تابعنا
يحمل تصاعد الأزمة السودانية وتمددها إلى المناطق الغربية من البلاد مؤشرات مقلقة حول الآثار الأمنية المحتملة في دور الجوار وفي مقدمتها جمهورية تشاد، حيث شهد البلَدان حالات متعددة من التأثير المتبادل في أكثر من مرحلة.

يحمل تصاعد الأزمة السودانية وتمددها إلى المناطق الغربية من البلاد مؤشرات مقلقة حول الآثار الأمنية المحتملة في دور الجوار وفي مقدمتها جمهورية تشاد، حيث شهد البلَدان حالات متعددة من التأثير المتبادل في أكثر من مرحلة.

ويزيد التنافس الفرنسي الروسي المتعاظم في إفريقيا مؤخراً تعقيدات المشهد، إذ تبدو مجريات الأحداث في السودان مؤثرة بشكل كبير في إعادة رسم خرائط نفوذ كل من موسكو وباريس في المنطقة، وهو ما انعكس صداه في تحركات عسكرية فرنسية مختلفة في تشاد.

فرنسا وتشاد.. تاريخ من "الهيمنة"

حملت مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والخطاب الذي ألقاه في تشييع الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي إثنو في أبريل/نيسان عام 2021 دلالة عميقة على الأهمية التي توليها باريس لعلاقاتها مع إنجمينا، إذ كان الرئيس الغربي الوحيد المشارك في المناسبة.

ووفقاً للأكاديمي التشادي والباحث في الشأن الإفريقي إسماعيل طاهر، فإن هذه العلاقة كانت على الدوام "شديدة الحساسية"، وتميزت منذ منح فرنسا تشاد استقلالها عام 1960 بـ"محاولة باريس فرض علاقة قائمة على التبعية على المستوى السياسي والاقتصادي".

ويضيف طاهر لـTRT عربي أن فرنسا هيمنت اقتصادياً من خلال عديد من الإجراءات "كفرض عملة فرنك وسط إفريقيا، والسيطرة على المصانع والشركات الكبرى، وربط البلاد تجارياً في تجارة القطن ومشتقاته، والهيمنة على شركات البنية التحتية والكهرباء والماء، إلخ".

أما من الناحية السياسية فقد كانت هناك "تبعية دائمة لفرنسا"، حسب طاهر الذي أكد أن "أنظمة الحكم كلها تغيرت بفعل تدخلات فرنسية منذ الانقلاب الأول سنة 1975، مروراً بالحروب الأهلية المختلفة، وكان البقاء دوماً لمن ترضى عنه باريس".

ويرى طاهر أن تشاد كغيرها من الدول الإفريقية قد تنامت فيها الاتجاهات الرافضة لسياسات باريس، مضيفاً أن "احتمالات تأثر تشاد بالصراع الدائر في السودان تُشكِّل أحد المخاوف الفرنسية الكبيرة حالياً، بالنظر إلى التداخل القبلي والحدود الطويلة بين البلدين، والهشاشة التي تعانيها تشاد في عديد من النواحي، والتي تتيح الفرصة لأي طرف يريد التدخل في البلاد".

تشاد وسط بيئة أمنية معقدة

لطالما اتسمت علاقات تشاد مع عديد من جيرانها بموجات من التوتر المستمر، إذ خاضت حروباً مباشرة أو بالوكالة مع نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا ونظام الإنقاذ في السودان.

هذه البيئة المعقدة ترسم من جديد خريطة التهديدات الأمنية المحيطة بتشاد، والمقلقة لكل من باريس وإنجمينا على حد سواء، كما وضّح لـTRT عربي ضابط متقاعد في الجيش السوداني، رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، مضيفاً أنه يمكن النظر إليها على أكثر من مستوى.

وفي تبيينه لهذه المستويات يمضي الضابط المتقاعد قائلاً: "أولاً هناك مستوى متعلق بالصراعات بين القوى التشادية المختلفة في البلاد، وهي في الغالب صراعات قائمة على أسس قبلية، وتتخذ في عديد من الحالات شكل قوى مسلحة متمردة على الدولة".

أما المستوى الثاني فيرى أنه بدأ يتبلور في السنوات الأخيرة، وهو مرتبط بشكل كبير بصراعات القوى الدولية للحصول على مواطئ أقدام داخل القارة الإفريقية، "إذ تدعم كل من فرنسا وروسيا فاعلين محليين لإضعاف أو إسقاط الحكومات المعادية لكل منهما في القارة".

ووفقاً للضابط المتقاعد فإنّ في تشاد وفرنسا قلقاً متزايداً "من الدعم الذي تقدمه فاغنر لفصائل معارضة تشادية مسلحة في إفريقيا الوسطى الواقعة تحت تأثير النفوذ الروسي".

وأضاف أنه بجانب ما سبق هناك تهديدات كبيرة من قوى تشادية متمردة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجنرال خليفة حفتر في ليبيا وتتلقى دعماً روسياً، وكانت وراء الهجوم الكبير على تشاد ربيع عام 2021 حيث سقط الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي في معارك خاضها معها.

ويعتقد الضابط المتقاعد أنه مهما تكن نتيجة المعارك الدائرة في الخرطوم فإنها لن تكون مريحة لإنجمينا، فانتصار قوات محمد حمدان دقلو "سيؤدي إلى تعاظم دور حلفائه من المعارضة التشادية المرتبطة به بروابط قبلية"، في حين أن هزيمة الدعم السريع ستدفع دقلو إلى العودة إلى قواعده في دارفور، التي ستتحول إلى قاعدة خلفية للمعارضة التشادية لإعادة تنظيم صفوفها وتلقي الدعم الروسي لإسقاط النظام الحاكم في إنجمينا، حسب الضابط المتقاعد.

