تابعنا
في مشهد مثير للجدل، ظهر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في مقطع فيديو متأثراً، وهو يودع غابي أشكنازي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، بعد أن فقد منصبه بسقوط حكومة نتنياهو، ومنح الكنيست الإسرائيلي الثقة لنفتالي بينيت لتشكيل الحكومة الجديدة.

"شكراً غابي لكونك شريكاً رائعاً.. أتطلع لنكون أصدقاء لسنوات طويلة قادمة.. حفظك الله وحفظ عائلتك الرائعة". في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لجرائم وفظائع إنسانية نتيجة العدوان الإسرائيلي، يتوجه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد برسالة "إنسانية" يعبر فيها عن مدى حزنه لوداع صديقه غابي أشكنازي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الأسبق والمتهم بارتكاب جرائم حرب.

تتجاوز الرسالة التي بعث بها بن زايد لأشكنازي في ظاهرها، كونها مجرد بروتوكول دبلوماسي، لتكشف عن عمق التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.

ففي وقت سابق وعلى إثر لقاء جمع بين الوزيرين في العاصمة الألمانية برلين في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2020 لإحياء ذكرى أحداث "الهولوكوست"، واعتبر حينها اللقاء التاريخي الأول لتعزيز العلاقات بين إسرائيل والإمارات، و تمت فيه مناقشة عدة قضايا من بينها إطلاق رحلات جوية بين البلدين وإصدار تأشيرات وفتح سفارتين، عبر كل من بن زايد وأشكنازي عن أن وجودهما معاً يعبر عن "بداية حقبة جديدة"، وبدا بن زايد حينها متأثراً عند سماعه للتفاصيل التي يرويها أشكنازي عن والده الناجي من أحداث الهولوكوست وفراره سنة 1944 من المعسكر وهجرته إلى إسرائيل ليشارك في الحروب هناك.

رسالتان كتبهما وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد (إلى اليسار) ووزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي في كتاب الزوار في متحف محرقة الهولوكوست في أثناء زيارتهما لبرلين في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020 (AFP)

أشكنازي مجرم حرب

ولد غابي أشكنازي في فبراير/شباط 1954 في تجمع حاجور شرق مدينة يافا الفلسطينية، لأب يهودي بلغاري ناجٍ من الهولوكوست وأم من أصول سورية.

وانضم غابي إلى جيش الدفاع الإسرائيلي سنة 1972 فشارك في عدة حروب طيلة أربعة عقود، من بينها حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 مع مصر، وشارك عام 1978 في عملية الليطاني في لبنان.. ليترك بعد ذلك الجيش سنة 2005 بسجل عسكري هائل، ويشغل منصب مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية سنة 2006.

وبانخراطه في العمل السياسي، توج غابي مسيرته بتقلد منصب رئيس أركان الجيش الاسرائيلي منذ سنة 2007 حتى سنة 2011.

وزير الخارجية الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي متهم بارتكام جرائم حرب (AP)

وأثارت الحروب العسكرية التي خاضها أشكنازي في فترة توليه منصب رئيس الأركان، جدلاً كبيراً، حيث تورط في عدة جرائم حرب، من بينها العداون الذي استهدف قطاع غزة في فبراير/شباط 2008، ثم عقب ذلك عدوان إسرائيلي آخر على القطاع سنة 2009 تسبب في استشهاد أكثر من 2000 فلسطيني، واستمر أشكنازي في إنكاره لهذه الجرائم.

وفي سنة 2010 قاد اقتحام البحرية الإسرائيلية لمافي مرمرة التركية التي كانت متجهة إلى غزة.

وفي وقت لاحق، نتيجة لبعض التحالفات الحزبية رشح الخبير العسكري غابي أشكنازي لتولي منصب دبلوماسي رفيع، فتسلم حقيبة وزارة الخارجية في حكومة بنيامين نتيناهو، حيث قام بلعب دور هام في تطوير مسار العلاقات مع الدول التي وقعت على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، بواسطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وعبر عنها أشكنازي بأنها "فرصة لصنع التاريخ وتحقيق رؤية دولة إسرائيل".

تشابك مصالح

كانت مسألة تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والبحرين، واحدة من بين الإنجازات المتشددة التي نسبها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى نفسه، لتعزيز فرصه في الانتخابات. ولم يتردد في توظيها كورقة رابحة للاستمرار في الحكم ودعم موقفه السياسي.

ورغم ذلك لم يتمكن نتنياهو من النجاح في نيل ثقة الكنيست الإسرائيلي، وأسقطت حكومته لتحل محلها حكومة جديدة برئاسة الزعيم اليميني نفتالي بينيت، وذلك بعد أشهر قليلة من رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب المهندس لاتفاقية التطبيع التاريخية بين إسرائيل والدول العربية.

وكانت قد تطورت في وقت سابق العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين بشكل سريع، وتم إجراء العديد من المحادثات واللقاءات الدبلوماسية بشكل كثيف، وتم فتح قنوات تواصل مباشرة بين وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين، توجت بفتح سفارات وتوقيع اتفاقيات تعاون في عدة مجالات بلغ عددها نحو 29 اتفاقية إلى جانب 4 بعثات دبلوماسية و ذلك فق تصريحات سابقة لغابي إشكنازي.

وعلى إثر الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية قال أشكنازي إن العلاقات مع دولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين استمرت بشكل جيد، خاصة بعد أن "اجتازوا اختبار عملية حارس الأسوار التي أطلقها جيش الدفاع الإسرائيلي". على حد تعبيره.

من جانبها، لم تفوت دولة الإمارات الفرصة في إدانة حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تدين لها بالعداء حتى من قبل توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، إذ عبر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد عن أسفه على حسب توصيفه لإحجام المجتمع الدولي عن اعتبار حماس حركة إرهابية.

واعتبر محللون أن في تصريح بن زايد الذي ندد به وانتقده قادة حماس في بيانات رسمية، ليس مجرد إدانة لحركة حماس فقط وإنما لكل أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إدانة وتنديد

اعتبر ناشطون ومغردون على وسائل التواصل الاجتماعي التصريحات الأخيرة لبن زايد والفيديو الذي نشره متأسفاً على مغادرة أشكنازي منصبه، تجسيداً للمستوى المهين الذي وصل إليه التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.

واعتبروا موقف بن زايد استهانة بدماء الأبرياء الفلسطينيين، وتغاضياً عن جرائم أشكنازي التي أدانها المجتمع الدولي.

وعقب الإعراب عن أسفها لمغادرة حكومة نتنياهو الشريك الاستراتيجي الحكم، لم تتردد الإمارات والبحرين في تقديم التهاني للحلفاء الجديد، للتعبير عن تمسكها بمواصلة مسار العلاقات التي رسمتها اتفاقية التطبيع.

TRT عربي