"حرّ كالجحيم".. كيف تعمّق موجات الحرارة أزمة الطاقة في أوروبا؟ (AA)
تابعنا

كان معظم التوقعات يشير إلى أن أزمة الطاقة في القارة الأوروبية ستنفجر في الأشهر القادمة مع حلول فصل الشتاء، لكن يبدو أن معظمها تجاهل التغير المناخي ومسألة احترار الكوكب، التي كشرت عن أنيابها الأيام القليلة الماضية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وجميع أنحاء أوروبا الغربية.

وبينما حذّرت السلطات الفرنسية من "كارثة شديدة الحرارة" وسط اندلاع حرائق الغابات التي تسببت في إجلاء أكثر من 15 ألف شخص من منازلهم في فرنسا، توقع خبراء الأرصاد أن تتجاوز الحرارة اليوم الثلاثاء عتبة 40 درجة في بريطانيا، وهي سابقة في تاريخ البلاد، عقب تعليق الحركة الجوية في مطار لوتن شمال لندن بسبب "عيوب" في أرض المدرج ناجمة عن ارتفاع الحرارة.

أدّت موجة الحر الخانقة المستمرة في عدد من دول جنوب غرب أوروبا، التي تُعَدّ الموجة الثانية خلال شهر، إلى زيادة الطلب على شراء واستخدام أجهزة تكييف الهواء التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، وبالتالي تفاقم أزمة الطاقة التي تشهدها القارة الأوروبية بسبب الحرب الأوكرانية وما نتج عنه من خفض أو انقطاع مفاجئ لإمدادات الغاز الروسي.

"حرّ أشبه بالجحيم"

في ثاني موجة حر تشهدها بلدان جنوب غرب أوروبا خلال شهر واحد، تواصل عدة دول مكافحة حرائق الغابات المدمرة التي كانت سبباً في إجلاء آلاف الأشخاص في كل من فرنسا وإسبانيا.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تحطّم درجات الحرارة أرقاماً قياسية اليوم الثلاثاء في بريطانيا، وأن تتجاوز الحرارة عتبة 40 درجة مئوية، في سابقة بتاريخ هذا البلد، الأمر الذي دفع السلطات البريطانية إلى إبقاء عدة مدارس مغلقة الثلاثاء بسبب الحر، كما حذّرت السلطات من إمكانية حدوث اضطرابات في حركة النقل.

على الجانب الآخر من المانش، في فرنسا، سجّلت بريست المطلّة على الأطلسي في أقصى الشمال الغربي لفرنسا أعلى حرارة على الإطلاق الاثنين بواقع 39.3 درجة مئوية. فيما قال خبير الأرصاد فرنسوا غوراد لوكالة فرانس برس إنه "في بعض المناطق الجنوبية الغربية، سيكون الحرّ أشبه بالجحيم".

الحرارة تعمّق أزمة الطاقة

حسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قالت شركة "إيناغاس" الإسبانية للمرافق في بيان الأسبوع الماضي: "هذه الزيادة الهائلة في الطلب على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ترجع أساساً إلى درجات الحرارة المرتفعة المسجلة نتيجة لموجة الحر".

مع ذلك، حتى مع إدراك العلماء وصانعي السياسات الأوروبيين الحاجة إلى التكيف في مواجهة خطر التغير المناخي الذي يلوح في الأفق، فإن درجات الحرارة المرتفعة تولّد مزيداً من الضغوط الفورية التي من شأنها أن تأخذ سياسات مكافحة التغير المناخي الأوروبية في اتجاه معاكس تماماً في ظلّ الحرب الأوكرانية التي أثارت فوضى عارمة في أسواق الطاقة العالمية، وارتفاعاً كبيراً في تكلفة الكهرباء في جميع أنحاء القارة التي بشتى الطرق لمواجهة "سلاح" الغاز الروسي الذي أشهره فلاديمير بوتين ردّاً على العقوبات الغربية.

وبينما تحاول البلدان بشكل محموم ملء مرافق التخزين قبل الشتاء، قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول الاثنين ، إن "الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة (...). إذا قررت روسيا قطع إمدادات الغاز تماماً قبل أن تتمكن أوروبا من رفع مستويات تخزينها إلى 90%، فسيكون الوضع أكثر خطورة وتحدياً".

الحرب تفاقم الأزمة

كل الأنظار الأوروبية موجهة نحو يوم الخميس القادم، إذ من المقرر استئناف خط أنابيب "نورد ستريم 1"، الذي يربط الغاز الروسي بأوروبا، عمله بعد توقف 10 أيام بحجة أعمال الصيانة، وهو التوقف الذي من شأنه إذا استمر أن يشلّ البلدان الأوروبية، بالأخصّ ألمانيا، إذا ما قرّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعملاق الطاقة الحكومي غازبروم إغلاق حنفية الغاز تماماً، وهي خطوة من شأنها أن تكلّف الكرملين أيضاً، ولكنها مع ذلك تخنق بعض الاقتصادات الكبرى في أوروبا.

وتحسُّباً منها لخطوة كهذه، كثّف عديد من الدول الأوروبية استخدام الفحم، فيما شجعت استثمارات جديدة في استخراج الوقود الأحفوري وتخزينه على المدى الطويل، الأمر الذي دفع بيل هير من "كلايمت أناليتيكس"، وهي مجموعة استشارية في برلين، ليشير إلى المعاهدة الدولية التاريخية لعام 2015 بشأن تغير المناخ، ويقول: "أنا قلق جداً من أنهم قد ينجحون في مساعيهم هذه"، وهو ما سيُحدِث ارتفاعاً كبيراً في الانبعاثات في المستقبل القريب.

على الجانب الآخر، يرى الخبراء أيضاً أن أوروبا تضاعف استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة ، بما في ذلك التوسعات الرئيسية في الطاقة الشمسية للاتحاد الأوروبي. ووفقاً لتحليل أجرته مراكز الأبحاث (Ember)، يمكن أن تسجل الاتجاهات الحالية إنتاج 63% من الكهرباء المستخدمة في الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وفي حديثة لـ"بلومبرغ" قال رئيس برنامج "Ember" الأوروبي تشارلز مور: "من الخطر دائماً السماح بانبعاثات أعلى، ولكن إذا اقترن ذلك بالتركيز الشديد على نشر طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فقد يعني ذلك انتقالاً أسرع للطاقة". وأضاف: "ستكون استراتيجية محفوفة بالمخاطر إذا كان لديك أي خيارات أخرى، لكنك لا تملك ذلك".

TRT عربي