نجم الكرة الفرنسية من أصول جزائرية زين الدين زيدان (Others)
تابعنا

أعادت التصريحات التي أطلقها رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لو غريت ضد أسطورة كرة القدم الفرنسية زين الدين زيدان، تسليط الضوء على واقع البلد الأوروبي وعنصريته تجاه نجومه الرياضيين المهاجرين، الذي صنعوا أمجاده واعتلوا منصات التتويج في مختلف الألعاب والرياضات.

وطفت على السطح خلال الأيام القليلة الماضية قضية لوغريت-زيدان التي شغلت الرأي العامّ في فرنسا وتجاوزت الحدود إلى إسبانيا، ليخرج تعليق من الرئاسة الفرنسية على لسان وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا، مشيرة إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون "يشعر بخيبة أمل وجرح حقيقي بعد التصريحات في حق أسطورة للرياضة الفرنسية والعالمية".

ماذا حدث بالضبط؟

رئيس الاتحاد الفرنسي للعبة لو غريت، الذي أزيح لاحقاً عن منصبه، قال في حديث لإذاعة "RMC" الفرنسية حول زيدان قبل أيام، إنه "لم يُجِب حتى اتصالاته"، كاشفاً أنه "لم يفكر قط في الانفصال عن المدرب ديدييه ديشان"، في إشارة إلى تجديد تعاقد الأخير على رأس القيادة الفنية لمنتخب "الديكة" حتى عام 2026، رغم أن "زيزو" كان مرشحاً فوق العادة لتولي زمام الأمور الفنية.

وجاء تجديد عقد ديشان بعد بلوغ منتخب فرنسا المباراة النهائية للنسخة المونديالية 22 في قطر، قبل الخسارة أمام الأرجنتين بركلات الترجيح بعد تعادل الجانبين بالأشواط الأصلية والإضافية بنتيجة 3-3، ليفشل "الديكة" في الاحتفاظ باللقب العالمي للمرة الثانية توالياً بعد نسخة روسيا 2018 التي ظفر بها رجال ديشان على حساب كرواتيا.

وفي لهجة حملت استخفافاً كبيراً بأسطورة الكرة الفرنسية والعالمية، لم يُبالِ لو غريت حول مستقبل زيدان التدريبي، الذي كان اسمه ارتبط بتدريب منتخب بلاده بعد مونديال قطر، إذ قال البالغ من العمر 81 عاماً: "لا أهتمّ، فليفعل ما يحلو له، هذا ليس من شأني وليس عملي. يمكنه الذهاب إلى أي مكان يريد".

بدوره هبّ النجم الأول في التشكيلة الحالية لمنتخب فرنسا كيليان مبابي للدفاع عن زيدان، ووصف في تغريدة عبر حسابه بتويتر، زيدان بأنه "فرنسا"، مستهجناً "إساءة الأدب بهذا الشكل في حق أسطورة".

اعتذار لم يكفِ

تغريدة مبابي كانت الشرارة لتنطلق عاصفة من الانتقادات ضد لو غريت، الذي اضطُرّ تحت وطأة الضغوط إلى الاعتذار إلى زيدان، وأقرّ بـ"تصريحات غير لائقة خلقت سوء فهم" تتعلق بأسطورة منتخب الديوك زيدان، مقدماً له "اعتذاراً شخصياً".

كما وصف ديشان تصريحات لو غريت بأنها "غير لائقة"، مضيفاً: "سأظلّ دائماً أحترم زيدان كثيراً لما عشناه وتشاركناه، لحياتنا الأولى كلاعب ولما يمثّله، في كرة القدم والرياضة الفرنسية".

من جانبه دعا رئيس المجلس الوطني للأخلاقيات بالاتحاد الفرنسي لكرة القدم باتريك أنتون رئيس الاتحاد إلى الاستقالة من منصبه، مشيراً إلى أنه "لا نية لإحالة الأمر إلى لجنة تأديبية، لكن لا يسعنا إلا أن نطلب منه التنحي لما فيه من مصلحة كرة القدم".

وبعد يوم من تلك المطالبة، تحديداً في 11 يناير/كانون الثاني 2023، أزيح لو غريت من منصبه، إذ علّقَت الهيئة التنفيذية الاستثنائية للاتحاد الفرنسي للعبة مهامَّه، وأسندت إلى نائبه فيليب ديالو القيادة مؤقتاً.

ووفقاً للوائح، وحدها الجمعية العمومية الاستثنائية، بدعوة من ربع أعضاء الهيئة التنفيذية، يمكنها التصويت لإقالة الرئيس لو غريت الذي تَسلَّم رئاسة الاتحاد في عام 2011، وتنتهي فترته الحالية العام المقبل.

عنصرية مَقيتة

يقول مسؤول قسم الرياضة بقناة "ليبيا الأحرار" جمال الشيباني، إن "فرنسا لا تعترف بمن هم من أصول غير فرنسية"، مشيراً إلى أن تصريحات لو غريت "جسّدَت المعنى الحقيقي للعنصرية المقيتة".

