تابعنا
قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الأسبق مايكل لينك، إنّ "حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين".

مع اقتراب عام 2023 من نهايته تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مسجّلةً سلسلةً من جرائم الحرب وأرقاماً غير مسبوقة على الأصعدة كافة.

وبهذه الحرب تضيف إسرائيل إلى سجلها الدموي المزيد من جرائم الحرب والإبادة الجماعية من خلال استهداف المدنيين الفلسطينيين لقتلهم ودفع من تبقى منهم إلى الرحيل.

وخلّفت الحرب منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 21 ألفاً و110 فلسطينيين، بينهم 8 آلاف و800 طفل، و6 آلاف و300 سيدة، فضلاً عن الدمار الهائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

فيما أكدت منظمات أممية أنّ الحرب على غزة، تحت وطأة الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، أدّت إلى زجّ السكان في دوّامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر متعدد الأبعاد، وبالتالي إلى كارثة إنسانية على المستويات كافة.

وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الأسبق مايكل لينك، إنّ "حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين".

فيما يواجه السكان المدنيون، خصوصاً الأطفال، أنواعاً مختلفة من الاستهدافات والانتهاكات، وقالت وكالة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إنّ "قطاع غزة أصبح أخطر مكان في العالم على الأطفال"، في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي عليه.

وأشارت المنظمة إلى أنّ نحو 1000 طفل حتى الآن بُترت أطرافهم دون تخدير خلال العدوان على قطاع غزة، وأكّدت أنّ أكثر من 80% من الأطفال في قطاع غزة "يعانون فقراً غذائياً حادّاً"، وتشير تقديراتها إلى أنّه في الأسابيع المقبلة سوف يعاني ما لا يقل عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة، سوء التغذية الذي "سيهدّد حياتهم".

قطاع غزة أخطر مكان في العالم للنساء

وقالت منظمة أكشن إيد الدولية في تقرير نشرته في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إنّ النساء والفتيات في غزة يعانين مستويات غير مسبوقة من العنف خلال التصعيد العسكري الإسرائيلي على القطاع، ما يجعل هذه البقعة المحاصَرة واحدة من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للمرأة في الوقت الحالي.

وأوضحت أنّ الأرقام ترسم صورة "صارخة ومروّعة، في الوقت الذي تُقتل اثنتان من الأمهات كل ساعة في غزة وسبع نساء كل ساعتين، إذ قُتل نحو 5000 امرأة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شكّل النساء والأطفال نحو 70% من إجمالي عدد الضحايا".

عام 2023 الأكثر دموية

وتصف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عام 2023 بأنّه "الأكثر دموية" في الضفة الغربية، منذ بدء الأمم المتحدة تسجيل وتوثيق عدد ضحايا ممارسات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة، في عام 2005.

جاء ذلك في تقرير يكشف عن الأوضاع الإنسانية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، مع مرور أكثر من شهرين على اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، وتصاعُد حدّة المداهمات والاعتقالات التي تنفّذها القوات الإسرائيلية في الضفة.

وأضافت: "وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، قُتل 271 فلسطيناً على يد قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، بينهم 69 طفلاً، بالإضافة إلى 8 فلسطينيين قُتلوا على يد المستوطنين الإسرائيليين".

وتشنّ إسرائيل حرباً على الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، لِقمعهم وإسكات أيّ شكلٍ من أشكال التعبير عن الهويّة الفلسطينية الجماعية، ولِجعل الأراضي الفلسطينية المحتلّة غير صالحة لعيش الفلسطينيين.

القدس: حصار غير مسبوق وتضييق بهدف الترحيل

ويرى الباحث والمختص في شؤون القدس، فخري أبو دياب، أنّ 2023 يعد أحد أسوأ الأعوام التي مرّت على القدس المحتلة منذ احتلالها.

ويقول في حديثه لـTRT عربي: "أنا مولود في القدس وعمري الآن 62 عاماً، وأعمل باحثاً ميدانياً منذ سنوات طويلة، لكنني لم أشاهد المدينة هكذا من قبل، خصوصاً في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، الأكثر تطرّفاً التي وضعت تهويد القدس على رأس أجندتها".

ويضيف أنّ "القدس تشهد حصاراً مطبقاً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ينعكس على مناحي الحياة كافة في المدينة المحتلة فيما تحوّلت البلدة القديمة إلى مدينة أشباح مطوّقة بالحواجز وعناصر الشرطة في كل مكان، ولا يُسمح للمقدسيين الذين لا يسكنون البلدة بدخولها".

وأما المسجد الأقصى المبارك فهو في "عين العاصفة" -وفقاً لدياب- إذ تواصل السلطات الإسرائيلية إفراغ باحاته من المصلين، مؤكداً أنّ أعمال الحفريات وإقامة الأنفاق في محيطه زادت بشكل كبير منذ أكتوبر/تشرين أول الماضي بهدف تهويده، فيما جرى تسليم 32 عائلة مقدسية قرب منطقة باب المغاربة إخطارات بمصادرة أراضٍ لصالح مشاريع استيطانية تشمل إقامة "تلفريك".

ويشير أبو دياب إلى أنّ السلطات الإسرائيلية نفّذت 265 أمر هدم لمنازل في القدس، كما اضطرّ أهل المدينة لدفع ما مجموعه 52 مليون شيكل (14.4 مليون دولار) تحت بند "مخالفات بناء" حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويؤكّد أبو دياب أنّ هذه السياسات تهدف إلى تفريغ المدينة من أهلها لإحداث خلل في التوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين ضمن خطة "استعادة المدينة" بمعنى تهويدها بالكامل.

