تابعنا
قبل بضعة أشهر من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الفرنسية أعلنت أستراليا بشكل مفاجئ انسحابها من العقد المبرم مع فرنسا لتزويدها بـ12 غواصة، لتضعف بذلك من فرص نجاح إيمانويل ماكرون في السباق الانتخابي.

بعد احتفائها بتوقيع "عقد القرن" عام 2016 لتزويد كانبيرا بـ12 غواصة هجومية وصيانتها طيلة 50 عاماً مقابل 56 مليار يورو، تمكنت فرنسا من تأكيد أهمية دورها الاستراتيجي بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، ونجحت في الترويج حينها لموثوقية بنائها البحري والعسكري.

إلا أنه في خطوة صادمة أعلن الرئيس الأسترالي سكوت موريسون الأربعاء 15 سبتمبر/أيلول الجاري نسف الاتفاقية الموقعة مع باريس والاتفاق مع واشنطن وكندا لتزويد بلاده بالغواصات النووية الأمريكية، في إطار الشراكة الأمنية الاستراتيجية الجديدة المعلن عنها التي تجمع بين البلدان الثلاثة تحت اسم اتفاقية "أوكوس".

وإن كان القرار الأسترالي ضربة موجعة لفرنسا، فإنه على المستوى ذاته صفعة كبيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستعد منذ فترة لخوض السباق الانتخابي بسجل مثقل من الهزائم والتحديات، ليضاف إلى ذلك فشله في تمتين الشراكة التاريخية مع أستراليا.

هزة عنيفة لفرنسا وفشل دبلوماسي لماكرون

كثفت فرنسا منذ 2014، أي خلال فترة إدارة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، جولة المفاوضات مع أستراليا، للتوصل إلى إبرام اتفاق عسكري وتجاري يقضي بتزويد الأخيرة بغواصات هجومية تقليدية.

ونجح حينها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بإقناع أستراليا بتوقيع أضخم عقد تسلح تبرمه في التاريخ لتحديث أسطول غواصاتها، متفوقاً بذلك على منافسة كل من مجموعة "تي كي إم إس" الألمانية و"كونسورسيوم" الذي تقوده شركة "ميتسوبيشي هافي آنداستريز" وتدعمه الحكومة اليابانية.

وأبلغ حينها رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول، الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن "الغواصات الـ12 التي ستصنعها فرنسا لصالح بلاده ستكون السفن الأكثر تطوراً في العالم".

ولكن الاتفاق المبرم بين الجانبين شهد العديد من العقبات واعترضته مشكلات خلال فترة تنفيذه على خلاف توقعات الجميع، حتى تسببت ببعض الأحيان في خلافات حادة بين الطرفين انتقدها سياسيون ومسؤولون، معتبرين أن الغيوم تتراكم على "عقد القرن" لفترة طويلة. فيما اعتبر مسؤولون أستراليون عام 2017 أن فرنسا لم تستثمر بما يكفي في المشروع، وأن في ذلك إشارة على عدم إيلاء باريس الأهمية للشراكة الاستراتيجية مع كانبيرا.

وعلى الرغم من أنه لم يُفصَح في أي وقت سابق عن إمكانية انسحاب أستراليا من الاتفاق، حتى إنه عقد قبل أسبوعين من القرار المفاجئ لموريسون اجتماع ثنائي بين وزيرَي الدفاع والخارجية في البلدين أعلن في نهايته عن تعزيز التعاون العسكري بين فرنسا وأستراليا، فإن كانبيرا فاجأت حليفتها بتحول رئيسي وكبير من وجهة نظر تجارية وعسكرية واستراتيجية، وقررت تمزيق الاتفاق واستبدال اتفاق حيازة غواصات الدفع النووي الأمريكية به.

وكانت الضربة قاسية لباريس، فبقدر ما تتسبب فيه من خسارة فادحة تتكبدها شركة NAVAL GROUP المنتجة وقطاع الصناعات العسكرية، فإنها تعتبر كذلك وفق رأي الفرنسيين استخفافاً وإهانة لفرنسا، بل وإذلالاً لها، كما جاء على لسان عدة سياسيين وناشطين.

ويحمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسؤولية الأولى في ذلك، حسب رأي خبراء ومحللين.

فإن كان "عقد القرن" مكسباً ونجاحاً لفرنسوا هولاند فإنه اليوم خسارة وانتكاسة لإيمانويل ماكرون الذي لم يتمكن من تمتين الاتفاقية وضمان نجاحها واستمرارها. وبينما كانت باريس تعول على الحفاظ على وجودها البحري في المنطقة، وعبرت عن ذلك من خلال بيعها للغواصات الهجومية لماليزيا عام 2002، فإن دورها الاستراتيجي في المنطقة بدأ يتراجع وبدأت تفقد أهم أسواقها العالمية.

وعلاوة على ذلك يرى الفرنسيون الذين طالما تغنوا بعظمة فرنسا على مذهب ديغول، أن انسحاب أستراليا من الاتفاق يعتبر علامة واضحة على أن فرنسا فقدت احترام حلفائها لها، وفي ذلك إدانة كبيرة لماكرون بسبب ضعفه الدبلوماسي.

وفي هذا السياق قال السناتور إل آر فاليري بوير: "يا له من سجل كارثي لماكرون فيما يتعلق بالاستقلال الوطني".

المعارضة تهاجم ماكرون

تتالت ردود الفعل السياسية الفرنسية التي تدين قرار أستراليا الأحادي والمفاجئ، وتحمّل إدارة ماكرون المسؤولية في ذلك وتتوقع من الحكومة الفرنسية "تقديم تفسيرات سريعة" عن الفشل العسكري والتجاري والدبلوماسي الخطير، وذلك وفق تصريحات سياسيين وناشطين.

وبدأت المعارضة تطرح أسئلة ملحة عن حقيقة الاستراتيجية التي رسمتها فرنسا في المحيطين الهندي والهادي، منطقة التوتر بين الصين والولايات المتحدة، والتي يبدو أنها ربما قد تبعد عنها تدريجياً إن واصلت في مساراتها الحالية.

ويتوقع أن تعقد جلسة مساءلة للحكومة يوم 21 سبتمبر/أيلول الجاري للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتسليط الضوء على هذا الفشل الثلاثي التجاري والعسكري والدبلوماسي، والتحقق مما إذا كانت مراقبة العقد أثناء تنفيذه كافية.

وفي السياق ذاته كتبت مارين لوبان في تغريدة على حسابها على تويتر: "كارثة ثلاثية اقتصادية وعسكرية وسياسية. إذلال علني لفرنسا واعتداء بالغ الخطورة على صورتها باعتبارها قوة صناعية.. نطالب بتشكيل لجنة تحقيق في هذه القضية".

ومن جانبه اعتبر النائب البرلماني اليميني ألب ماريتيمس أن إلغاء العقد هو علامة على فقدان النفوذ الفرنسي في ظل رئاسة إيمانويل ماكرون. فيما اعتبرت فاليري بيكريس أن ذلك دليل على "الازدراء الدبلوماسي". ووجهت في الأثناء بعض النداءات والمطالبات إلى الحكومة الفرنسية للتفكير في مغادرة الناتو.

وتدرس في الأثناء الجهات الرسمية الفرنسية تداعيات ذلك اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، معبرة عن استيائها واحتجاجها على قرار حلفائها الذي سدد إليها ضربة موجعة أشبه بطعنة في الظهر، على حد تعبير وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان.

TRT عربي