مستوطنون ينصبون خياماً على أراضٍ في الضفة الغربية تمهيداً لمصادرتها / صورة: AA Archive (AA)
تابعنا

وأفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بأن الخطة الاستيطانية الشاملة التي أعدها مجموعة من القادة السياسيين من اليمين المتطرف ورؤساء المستوطنات الإسرائيلية، تهدف إلى ضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، وتفكيك السلطة الفلسطينية، في خطوة تُعد غير مسبوقة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

تفاصيل الخطة

تأتي هذه الخطة في إطار ما وصفها المستوطنون بأنها "نافذة الفرص" التي توفرها الظروف السياسية الحالية، وقد كشف عن تفاصيلها في الصحيفة اليمينية الكاتب حنان غرينوود، وهو مستوطن وُلد في مستوطنة "كريات أربع" بمدينة الخليل ويعيش حالياً في مستوطنة "إفرات" بالقرب من القدس.

وأعد المجلس الإقليمي للمستوطنات "يشع" بالتعاون مع أعضاء في الكنيست الإسرائيلي هذه الخطة، التي تتضمن إقامة مدن استيطانية جديدة في الضفة المحتلة، وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على مساحات واسعة من الأراضي. وعُرضت هذه الخطة خلال مؤتمر استثنائي نظَّمه مجلس "يشع" بمدينة القدس، بحضور عشرات الناشطين اليمينيين والشخصيات العامة ورؤساء البلديات.

وفق التقرير، حضر الاجتماع شخصيات بارزة من اليمين المتطرف الإسرائيلي، من بينهم رئيس مجلس "يشع"، إسرائيل غانتس، والمدير العام للمجلس، عمر رحاميم، بالإضافة إلى رؤساء مجالس مستوطنات. وقاد المناقشات عضو الكنيست أفيحاي بوارون، الذي أكد أن هذه المبادرة ليست مجرد رؤية نظرية، بل "خطة عملية يجب تنفيذها بشكل عاجل".

أحد أبرز ملامح الخطة هو إنشاء أربع مدن استيطانية جديدة في الضفة الغربية، تُخصَّص كلٌّ منها لفئات سكانية محددة، منها مدينة خاصة بالدروز وأخرى مخصصة لليهود الأرثوذكس المتطرفين، بالإضافة إلى تحويل المستوطنات القائمة إلى مدن كبيرة ببنية تحتية مختلفة.

تسعى الخطة أيضاً إلى توسيع صلاحيات المجالس الإقليمية لتشمل الأراضي الواقعة بين المستوطنات الإسرائيلية، المعروفة بـ"المنطقة ج" التي تخضع حالياً للسيطرة العسكرية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية وفقاً لاتفاق أوسلو. ويهدف هذا التوسع إلى وضع كل الأراضي بين المستوطنات تحت الإدارة الإسرائيلية المباشرة.

من بين أكثر البنود إثارةً للجدل في هذه الخطة، السعي إلى تفكيك السلطة الفلسطينية بالكامل واستبدال بلديات محلية تدير المدن والقرى الفلسطينية، شبيهة بالتجربة الإسرائيلية في تشكيل روابط القرى عام 1976، بها. وتهدف هذه الخطوة إلى تحويل إسرائيل إلى حكومة فيدرالية في بعض الجوانب، مع إخراج خيار حل الدولتين من النقاش السياسي بشكل كامل.

يرى المستوطنون أن البلديات التي ستُقام ستتولى تقديم الخدمات للسكان الفلسطينيين مقابل رسوم تُدفع لإسرائيل، وسيُمنح الفلسطينيون وضعية مشابهة لسكان القدس الشرقية، إذ يحصلون على إقامة دون منحهم الجنسية.

كما تُركز الخطة على تطوير مشاريع ضخمة للبنية التحتية في الضفة المحتلة، بما في ذلك توسيع شبكة الطرق السريعة وربط المستوطنات الإسرائيلية مع باقي مناطق إسرائيل وبناء محطات توليد الكهرباء، ومزارع للطاقة الشمسية، ومشاريع زراعية من شأنها تعزيز السيطرة الإسرائيلية على جميع جوانب الحياة في الضفة الغربية، وتحويل المنطقة إلى مركز اقتصادي وصناعي لإسرائيل.

"عام الحسم"

في الشهر الماضي صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير في وزارة الدفاع، بتوجيه تعليماته إلى إدارة الاستيطان والإدارة المدنية التابعتين لوزارة الدفاع للبدء في إعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق "السيادة" الإسرائيلية على الضفة الغربية.

وكتب سموتريتش على حسابه في منصة "إكس" قائلًا: "2025 سيكون عام السيادة (الإسرائيلية) على يهودا والسامرة"، في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة.

في اليوم التالي، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تأكيده في محادثات مغلقة أنه تجب إعادة قضية "ضم" الضفة الغربية إلى جدول أعمال حكومته. وأضافت الهيئة أن خطة ضم الضفة المحتلة لإسرائيل كانت موجودة بالفعل، وعمل الاحتلال عليها منذ عام 2020.

كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، غدعون ساعر، بأن إقامة دولة فلسطينية لم تعد أمراً "واقعياً"، في تصريحات تأتي في سياق تعزيز الحكومة الإسرائيلية خططها لتوسيع الاستيطان وفرض السيادة على الأراضي الفلسطينية.

كذلك ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في يونيو/حزيران الماضي أن الجيش الإسرائيلي صادق على نقل صلاحيات قانونية في الضفة الغربية إلى مسؤول مدني، ووصف الخبراء هذه الخطوة بما يسمى "الضم الناعم" الذي يهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

"مخطط للقضاء على القضية الفلسطينية"

في هذا السياق، صرح الخبير الفلسطيني في شؤون السياسة والاستيطان إسحق جاد، بأن الاحتلال الإسرائيلي ينفِّذ خطة تهدف إلى تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى جيوب صغيرة.

وأشار مدير معهد "أريج" للأبحاث، في مقابلة مع وكالة الأناضول إلى أن إسرائيل تتبع في الضفة الغربية استراتيجية "حسم" الصراع بدلًا من إدارته، مضيفاً أن الاحتلال يسيطر حالياً على نحو 80% من المنطقة "ج"، التي تشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية.

وتابع جاد بأن "خطة الحسم" هي خطة أعدتها الأحزاب الدينية المتطرفة في إسرائيل، وتعد جزءاً من الاتفاقيات الائتلافية التي وُقعت لتشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في أواخر عام 2022. ولفت إلى أن هذه الحكومة تستند إلى تفاهمات بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، زعيم حزب "القوة اليهودية"، بالإضافة إلى نتنياهو.

وذكر جاد أن خطة "الحسم" تتضمن تصريحات سموتريتش التي تقول إن الفلسطينيين في الضفة الغربية أمام ثلاثة خيارات: "أن يخضعوا لسيطرة إسرائيل، أو يرحلوا، مع تقديم المساعدة لهم في هذا الشأن، أو يقاوموا، مما قد يؤدي إلى قتلهم".

وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل الوضع في قطاع غزة، ويواصل ارتكاب الانتهاكات ويكثف اعتداءاته في الضفة الغربية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية.

ووصف جاد خطة الضم الإسرائيلية بأنها "إعلان حرب" تهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية، معتبراً أنها جريمة أكدتها محكمتا العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، اللتان قالتا إن الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي المحتلة غير شرعي.

تصعيد في الضفة منذ حرب غزة

منذ بداية الحرب على قطاع غزة، تشهد الضفة المحتلة تصعيداً كبيراً في سياسات الاحتلال الإسرائيلي. في هذا السياق، أشار رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، في تصريحات، إلى أن سلطات الاحتلال قد استولت على نحو 52 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية الحرب.

وخلال عام 2024، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصنيف ما يقرب من 6000 فدان من الأراضي على أنها أراضٍ تابعة لإسرائيل، وهو تصنيف يُسهِّل من بناء المستوطنات في تلك الأراضي. ويُعدّ هذا التوسع الأكبر في تاريخ الاستيطان في الضفة الغربية، إذ يساوي نصف المساحة التي أُعلنت أنها أراضٍ إسرائيلية في العقود الثلاثة الماضية.

وحسب تقرير صادر عن منظمة "السلام الآن"، جرى إنشاء ما لا يقل عن 43 موقعاً استيطانياً جديداً خلال العام الماضي، فيما كان متوسط إنشاء المواقع الاستيطانية لا يتجاوز 7 مواقع سنوياً منذ عام 1996.

ويعيش في الضفة الغربية حالياً أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي، في حين أن عدد الفلسطينيين في المنطقة يصل إلى نحو 3.3 مليون نسمة. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي يعد هذه المستوطنات غير قانونية، فإن إسرائيل تواصل بناءها على الأراضي المحتلة، وهو ما يعد انتهاكاً واضحاً لعديد من قرارات الأمم المتحدة.

من جهة أخرى، سجل توثيق الأمم المتحدة تصعيداً في عمليات الهدم والتدمير التي تمارسها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية. منذ بداية عام 2024، هدمت القوات الإسرائيلية أكثر من 1500 منشأة فلسطينية، بما في ذلك المنازل والمرافق الاقتصادية، مما تسبب في تهجير أكثر من 3600 فلسطيني.

ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، شمل التدمير 700 منزل مأهول، و118 منزلاً غير مأهول، بالإضافة إلى 398 منشأة زراعية و205 منشآت تجارية أخرى. هذه العمليات تسببت في تدمير سبل عيش عديد من الفلسطينيين، مما أدى إلى تضرر نحو 164 ألف فلسطيني.

في الوقت نفسه، وسَّع جيش الاحتلال الإسرائيلي نطاق عملياته في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث صعَّد المستوطنون اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، ما أسفر عن استشهاد 801 فلسطيني وإصابة نحو 6600 آخرين، حسبما أفادت به وزارة الصحة الفلسطينية.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً