم الأكلات الشعبية وتطريز الملابس.

وترى الأسيرة المحرّرة التي اعتقلها الاحتلال وعمرها 16 عاماً وخرجت في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن دور المرأة لا يزال وسيظل قوياً، مضيفة أنه كان ظاهراً أكثر خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

نصف المجتمع وكثير من الصمود

يرتبط الزيّ الشعبي الفلسطيني بالمرأة ارتباطاً وثيقاً، وهو الزي الذي تحرص على الحفاظ عليه سيدات فلسطين ويتوارَثنه من جيل إلى جيل.

وقد حرصت بعض الأسيرات المحررات على ارتدائه والظهور به في وسائل الإعلام العالمية بعد تحريرهنّ، ومن ضمنهن نورهان عوّاد ونفوذ جاد.

يشار إلى أن لكل منطقة فلسطينية زيّاً نسائياً معيّناً يتنوّع بين الأثواب والحلي الخاصة.

واليوم أضحت الأزياء الشعبية من أهم الوسائل المستخدمة في الكشف عن تراث الشعوب، ما يجعل منها رافداً ثقافياً وتاريخياً وتعبيراً اجتماعياً يرصد ارتباط الإنسان بأرضه وهويته.

ولهذا تعمل نساء فلسطين، على الحفاظ على هذا الموروث المهم، ونقله من جيل إلى جيل.

وتؤكد سلمى كمال خطاب، مؤسسة فرقة كنعان للثقافة والفنون الفلسطينية، أن المرأة هي حاملة سلاح المقاومة الأول، فهي تنشئ جيلاً مقاوماً، وتنشئ استمرارية للقضية الفلسطينية مع كل طفل أو طفلة.

وتشير خطاب في حديثها مع TRT عربي، إلى أنّ المرأة الفلسطينية هي حارسة الهوية التي تنقلها من جيل إلى جيل بشكل عفوي، كما تنقل اللهجة والطعام والأغاني والأمثال الشعبية.

وتردف: "على سبيل المثال، فإنّ التطريز جزء من الهوية الفلسطينية، تتعلّمه جميع الفتيات في الصغر، حتى إنْ لم يشتغلن به، ويتعلّمن إعداد الأكلات الشعبية، وكلُّ ذلك موروث ثقافي فلسطيني تحميه المرأة".

وتحكي خطاب عن تجربتها في تأسيس فرقة للحفاظ على التراث الفلسطيني، وخاصة رقصة الدبكة، قائلة: "أسست فرقة كنعان مع 15 صديقاً فلسطينياً لنشر الثقافة الفلسطينية، ولا يوجد فلسطيني لا يعرف ممارسة الدبكة، إذ إنّ الفنَّ مقاومة في حدّ ذاته".

وتضيف مؤسسة فرقة كنعان أنهم شاركوا في مهرجانات محلية ودولية، والتحق بهم أعضاء من جنسيّات مختلفة، كما أنهم يساهمون في انتشار الأغاني الفلسطينية قديمها وحديثها، مشيرةً إلى أنه حالياً يجري تنظيم ورش لتعليم الدبكة للأطفال، وللتوعية بالقضية الفلسطينية، وشرح أهم معالم فلسطين وعلمها وخريطتها.

وتؤكّد أنها تحرص على شرح القضية الفلسطينية لابنتها "يافا" ذات السنوات السبع، التي تعيش خارج حدود فلسطين، وتعلّمها الدبكة وتحفّظها النشيد الوطني الفلسطيني والأغاني الفلكلورية وارتداء الثوب الفلسطيني في المناسبات والأعياد، كما تحرص أيضاً على استخدام اللهجة الفلسطينية في الأحاديث اليومية، باعتبارها جزءاً مهماً من الهويّة.

حاملات السلاح

بدورها تقول ليلى خالد، عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن المرأة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من نضال الشعب الفلسطيني، وشاركت في مراحله المختلفة، منذ وعد بلفور عام 1917 وحتى يومنا هذا، وفي كل مرحلة استعملت أدواتها الخاصة.

