30% من محطات الوقود الفرنسية شهدت اضطراباً في التزود منذ بداية الأسبوع المنصرم . (Reuters)
تابعنا

طوابير بلغ طولها مئات الأمتار، تقف منتظرة فرجاً قد يأتي مع حلول دورها في التزود بالوقود، أو أن تتحطم آمالها إذا أعلن موظف المحطة نفاذ مخزونه. تلك المشاهد التي طبعت نهاية الأسبوع المنصرم بفرنسا، التي تعيش على وقع أزمة وقود غير مسبوقة، تسببت فيها الإضرابات الواسعة لعمال قطاع تكرير البترول بشركة "توتال إنيرجي".

بالمقابل يرى مراقبون أن الإضرابات الأخيرة ليست إلا القشة التي كسرت ظهر البعير فيما يتعلق قطاع الطاقة الفرنسي، المترنح أساساً تحت وقع أزمة الغاز الأوروبية، نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، فيما يرجح أن تكون هذه الإضرابات بداية اضطرابات اجتماعية واسعة، قد تطبع شتاء فرنسا القادم.

لا وقود!

بدأت الإضرابات العمالية في قطاع تكرير البترول الفرنسي بمحطات شركة "توتال إنيرجي"، لتتسع رقعتها إلى شركة إكسون موبايل، وتتسبب في أزمة وقود غير مسبوقة بالبلاد نهاية الأسبوع المنصرم. ويطالب العمال المضربون المنضوون تحت نقابة "الاتحاد العام للشغل الفرنسي"، بزيادة أجورهم وتحسين ظروف العمل.

وشهدت عدة مدن فرنسية يومي السبت والأحد اصطفاف طوابير طويلة من السيارات أمام محطات التزود بالوقود. فيما أغلق عدد من هذه المحطات الأبواب، لنفاذ مخزوناتها من المادة، ما أثار سخطاً كبيراً في أوساط الفرنسيين.

وحسب وسائل إعلام فرنسية، فإن 30% من محطات الوقود الفرنسية شهدت منذ بداية الأسبوع المنصرم اضطراباً في التزود، و1300 منها تعرف نفاذ نوع واحد منه على الأقل. وزاد حدة هذا العجز في كميات الوقود المعروضة، الإقبال الكبير على التزود به، مع انتشار أخبار انقطاع قد يحصل فيها جراء الإضرابات.

بالمقابل، سعت الحكومة الفرنسية لتهدئة ذلك الإقبال، كما نفذت إجراءات لتقليل تبعات الإضراب الجاري، من ضمنها السماح لشاحنات تزويد الوقود بالعمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، إضافة إلى "الإفراج عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد" حسبما ذكر وزير الانتقال الطاقي الفرنسي كريستوف بيشو.

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عموم الشعب إلى الهدوء والتحلي بروح المسؤولية إزاء الوضع الحاصل. وقال في ندوة له يوم الجمعة: "أتفهم القلق الذي ينتاب عديداً من مواطنينا بخصوص نقص الوقود. أريد من هنا أن أبعث رسالة أدعو فيها إلى الحفاظ على الهدوء والتحلي بالمسؤولية. كل المطالب المتعلقة بالأجور مشروعة لكن لا ينبغي أن تمنع الآخرين العيش أو التنقل".

وقالت توتال إنيرجي في بيان الأحد إنها على استعداد لبدء مفاوضات مع العمال المضربين خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدلًا من الموعد الذي حددته مسبقاً في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

ما هي إلا البداية؟

وتستمر إضرابات عمال شركات النفط ليومها الثالث عشر، فيما ليست الوحيدة التي تشغل الشارع الفرنسي، الذي يعرف احتقاناً كبيراً مع تفاقم تبعات أزمة الطاقة التي تعرفها البلاد، وعزم حكومة ماكرون العودة إلى طرح إصلاح لنظام التقاعد ترفض بشكل قاطع النقابات العمالية.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، شهدت البلاد مظاهرات عمالية واسعة، طالبت فيها برفع الأجور والتنازل عن مشروع إصلاح نظام التقاعد، متوعدة بشتاء احتجاجي ساخن في فرنسا، ما لم تستجب الحكومة لهذه المطالب، التي تزيد إلحاحاً في وقت يرزح فيه نطاق واسع من الطبقات الشعبية تحت ثقل ارتفاع مستويات التضخم.

وحسب "المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية" الفرنسي، فإن البلاد عرفت شهر سبتمبر نسبة 5.6% من التضخم. والتي تنعكس اطّراداً على فواتير الغذاء بارتفاع قدره 9.9% خلال شهر واحد، وبالنسبة للمواد الغذائية بـ11%. ويشتكي عدد من الفرنسيين من أن فواتير الكهرباء تضاعفت خلال السنة الجارية بـ700% عن نظيراتها خلال السنوات الماضية.

ويكشف استطلاع رأي لمعهد "أودوكسا" الفرنسي المستقل للدراسات، أن 55% من المستطلعين يرفضون رفع سن التقاعد، و67% قالوا إنهم مستعدون لدعم المظاهرات المناهضة له. وفي سبر آخر، لمعهد "أيلاب" هذه المرة، قال إن 70% من الفرنسيين يرفضون مشروع الإصلاح الذي يقدمه ماكرون.

فيما قد يؤدي إصرار الحكومة الفرنسية، الفاقدة للأغلبية البرلمانية، على تطبيق مشروع الإصلاح إلى أزمة سياسية. إذ يرجح مراقبون لجوء الرئيس إلى آلية المادة الدستورية "3-49" للمرة الثانية، والتي تخوله إقرار المشروع دون تمريره من البرلمان. بالمقابل يمكن للمعارضة اليسارية واليمينية المتطرفة، إذا توافقت حول الأمر، أن تسحب الثقة من حكومة بورن.

TRT عربي