مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد في زيارة إلى طهران (Vahid Salemi/AP)
تابعنا

على وقع ما تشهده المنطقة من تغيرات وتحديات عديدة قررت الإمارات وإيران خفض حدة التوتر بينهما وترميم العلاقات المتصدعة منذ سنوات على خلفية عدة ملفات إقليمية ودولية شائكة.

وفجر بذلك الخبر جدلاً واسعاً، على الرغم من أنه لم يكن بالمفاجئ كثيراً، بخاصة بعد الاتصالات واللقاءات التي جمعت الطرفين، وبوادر التقارب التي أشارت إليها العديد من التقارير الإعلامية وكانت ترجح باتجاه البلدين نحو الاتفاق والتفاهم، وقد عززت تلك التقديرات المصالح الاقتصادية المشتركة التي تجمع بين الإمارات وطهران وتحتم بدورها تغليب المصلحة على الخلاف السياسي.

وبينما كانت تحاك هذه التفاهمات التي توجتها مؤخراً زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد باعتبارها أول زيارة لوفد إماراتي رفيع المستوى لإيران منذ عام 2016، أكد خبراء ومحللون أن ذلك كان في غفلة من أعين الرياض التي لم تتمكن إلى اليوم من التوصل إلى تهدئة أو اتفاق مع إيران، وتشهد في الوقت ذاته زعزعة في العلاقات بينها وبين الإمارات. مما أثار العديد من علامات الاستفهام عن موقفها اليوم إزاء تطورات العلاقات بين طهران وأبو ظبي.

ما وراء التقارب الإماراتي- الإيراني؟

لم تكن الخلافات المحتدمة طيلة عقود بين الإمارات وإيران توحي بانفراجة قريبة بالعلاقات بين البلدين. فجذور الصراع تعود أساساً إلى تاريخ إعلان إيران سيطرتها على الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عام 1972، التي تزعم الإمارات أنها جزء لا ينفصل من أراضيها.

ورسم هذا الخلاف منذ ذلك الحين شكل العلاقة التي تربط البلدين حتى ساهمت بعد ذلك عدة ملفات إقليمية في تغذية الصراع، كدخول الإمارات التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمحاربة جماعة الحوثي باليمن المدعومة من إيران، لتشهد بذلك العلاقات مزيداً من التصدع والتوتر الشديد.

ولكن حدة الخلاف بدأت تنخفض فجأة منذ عام 2019 حين قرر البلدان فتح قناة للحوار والعمل على تعزيز التعاون والشراكة بينهما. وأكد حينها خبراء ومحللون أن العلاقة بين البلدين لم تصل إلى القطيعة أبداً على الرغم من كل الصراعات المعلنة بينهما. إذ كانت تربطهما علاقات اقتصادية متينة لا يمكن تجاهلها لصالح الخلاف السياسي.

وفي هذا السياق أظهرت الإحصائيات والتقارير الرسمية أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 قدرت بنحو 11 مليار دولار، من بينها 6 مليارات دولار صادرات إيرانية إلى الإمارات. وتحتل بذلك إيران المرتبة الرابعة في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، فيما تعتبر الأخيرة الشريك التجاري العربي الأول لإيران.

كما أكدت مصادر إحصائية رسمية أن رجال الأعمال الإيرانيين يملكون رأس مال يقترب من حدود 300 مليار دولار في الإمارات، لتتراوح بذلك ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات ما بين 20% و30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات.

وإلى جانب العامل الاقتصادي الذي يحتل أهمية كبرى في ترميم العلاقات، لفت خبراء ومحللون إلى أنه لا يمكن التغافل عن أنه في ظل الانسحاب الأمريكي مؤخراً من المنطقة تولدت حالة من الفراغ السياسي الذي لا يمكن سدها إلا بالتفاهم بين دول المنطقة أو التنافس والتصادم فيما بينها.

ولذلك ومع تمدد رقعة النفوذ الإيراني ارتأت الإمارات في مقدمة بلدان الخليج فتح "صفحة جديدة" بالعلاقات مع إيران.

هل تدعم السعودية التقارب الإماراتي-الإيراني؟

على الرغم من تأكيد الإمارات في وقت سابق أن المحادثات التي تجري بينها وبين إيران تحدث بعلم بقية بلدان التعاون الخليجي وفي مقدمتهم السعودية، فإن الكثير من الأصوات رجحت في المقابل أن الرياض لن تكون حتماً من الراضين أو المباركين لما وصف بـ"قفزة الإمارات المفاجئة باتجاه الساحل الإيراني وتوجهها عن طيب خاطر إلى 'عدوة السعودية اللدودة' إيران".

وقد أثارت في السياق ذاته زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران استكمالاً لمحادثات التعاون والشراكة الأخيرة بين البلدين، انقساماً في الرأي العام وجدلاً حاداً، اعتبر المسار الجديد في علاقات أبو ظبي وطهران "خيانة إماراتية للسعودية".

واعتبر آخرون "أن الإمارات تدفع بالسعودية إلى العداء والخصومة مع إيران، وفي الوقت نفسه ترسل طحنون بن زايد إلى طهران لتقوية العلاقات بين إيران والإمارات".

فيما ذهبت بعض الآراء إلى اعتقاد أن "الإمارات تسير في طريق صحيح"، وأن "التحالف السعودي-الإماراتي لا يمكن النيل منه بادعاءات ومزاعم حول اجتماع إماراتي-إيراني روتيني".

ويبدو أن المواقف المنتقدة للتقارب الإماراتي-الإيراني في ظل ما سمته "غفوة أو غفلة من الرياض"، قد تدعمت انطلاقاً من انسحاب الإمارات من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، والخلافات الأخيرة التي شابت علاقة البلدين، إضافة إلى استمرار اشتعال فتيل الأزمة بين الرياض وطهران بسبب الحرب الدائرة في اليمن.

وربما قد تشهد الفترة القادمة وفق ما عبر عنه خبراء ومحللون تغييراً في مسار العلاقات بين هذه البلدان التي باتت على يقين أن الحرب والصراع لا يخدم الاستقرار في المنطقة وأن "المواجهة ليست السبيل الأمثل للمضي قدماً".

TRT عربي