تحركات فرنسية تشادية

شهدت الأيام الماضية توسعاً لافتاً في رقعة الاشتباكات في السودان، وحذّر مسؤول أممي من وقوع "كارثة في دارفور"، مبدياً قلقه بشكل خاص من الوضع في الإقليم الواقع غربي البلاد.

ويرى الضابط المتقاعد أن تطورين أمنيين لافتين حدثا مؤخراً، "أولهما انفجار الصراع العرقي في دارفور بشكل لم يحدث منذ سنوات طويلة، والثاني سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة أم دافوق على الحدود بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، والتي تُعَدّ معبراً رئيسياً للدعم والإمدادات الروسية لقوات الدعم السريع".

وفي تصريحه لـTRT عربي يرى الضابط المتقاعد أن هذا "ما دفع كلاً من إنجمينا وباريس إلى تسيير دوريات مشتركة على الحدود التشادية السودانية منذ أيام"، مضيفاً أن هناك أنباء غير مؤكدة عن موافقة البرلمان التشادي على نشر قوات فرنسية في المناطق الحدودية مع السودان.

من جانبه يؤكد الصحفي التشادي محمد طاهر زين تنظيم الدوريات المشتركة المُشار إليها، موضحاً أنها "تنطلق من القاعدة الفرنسية في منطقة أبيشهي الحدودية، وأنها تتمتع بدعم لوجستي وأمني فرنسي".

على صعيد متصل، تأتي هذه التحركات دعماً للقوات التشادية على الحدود السودانية، إذ زادت إنجمينا حجم قواتها في تلك المنطقة تخوفاً من تداعيات الصراع السوداني على تشاد، وفق قول زين.

وفي تصريحه لـTRT عربي ينفي زين موافقة برلمان بلاده على نشر قوات فرنسية على الحدود مع السودان، موضحاً أن "للجيش الفرنسي قواعد ومعسكرات في مناطق مختلفة في البلاد، وأن البلدين تربطهما اتفاقيات أمنية وعسكرية".

ويوضح زين الباحث في الشؤون الإفريقية أن هناك تنسيقاً تشادياً فرنسياً عالياً، وأنه مع تصاعد الاشتباكات في السودان "طلبت الحكومة في إنجمينا من باريس تقديم الدعم، إذ سارعت باريس إلى تلبيتها من خلال الصور الجوية".

وفي ظل مخاوف الطرفين من تداعيات التدخل الروسي من خلال دعم فصائل معارضة في إفريقيا الوسطى، يؤكد زين في حديثه لـTRT عربي أنه "جرى في أبريل/نيسان الماضي إنشاء مركز متقدم في جنوب تشاد في منطقة غوريه الحدودية مع إفريقيا الوسطى، للتصدي لأي تحركات للمعارضة التشادية المدعومة من روسيا في المنطقة".

ووفقاً لزين فإنّ "هدف فرنسا من دعم إنشاء هذا المركز يتمثل في رغبة باريس في حماية حليفها التشادي، والتمهيد للعودة إلى إفريقيا الوسطى التي انتزعتها موسكو من نطاق النفوذ الفرنسي التقليدي".

وكان زين نشر في حسابه على فيسبوك في 26 أبريل/نيسان أنباء عن تحرك أكثر من 80 مركبة عسكرية مدججة بالأسلحة وتابعة للقاعدة الفرنسية في منطقة غوريه متوجهة نحو الحدود مع إفريقيا الوسطى بصحبة عناصر من الجيش التشادي، في رسالة تهديد إلى حكومة إفريقيا الوسطى المتحالفة مع فاغنر الروسية.

هل تتدخل فرنسا في السودان؟

بالنظر إلى كل ما سبق يبدو واضحاً التخوف الفرنسي من تداعيات الصراع المتصاعد في السودان على مستقبل نظام الحكم في تشاد، وهذه التخوفات وفقاً لإسماعيل طاهر ستدفع فرنسا إلى محاولة "نشر قواتها على الحدود وتقديم الدعم اللوجستي والتقني والإشراف على بعض الأمور بنفسها"، مضيفاً أنه مع استمرار الأزمة السودانية فإننا سنشهد "دوراً فرنسياً أكبر على الحدود التشادية السودانية".

من جانبه يرى زين أنه إذا تبين "وجود عناصر من فاغنر في الجبهات القتالية وقيامها بتدريب وتأهيل المعارضة التشادية المسلحة في السودان للهجوم على تشاد فإن القوات الفرنسية ستشارك بشكل مباشر في القتال ضد فاغنر".

أمّا في حال عدم تأكد باريس من مشاركة المقاتلين الروس "فلن تنخرط باريس في المواجهة المباشرة، وستعمل على تقديم الدعم اللوجستي للقوات التشادية المتمركزة في منطقة أدري والحدود السودانية التشادية"، حسبما يرى زين.

في المقابل، يستبعد الضابط المتقاعد في الجيش السوداني مشاركة القوات الفرنسية المباشرة في القتال "حتى لو تأكدت من مشاركة عناصر فاغنر الروسية في السودان"، معتبراً أنه "أضعف الاحتمالات"، معللاً ذلك بآثار "تجربة فرنسا العسكرية المخفقة في منطقة الساحل، واستراتيجية باريس المعلنة مؤخراً حول إفريقيا، التي عملت على حصر دور الجيش الفرنسي في تدريب القوات الإفريقية وتقديم الإمدادات".

ويتوقع الضابط المتقاعد أن التدخل سيكون من خلال "الاعتماد على القوات التشادية مع زيادة الدعم الأمني والتسليحي والاستخباراتي، وحشد الدعم الغربي لمواجهة روسيا في السودان، وهو ما يعني في النهاية انخراطاً أكبر في الصراع السوداني".


TRT عربي