تابعنا
وصف تحليل لمجلة فورين بوليسي من كبار الباحثين في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام أن جو بايدن وبعد أن ربط نفسه بأهداف الحرب الإسرائيلية ضد حماس، بات "رهينة" بيد نتنياهو الذي فضّل وضع بقائه السياسي فوق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.

برز في الآونة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تخبط في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بين التشدد والتساهل تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم مرور نصف عام من دون وجود أفق واضح بعد لهدنة أو وقف إطلاق نار، وسط استطلاعات أمريكية أخيرة تُظهر أن أغلبية الأمريكيين يؤيدون أن بلادهم يجب أن تلعب دوراً في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.

وأثارت الاستقالة الأخيرة التي حصلت في وزارة الخارجية الأمريكية، من جديد، التساؤلات حول موقف بايدن من الحرب، إذ أعلنت أنيل شيلين في 27 مارس/آذار الماضي استقالتها من منصب مسؤولة الشؤون الخارجية في "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" منذ نحو عام، احتجاجاً على دعم واشنطن لتل أبيب، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وهذه هي الاستقالة الثانية في الخارجية الأمريكية، إذ سبق أن استقال جوش بول الذي كان مسؤولاً عن عمليات نقل الأسلحة إلى الحكومات الأجنبية.

وفي مقابلة نقلتها الصحيفة، قالت شيلين إن تركيزها كان ينصبّ على تعزيز حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو العمل الذي تَعقّد بسبب الحرب الإسرائيلية ومجموعة من الآثار الأخلاقية والقانونية والأمنية والدبلوماسية المصاحبة للولايات المتحدة.

وتضيف أنها حاولت إثارة المخاوف داخلياً من خلال برقيات المعارضة وفي منتديات الموظفين، لكنها خلصت في النهاية إلى أنه لا جدوى من ذلك "مادامت الولايات المتحدة تحافظ على تدفق مستمر للأسلحة إلى إسرائيل".

ملامح التخبط الأمريكي حول غزة

تعد استقالة شيلين من أبرز ملامح التخبط التي تمر بها إدارة بايدن حول حرب غزة، إذ كانت قد عُينت في المنصب بعقد لمدة عامين، إلّا أنها عندما بدأت في إخبار زملائها بشأن موقفها، كان ردهم: "من فضلك تحدثي نيابةً عنّا"، وقررت التحدث بناءً على طلب زملائها الذين أخبروها أنهم يريدون الاستقالة ولكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب اعتبارات مالية أو عائلية، حسب ما أوردته الصحيفة.

كان قد سبق هذه الحادثة إلغاء نتنياهو في 25 مارس/آذار الماضي زيارة لوفد إسرائيلي من كبار المسؤولين إلى واشنطن، بعد أن أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وامتنعت حينها الولايات المتحدة عن التصويت وسمحت بتمريره.

وطالب القرار، الذي أيّدته 14 دولة من بينها الصين وروسيا، بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان وإطلاق سراح جميع الرهائن. وكانت أربعة قرارات سابقة لوقف إطلاق النار قد باءت بالفشل، بما في ذلك القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة في 22 من الشهر ذاته.

بدورها، أعربت الإدارة الأمريكية عن "خيبة أملها الشديدة" إزاء قرار نتنياهو إلغاء الزيارة، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي: "نشعر بخيبة أمل كبيرة لأنهم لن يأتوا إلى واشنطن للسماح لنا بإجراء محادثة مطوَّلة معهم حول بدائل الاجتياح البري لرفح القابلة للتطبيق"، إلّا أنه رغم ذلك أُجري لقاء بين وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ونظيره الأمريكي لويد أوستن، في 26 مارس/آذار الماضي، في العاصمة واشنطن، وهي زيارة منفصلة عن الزيارة التي كان مقرراً أن يُجريها الوفد الإسرائيلي للبيت الأبيض، وفق وزارة الدفاع الأمريكية.

وعلى صعيد آخر، حاولت الولايات المتحدة تخفيف وطأة دعمها المطلق في الحرب عبر إرسال مساعدات جوية، ما أسفر عن نتائج كارثية على صعيد إزهاق أرواح السكان الذين غرق بعضهم في محاولة انتشال المساعدات من البحر، وعلى صعيد آخر عدم كفاءة أسلوب الإسقاطات الجوية أو حتى كفايتها، وهو ما انتقدته بشدة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

لكنه ورغم اتساع الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية وتأكيد الإدارة الأمريكية بعض النقاط الأساسية في الحرب مثل محاولة الوصول إلى مفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل حول الرهائن، وإبراز واشنطن مخاوفها حول عملية رفح، والضغط على نتنياهو لفتح ممر مساعدات إنسانية، فضلاً عن الضغط الذي شكلته قضية استهداف عمّال الإغاثة بعد مقتل 7 أجانب منهم في قصف إسرائيلي... رغم كل ذلك فإن واشنطن أجازت إرسال قذائف وطائرات مقاتلة بمليارات الدولارات إلى إسرائيل.