ويبين الشيباني في حديثه لـTRT عربي، أن "زين الدين زيدان، الجزائري الأصل الذي كان له الفضل في تحقيق فرنسا أول كأس عالم عام 1998، أصبح بلا أهمية، حسب تصريحات رئيس الاتحاد الفرنسي للعبة، مما أثار حفيظة الوسط الرياضي الفرنسي".

ويلفت إلى أن مسيرة زيدان كلاعب حافلة، بإنجازات لا تُحصَى، لافتاً إلى أن الأخير كان موعوداً من لو غريت بقيادة منتخب فرنسا بعد ديشان، "لكن رئيس الاتحاد تراجع، رغم المسيرة التدريبية المظفرة لزيزو، الذي قاد ريال مدريد الإسباني لثلاثة ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا".

ويؤكد أن "العالم كله شهد على موهبة زيدان خارج الملعب في مجال التدريب الرياضي"، مضيفاً أن "هذه الشخصية مثلت فرنسا خير تمثيل وتستحق الإشادة والتقدير".

ويعتقد أن حرمان زيدان تدريب فرنسا "يُعَدّ طبيعيّاً لأن لو غريت يرى ديشان فرنسياً، وزيدان جزائريّاً"، مستشهداً بتغريدة مبابي، المولود لأب كاميروني وأم جزائرية، التي أنصفت زيزو، وطالبت بعدم التنكر لأسطورة تَغنَّى بها يوماً الجمهور الفرنسي.

انكشاف الأقنعة

بدوره يعتقد الإعلامي الرياضي العُماني فاضل المزروعي، أنه ليس مستغرباً على الغرب أن يعترف بعنصريته المقيتة حول العرق واللون، لافتاً إلى أنه ظهرت تصريحات كثيرة من مسؤولين فرنسيين تجاه المهاجرين أو الحاصلين على الجنسية الفرنسية، عرباً كانوا أو أفارقة.

ويلفت المزروعي خلال حديثه لـTRT عربي، إلى أن هؤلاء المسؤولين وآخرهم لو غريت، "يريدون حجب الشمس عن الإنجازات التي يحقّقها المهاجرون ولا يعترفون بها إلا في وقتها، ثم يتناسونها ويسعون لتشويه صورتها الجميلة".

ويرى أن هذه التصرفات "ليست عقدة بقدر ما تندرج في إطار العنصرية الشديدة، لأن الرياضيين من أصول فرنسية لم يبلغوا هذا المجد".

وعن دفاع مبابي عن زيدان، يقول المزروعي إن الأول يُعتبر حاليّاً النجم الرياضي الأول في فرنسا، وأيقونتها المستقبلية، مبيناً أن أي تَحرُّك منه "ذو تأثير كبير للغاية، وهو ما حصل بالفعل".

ويلفت إلى أن تَحرُّك مبابي جاء أيضاً لكونه من المهاجرين، فضلاً عن الانتقادات التي لحقت لاعبي منتخب فرنسا بعد خسارة نهائي مونديال قطر.

ويشدّد على أن مبابي كأي لاعب كرة قدم فرنسي أو حتى من جنسية أخرى "يقدّر نجومية زيدان ويعتبره أيقونة وأسطورة كروية، وربما مثلاً أعلى له، لذلك لن يرضى بمثل هذه التصريحات"، واصفاً موقف نجم باريس سان جيرمان بالمشرف الذي حرك المياه الراكدة وأجبر لو غريت على الاعتذار، ثم الانسحاب.

ويختم تصريحاته بالقول إن "الغرب، ومن ضمنه فرنسا التي تدّعي الديمقراطية، منكر للجميل"، مشيراً إلى أنه "بمجرد إخفاق الرياضيين المهاجرين تنكشف الأقنعة وتفوح رائحة العنصرية، وسيظلون هكذا دائماً".

وزيدان ليس أول من يتعرض للعنصرية بسبب أصوله الجزائرية، إذ كان كريم بنزيما أحد أكثر اللاعبين في المنتخب الفرنسي تَعرُّضاً لها، خصوصاً من وجوه اليمين المتطرف الذين يفضّلون عليه غريمه في نفس المركز، المهاجم أولفييه جيرو. فيما تخلَّف لو غريت دائماً عن دعم بنزيما، والتزم الصمت تجاه ما وقع له.

وفي عام 2011 حاول مسؤولو الاتحاد الفرنسي لكرة القدم تقليص عدد اللاعبين السود وذوي الأصول العربية في صفوف المنتخبات والأندية الفرنسية، لكنّ صحفيّاً ذهب إلى ضاحية بوندي الباريسية ليسأل الصغار عن الخطوة الفرنسية، إذ ظهر آنذاك مبابي، ولم يكن ذاع صيته بعد، وقال إنه "بالنظر إلى التاريخ الفرنسي، انحدر أفضل اللاعبين من السود والعرب باستثناء لاعبين مثل بلاتيني وكانتونا وآخرين".



TRT عربي