غابرييل بوريك، رئيس تشيلي الجديد (Rodrigo Garrido/Reuters)
تابعنا

لم تكن المرة الأولى التي يعبِّر فيها الشارع الشيلي عن إرادته من خلال انتخابات ديمقراطية باختيار ممثل يساري يقوده من كرسي رئاسة البلاد. وفي لحظة أشبه بانتخاب الرئيس سلفادور ألندي، الذي اغتاله انقلاب عسكري مدعوم من واشنطن سنوات السبعينيات، انتخب التشيليون غابرييل بوريك اليساري الشاب رئيساً لهم.

بوريك حل في المركز الأول خلال الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التشيلية التي جرت الأحد، متقدماً على منافسه اليميني المتطرف أنطونيو كاست بفرق 10 نقاط. ليكون بذلك أصغر رئيس للبلاد في سن لم تتجاوز الـ35 عاماً، قضى جزءاً كبيراً منها داخل التنظيمات اليسارية، وتزعم نضالاتها من الشارع وداخل المؤسسات.

ويمثل الرئيس الجديد الأمل لشعب تشيلي في أن يعيش ثورة ضد التمييز الاقتصادي والسياسات النيوليبرالية المتوحشة لسابقه. كما يمثل كذلك الأمل لشعوب العالم إذ يصطف دائماً إلى جانب القضايا العادلة للشعوب، وعلى رأسها النضال الفلسطيني من أجل حقه ضد الآلة الدموية للاحتلال الإسرائيلي.

زعيم ثورة "البطاريق"

ولد غابرييل بوريك سنة 1986 بمدينة بونتا أريناس (جنوبي البلاد) لعائلة يسارية بامتياز، إذ كان أبواه أكاديميين اشتراكيين وناشطين ضد الدكتاتورية العسكرية للجنرال الانقلابي أغوستو بينوتشي. ما قاد بوريك خلال سنوات دراسته الثانوية لعملية تأسيس الحركة الطلابية بالمدارس الثانوية في مدينته الأم. وانتخب خلال فترة دراسته الجامعية رئيساً لنقابة طلاب جامعة تشيلي سنة 2008.

بالتوازي مع ذلك كان المسار التعليمي لبوريك متقاطعاً مع نضاله، فنال شهادة جامعية في القانون وكرس نشاطه للترافع في قضايا حقوق الإنسان ببلاده.

في سنة 2006، كان بوريك من بين الأشخاص الذين تزعموا "ثورة البطاريق" الطلابية. إذاحتج آلاف طلاب البلاد ضد قانون خصخصة التعليم الموروث عن السياسات الاقتصادية لحكومة بينوشيه. انتهت باستجابة الرئيسة ميشيل باشليه وقتها لمطالبهم، من أجل فك الشلل الذي أصاب قطاع التعليم لمدة شهرين إثر الإضرابات الطلابية.

في سنة 2017 أسس حزب "حركة الإدارة الذاتية"، الذي سيُنتخب غابرييل بوريك نائباً عنه في البرلمان التشيلي. سنة 2019، وخلال اندلاع الانتفاضة التشيلية، انتمى بوريك إلى خندق المحتجين، وكان من بين الموقعين على وثيقة "اتفاق السلم الاجتماعي" التي أسست للدستور الجديد.

مناهض شرس لإسرائيل

ويعد بوريك الذي تولى رئاسة البلاد التي تحتضن إحدى أكبر الجاليات الفلسطينية في العالم، أحد أهم المناصرين للحق الفلسطيني وأشرس المناهضين لآلة الاحتلال الإسرائيلي. حيث يدعم بشدة حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، وسعى أثناء ولايته البرلمانية إلى تشريع قانون يُلزم البلاد بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية.

ولا يخفي بوريك مواقفه المناهضة للصهيونية، حتى وقت حملته الانتخابية، حيث وصف إسرائيل بـ"الدولة السفاحة" وذلك خلال لقاء له مع الجالية اليهودية بالبلاد. ووقع وثيقة لدعم القضية الفلسطينية خلال لقائه برئيس فلسطينيّي تشيلي.

وصرح خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في مقابلة تلفزية: بأنه "نعم إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية يجب أن ندافع عن حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول". وغرد في وقت سابق رداً على هدية الجالية اليهودية له بمناسبة عيدهم الديني قائلاً: "إنها لفتة لطيفة، لكن كان من الأفضل أن يطالبوا إسرائيل برد الأراضي المحتلة إلى أصحابها الفلسطينيين".

دخول قصر "لا مونيدا"

ورفض غابرييل بوريك في الأول الترشح للانتخابات الرئاسية، متحججاً بأنه يفتقد الخبرة الكافية لتسيير البلاد. لكنه وبعد قبوله الترشح، نجح في اجتياز تمهيدية "الجبهة الموسعة" التي تجمع مختلف أطياف اليسار الراديكالي في البلاد. ليتقدم بعدها للسباق الوطني مسلحاً ببرنامج اقتصادي واجتماعي مناهض لليبرالية التي أنهكت الشعب وثار ضدها سنة 2019.

وتقدم غابرييل بوريك الدور الثاني للانتخابات ب 56% من الأصوات، عن منافسه اليميني المتطرف أنطونيو كاتس الذي حصد 44%. فيما، حسب مراقبين، تؤشر عودة اليسار إلى قصر "لا مونيدا"، لأول مرة بعد خروج الرئيس الراحل سلفادور ألندي منه جثة هامدة سنة 1973، إلى انتهاء بقايا عهد الدكتاتورية اليمينية المدعومة من واشنطن وسياساتها الاقتصادية التي أرهقت شعوب القارة. خصوصاً والأمر يتعلق هنا بيسار أكثر تحرراً من الثنائية القطبية وتبعات الحرب الباردة التي طبعت النصف الثاني من القرن الماضي.

بالمقابل تشهد أمريكا اللاتينية عودة قوية لهذا اليسار، بعد قيادته لعدد من دول القارة على رأسها المكسيك والأرجنتين وبيرو وكوستاريكا وبنما وبوليفيا. فيما يرجح محللون سقوط الرئيس اليميني المتطرف في البرازيل خلال الانتخابات القادمة، وعودة الرئيس اليساري لولا داسيلفا إلى الحكم.

TRT عربي