وتشير خالد في حديثها مع TRT عربي، إلى دور المرأة الفلسطينية في حماية الأرض عن طريق جمع التبرعات لشراء الأراضي المزمع بناء مستوطنات عليها، كما كنَّ يبعن ذهبهنَّ بغية شراء الذخيرة للرجال، ويشاركن بحمل السلاح أو نقله.

وتلفت إلى أنه نضالٌ لأكثر من قرن، ففي عام 1921 اجتمعت 100 امرأة في مؤتمر في حيفا أعلنَ عن تأسيس الاتحاد النسائي العربي، من أجل القيام بدورهنّ الوطني.

كما شاركن في ثورة البراق عام 1929، وكانت ثورةً مسلحةً، وحمَلن السلاح عام 1935، وشكّلن منظمة نسائية اسمها "زهرة الأقحوان".

وتؤكد خالد أن المرأة قامت بدور مركزي داخل الأسرة والمجتمع الفلسطيني، برعاية الأطفال في أحلك الظروف، مستشهدةً على ذلك بعضو الاتحاد النسائي العربي هند الحسيني التي أنشأَت ملجأً للأطفال من أبناء الشهداء عام 1948 في القدس، ومازال قائماً حتى يومنا هذا.

وتضيف عضو اتحاد المرأة الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أنه بعد 1967 بدأت مرحلة نضال الفدائيين، وكانت النساء يملأن معسكرات التدريب داخل فلسطين وخارجها في الأردن وسوريا ولبنان.

وعن العملية الفدائية التي نفّذتها بنفسها، تقول: "في 1969 كُلِّفت مهمة اختطاف طائرة أمريكية ذاهبة إلى تل أبيب أنا وزميلي سليم العيساوي، ركبناها من روما واختطفناها واتجهنا بها إلى سماء فلسطين".

وتلفت خالد إلى أنَّ "هذا كان حلماً، حتى إنها قالت للطيّار خذنا إلى حيفا لنرى المدينة التي ولدنا فيها ولم نعد إليها، وجعلناها تهبط في سوريا".

وتبيّن أن الهدف من العمليّة كان إطلاق سراح المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وكانوا نحو ثلاثة آلاف، منهم عدد من النساء حُكِم عليهنّ بسبب عملهنّ المسلّح، مؤكدة أن الاحتلال يستهدف النساء عمداً على مرّ التاريخ لاعتقاده أنّهن ينجبن "الإرهابيين".

رموز نسائية

وتُعتَبر دلال المغربي رمزاً آخر للمقاومة النسائية المسلّحة، إذ كانت قائدة مجموعة مكوّنة من عشرة فدائيين عُرفت باسم "دير ياسين"، وهي المجموعة التي نفذت عملية "كمال عدوان" عام 1978.

ونجَحت دلال ورفاقها في الوصول إلى تل أبيب، واستولت على حافلة جنود إسرائيلية بجميع ركابها، واشتبكت مع عناصر إسرائيلية أخرى خارج الحافلة.

وأوقعت العملية المئات من القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي، واستشهاد دلال والفدائيين. أما الفدائية زكية شمّوط، فقد نفذت 7 عمليات في نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات، أسفرت عن سقوط عشرات الإسرائيليين بين قتيل وجريح، وكانت أوَّل أسيرة فلسطينية تنجب مولودها داخل سجون الاحتلال.

وفي السياق نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، شاركت المناضلة الفلسطينية شادية أبو غزالة في العديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال.

ففي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1968، كانت تعدُّ في البيت قنبلةً لتفجيرها في عمارة إسرائيلية في تل أبيب، فانفجرت القنبلة بين يديها ما أدى لاستشهادها، لتكون بذلك أول شهيدة فلسطينية بعد نكسة 1967.

TRT عربي
الأكثر تداولاً