وحسب مصادر من البنتاغون تحدثت إلى صحيفة واشنطن بوست في 29 مارس/آذار الماضي، شملت حزم الأسلحة الجديدة أكثر من 1800 قنبلة (MK84) تزن 2000 رطل، و500 قنبلة (MK82) تزن 500 رطل، إذ سبق ربط القنابل التي تزن 2000 رطل بأحداث سابقة أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، إضافةً إلى طائرات مقاتلة وصواريخ جو-جو ومعدات توجيه.

وذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية أنه من المتوقع أن تبلغ قيمة الصفقة أكثر من 18 مليار دولار، وهي أكبر مبيعات عسكرية أجنبية أمريكية لإسرائيل منذ أن بدأت حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بايدن.. "رهينة بيد نتنياهو"

وحول الخلاف بين بايدن ونتنياهو، وصف تحليل لمجلة فورين بوليسي الأمريكية من كبار الباحثين في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولية، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعد أن ربط نفسه بأهداف الحرب الإسرائيلية ضد حماس، بات "رهينة" بيد نتنياهو الذي فضّل وضع بقائه السياسي فوق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، وربما حتى فوق المصالح الفضلى لبلاده.

وأشار التحليل المنشور في 28 مارس/آذار الماضي، إلى أن الضغط على إسرائيل ليس من طبيعة بايدن، مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو أعلى مسؤول يهودي في الحكومة الأمريكية وحليف قوي تاريخياً لإسرائيل طالب الشهر الماضي بإجراء انتخابات إسرائيلية جديدة، مما أثار غضب حكومة نتنياهو.

ورأى الباحثان في مركز كارنيغي، وفق ما أورداه في التحليل، أن "بايدن لا يحب نتنياهو، لكنه مغرم بالفكرة والشعب وأمن إسرائيل، وإذا كان هناك أي عامل يفسر الدعم الاستثنائي الذي يقدمه الرئيس لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فهو ذلك الرابط العاطفي، ومع ذلك لا ينبغي على الرؤساء أن يضعوا سياساتهم على أساس أحكام عاطفية مسبقة أو مشاعر. ولكن أهلاً بكم في الرئاسة الأمريكية حيث يجلب الرؤساء إلى مناصبهم تاريخهم وحساسياتهم ووجهات نظرهم التي طُبِّعت على مدى حياتهم".

كما أن الموقف الافتراضي لبايدن حتى في مواجهة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ليس المواجهة، بل التكيّف معها والبحث عن سُبل لإدارة التوترات وحل المشكلات بهدوء إن أمكن، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، ومن بين جميع نقاط الضغط المتاحة لبايدن، فإن النقطة التي سيكون أكثر تردداً في استخدامها هي تقييد المساعدة العسكرية لإسرائيل أو فرض شروط عليها، ناهيك بوقفها، وفق تحليل المجلة.

أحداث "7 أكتوبر" ليست كسابقاتها

ويرى التحليل أيضاً أن أحداث "السابع من أكتوبر" ليست كمثيلاتها، فمهما ضغطت الولايات المتحدة فإن الإسرائيليين مستعدون للرد على أولئك الذين يمارسون الضغط والإقناع.

وسبق أنْ استخدمت الولايات المتحدة الضغط بنجاح على إسرائيل حتى في أثناء الأزمات، وهدد الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور، بفرض عقوبات على إسرائيل في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إذا لم تسحب قواتها من سيناء، كما منع ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر إسرائيل من تدمير "الجيش الثالث الميداني" المصري للحفاظ على إمكانيات دبلوماسية مع الرئيس المصري أنور السادات في فترة ما بعد الحرب عام 1973، وفق تحليل فورين بوليسي.

ويشير إلى عدم مواجهة أي إدارة أمريكية أو حكومة إسرائيلية ظروفاً مثل هذه، إذ انخرطت إسرائيل لمدة ستة أشهر تقريباً في عمليات قتالية "ضد منظمة إرهابية ذبحت مئات المدنيين واحتجزت رهائن". على عكس عام 1973، لا تتوسط الولايات المتحدة الآن في صراع بين دولتين مهتمتين بإبرام اتفاق سلام فعلياً. ويجب الآن على أي رئيس أمريكي أن يتعامل بحذر شديد، وأن يختار معاركه بعناية عندما يتعلق الأمر بممارسة الضغط على النخبة العامة والسياسية التي تبدو مصممة على دعم الحرب ضد حماس إلى أن يتأكدوا من أنه لن يكون هناك مزيد من "الهجمات الإرهابية".

