الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلتقي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان (Bandar Aljaloud/Saudi Royal Palace/AP/dpa/DPA)
تابعنا

بدأ الجمعة الماضية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة من ثلاث أيام بالخليج، والتي حملته إلى كلّ من قطر والإمارات والمملكة السعودية. على أجندة الرئيس كانت صفقات السلاح إلى الإمارات ولقاء الأمير السعودي محمد بن سلمان أبرز ما حملته اللقاءات. كما الأزمة اللبنانية التي نصَّب ماكرون نفسه مرافعاً عنها حظيت هي الأخرى بقدر كبير من التباحث بينه وبين أمراء الدول العربية.

على المستوى الداخلي، يقول محللون، إن المحرّك الأول لزيارة ماكرون تلك هو تحقيق اختراق سياسي واقتصادي مع دول تُعدّ غنية بمواردها الاقتصادية والنفطية، وسط الأزمة التي تعرفها بلاده جراء الجائحة الوبائية، وعينه على الانتخابات الرئاسية التي يعتزم دخولها بملف مترع بـ"نجاحات آخر لحظة".

غير أن الرأي العام الفرنسي، وفي مُجمله لم يكن راضياً عن تلك الزيارة. هذا ما عبّرت عنه الصحافة، مسلّطة موجة انتقادات نحو الإليزيه، متهمة إياه بالسعي إلى فكّ العزلة الدبلوماسية عن الأمير السعودي المتّهم بضلوعه في مقتل الصحفي جمال خاشقجي سنة 2018، كما تسليح قوات مشاركة في الكارثة الإنسانية باليمن.

صفقات ولقاءات مثيرة للجدل

افتتح ماكرون جولته الخليجية من دبي، حيث استقبله ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، بإحدى ردهات معرض "إكسبو 2020"، في لقاء تضمّن توقيع أضخم اتفاقية بيع طائرات رافال إلى البلد العربي. حيث تضمّنت الصفقة شراء الإمارات 80 طائرة رافال من إنتاج شركة داسو الفرنسية للطيران، بقيمة 17 مليار يورو تقريباً.

واعتبر الإليزيه توقيع الاتفاقية بأنه "إنجاز كبير للشراكة الاستراتيجية بين البلدين" الحليفين. وأوضحت وكالة الأنباء الفرنسي أن صفقة الرافال ستحلّ مكان 60 طائرة "ميراج 2000" حصلت عليها الإمارات في نهاية التسعينات. هذا وتُعدّ أبو ظبي خامس أكبر زبون لصناعات السلاح الفرنسية بطلبات شراء سابقة بلغت 4.7 مليار يورو.

وإضافة إلى مقاتلات "رافال"، أفادت شركة "إيرباص" في بيان أن اتفاقية وُقّعت لبيع 12 مروحية عسكرية من طراز "كاراكال" إلى الإمارات. كما أبرمت السبت في جدة عقداً لبيع 26 مروحية، 20 منها من طراز "H145" و6 من طراز "H160"، لشركة الطائرات المروحية السعودية. فيما لم تكشف قيمة الصفقة.

وعدا صفقات السلاح، كان لقاء ماكرون بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الأكثر إثارة للجدل. حيث اعتبرت الصحافة الفرنسية هذه الخطوة فكاً للعزلة الدبلوماسية على الأمير السعودي منذ اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي سنة 2018.

ودفعاً لحرج ذلك اللقاء، رفض ماكرون خلال حديثه للصحفيين في دبي اتهامه بأنه يُضفي الشرعية على ولي العهد، مؤكداً أن الأزمات المتعددة التي تواجهها المنطقة لا يمكن معالجتها بتجاهل المملكة. وأضاف الرئيس الفرنسي قائلاً: "يمكننا أن نقرر بعد قضية خاشقجي أننا ليست لدينا سياسة في المنطقة، وهو خيار يمكن للبعض أن يدافع عنه، لكنني أعتقد أن فرنسا لها دور مهم في المنطقة. لا يعني ذلك أننا متواطئون أو أننا ننسى".

داخلياً حاول ماكرون الترويج لجولته الخليجية على أنها فتح اقتصادي ودبلوماسي لفرنسا، ونجاح له ولحكومته يأتي قُبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2022. هكذا وصف زياراته تلك بأنها "جيدة لفرنسا" وتخلق "عدد كبيراً من فرص الشغل" في وقت تصارع فيه البلاد للخروج من أزمتها عقب الجائحة الوبائية التي عطلت الاقتصاد.

الصحافة غاضبة من ماكرون

مع كلّ محاولات ماكرون الدفاع عن خياراته تلك، لم يهضم الرأي العام الفرنسي هذه المحسنات السياسية البادرة من رئيسه. هكذا انهالت الصحافة، لسان حال هذا الشعب، بموجة انتقادات على الرئيس.

وعنونت يومية "لوموند" ملفها حول الجولة بأنها "لقاء مع حلفائه المُحرجين. ونشرت مقابلة استضافت فيها أغييس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، التي أعربت عن أسفها للقاء ماكرون ببن سلمان". وقالت: "سواء أكان هذا هو الهدف أم لا، تساهم (هذه الزيارة) في سياسة إعادة تأهيل الأمير السعودي"، مضيفة أن "ما يؤلمني هو أن فرنسا، بلد حقوق الإنسان، هي أداة هذه السياسة".

من جانبه انتقد المحلل السياسي والكاتب الصحفي، بيير هاسكي، في مقاله على إذاعة "فرانس أنترن"، قائلاً: "أصبحنا في عالم حيث تُقطع جثَّة صحفي بالمنشار ونحافظ في نفس الوقت على مكانتنا كمسؤولين يمكن الحوار معهم" في إشارة إلى جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول.

وانتقد موقع "ميديابارت" لقاء ماكرون بولي العهد السعودي الذي "تتفادى قيادات الغرب التعامل معه، إلى حين أتى ماكرون كي يفك العزلة عنه ويبيع مقاتلات رافال لنظيره الإماراتي". وأورد الموقع في مقاله أن "ماكرون ما فتئ يثبت أنه رجل الخيارات التي لا تناقض فقط المنطق السياسي، بل التي يعتبرها هذا المنطق مخجلة".

TRT عربي