ويرى الباحث والمحلل السياسي المقيم في واشنطن سمير التقي، أن عوامل الشدّ الرئيسية التي تتعرض لها السياسة الأمريكية حالياً ليست مرتبطة بالضبط ببايدن، بل مرتبطة بتوجه عام للولايات المتحدة.

ويبيّن التقي، في حديثه مع TRT عربي، أن الانطباع الرئيسي الذي يدفع بايدن إلى اتخاذ موقفه الحالي هو أنه في لحظة معينة كان هناك رأي قوي في الإدارة الأمريكية وفي المراكز الاستراتيجية أن "ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو جزء من محاولة روسية-إيرانية استُخدمت فيها حماس من أجل قلب الطاولة في منطقة الشرق الأوسط، وتهديد إسرائيل بشكل وجودي، وإعادة تمترس المنطقة بين عرب وإيرانيين قريبين من روسيا في معسكر واحد وبين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية"، وفي مرحلة معينة كانت هناك مخاوف من أن تتعرض إسرائيل لتداعٍ كامل لمنظومتها الأمنية، وفي هذه الحالة كان يمكن للولايات المتحدة أن تضطر إلى التدخل.

ويضيف الباحث أن أمريكا الآن في وضع صعب من وجهة نظر أن كل تحالفاتها في الإقليم باستثناء إسرائيل، سواء مع تركيا أو مع الدول العربية وباقي الدول بما فيها الدول الأوروبية، تتعرض لـ"اهتزاز كبير" بسبب اضطرار واشنطن إلى "ترك الحبل على الغارب لنتنياهو، رغم إدراك أن عليها تدريجياً التخلص منه"، حسب تعبيره.

ويوضح التقي أن التناقض في الدوافع والأهداف يجعل أمريكا في حالة ارتباك، ولذلك اتجهت لإعطاء دور أكبر بكثير من السابق للدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية في مخططاتها الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بإعادة صياغة الوضع في مرحلة التعافي في قطاع غزة.

كيف يبدو الوضع في الداخل الأمريكي؟

ويشير التقي إلى أنه في الداخل الأمريكي هناك ضغط شديد على بايدن، ولكنه يراهن، من جهة، على المدى الطويل في أن يثبت أنه تمكَّن من الإطاحة بنتنياهو واليمين الإسرائيلي. من جهة أخرى، على عدم خسارة دعم الأوساط المؤيدة لإسرائيل في أمريكا، لكنه ومع ذلك يحتاج إلى أن يُظهر أنه يتخذ موقفاً متوازناً.

ويعتقد التقي أن بايدن تحت ضغوط كبيرة، إذ إن الموضوع ليس مرتبطاً بالعرب ولا بالمسلمين في الولايات المتحدة، بل مرتبط أكثر بكثير بصعود جيل جديد من الشباب أصبحوا أكثر حساسية لثقافة معاداة الإرث الاستعماري الغربي، وأكثر حساسية لثقافة المساواة والعدالة، معتبراً أنها عوامل لا يمكن أن تعطي نتائجها على مدى أشهر، فيما تعطي عادةً نتائجها على مدى طويل.

ماذا عن نتنياهو؟

ويقول الباحث والناشط السياسي: "عملياً نحن نقترب من نهاية الحرب وسحب البساط من تحت نتنياهو، لا أتصور أنه سيكون قادراً على شن هجوم واسع في رفح كما فعل في شمال غزة، لذلك أصبح مكبَّل الأيدي حتى فيما يتعلق بعلاقاته، وأصبح أكثر من أي وقت مضى مضطراً للولايات المتحدة".

ويعتقد الباحث أن هذا الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وإن كان ما سيبقى في غزة أزمة موجودة وهجمات متتالية إسرائيلية لكي تحتفظ بماء وجهها، لكن من الناحية العسكرية إسرائيل "خاسرة حتماً"، مستدركاً بأن "القضية الرئيسية في هذا الإطار هي مَن سيتولى غزة بعد مرحلة التعافي؟".

ويوضح التقي أن "بايدن رهينة بلا شك"، ولكن على المدى الطويل يمكنه أن يكبِّل نتنياهو، فهو الآن لن ينتصر وغير قادر على أن يجتاح رفح، لذلك هذه الإشكالية الكبيرة بين نتنياهو وبايدن موجودة ما دامت الأزمة موجودة، ولكن حتى من الناحية الاستراتيجية لا يوجد كثير من الأهداف التي يمكن إنجازها بالنسبة لإسرائيل لكي تقول إنها انتصرت.

TRT عربي
الأكثر تداولاً