جرائم مروّعة بحق الأسرى الفلسطينيين

وأصدرت مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة - القدس) ورقة خاصّة عن مجمل الجرائم والانتهاكات التي نفّذها الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتسلّط الورقة الضوء على حملات الاعتقال المستمرة في الضّفة بما فيها القدس وما يرافقها من جرائم مروعة، وكذلك واقع الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وما يتعرضون له من جرائم وعمليات تعذيب وتنكيل ممنهجة، وإجراءات انتقامية طالت جميع تفاصيل حياتهم بما يشمل سياسة التجويع ومنع زيارة المحامي.

وبلغت حصيلة حملات الاعتقال في مناطق الضفّة الغربية والداخل الفلسطيني أكثر من 4540 أعلاها في محافظة الخليل.

وتوقفت الورقة عند جريمة الاعتقال الإداريّ، التي شكّلت الفارق الأكبر في أعداد الأسرى داخل السّجون، إذ بلغ عددهم أكثر من 2870 أسيراً إداريّاً، في نسبةٍ هي الأعلى منذ الانتفاضة عام 1987.

ونوّهت الورقة إلى استشهاد ستة أسرى في سجون الإسرائيلية، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعض المعطيات التي تتعلق بقضية استشهاد المعتقل عبد الرحمن مرعي، وثائر أبو عصب، وما رافق قضية استشهادهما من شهادات ودلائل على تعرضهما للتعذيب والتنكيل.

"غوانتانامو جديد".. إخفاء قسري وإعدامات وتحرّش

من جهته طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للكشف عن مصير عشرات النساء اللواتي اعتُقلن من منازلهن ومن مراكز اللجوء، وإنهاء حالة الإخفاء القسري التي تطول قرابة 3 آلاف من المعتقلين/ات الفلسطينيين من قطاع غزة، ضمنهم أطفال قاصرون.

ووفق المرصد، فإنّ الجيش الإسرائيلي يواصل اعتقال العشرات من الإناث بمن فيهن مسنّات إحداهن تجاوز عمرها 80 عاماً، وأمهات مع أطفالهن الرضع، وطفلات قاصرات، جميعهن يخضعن لظروف اعتقال ومعاملة "حاطّة بالكرامة"، إضافةً إلى إجبارهن على خلع الحجاب (غطاء الرأس) والتحرّش ببعضهن.

كما دعا المرصد إلى تحقيق دولي محايد وعاجل في تصفية الجيش الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين بعد اعتقالهم من مناطق متفرقة من قطاع غزة.

وأشار المرصد إلى تطابق شهادات جمعها مع ما كشفت عنه صحيفة هآرتس العبرية بشأن جرائم إعدام ميداني نُفذت بحق معتقلين، فيما قضى آخرون جراء التعذيب الشديد وسوء المعاملة خلال احتجازهم في معسكر للجيش يُعرف باسم "سديه تيمان"، يقع بين مدينتي بئر السبع وغزة جنوباً، الذي تَحوّل إلى سجن "غوانتانامو" جديد يُحتجَز فيه المعتقلون في ظروف قاسية جداً، داخل أماكن أشبه بأقفاص الدجاج في العراء ودون طعام أو شراب لفترة طويلة من الوقت، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

الترحيل القسري: تهجير التجمعات الفلسطينية البدوية

من جهتها وثّقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عمليات الترحيل القسري التي سبّبتها إجراءات الاحتلال المباشرة، ومن خلال إرهاب ميليشيات المستوطنين في الضفة الغربية، مستغلّين قوانين الطوارئ والحرب التي تحمي مجرمي المستعمرين من المساءلة والعقاب.

ورصدت الهيئة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، تهجير 9 تجمعات فلسطينية بدوية تتكون من 100 عائلة تشمل 810 أفراد من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى في مناطق القدس ورام الله وبيت لحم والخليل.

استهداف متعمَّد للصحفيين

وارتفع عدد الشهداء الصحفيين في قطاع غزة إلى 103 شهيد منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد ارتقاء الصحفي الفلسطيني محمد يونس الزيتونية، مهندس الصوت في إذاعة الرأي الفلسطينية، والصحفي الفلسطيني محمد عبد الخالق العف، المصوِّر في وكالة الرأي الفلسطينية في محافظة غزة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

ودمَّرت الغارات الإسرائيلية مقرات 63 مؤسسة ومكتباً صحفياً، وعطلت عمل 25 إذاعة محلية واحدة منها في الضفة، وسُجل اعتقال 43 صحفياً منهم 41 في الضفة واثنان في غزة ما زال منهم 30 قيد الاعتقال أغلبهم حُوِّلوا إلى الاعتقال الإداري، وفقاً لنقابة الصحفيين الفلسطينيين.

غوتيريش: لم نشهد مقتل 136 من موظفينا طوال تاريخ الأمم المتحدة

من جهته أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنّ 136 من موظفي الأمم المتحدة في غزة استُشهدوا خلال 75 يوماً من عمر الحرب، مشدّداً على أنّ ذلك "لم تشهده المنظمة في تاريخها".

وكتب غوتيريش في صفحته على منصة إكس: "قُتل 136 من زملائنا في غزة خلال 75 يوماً، وهو أمر لم نشهده من قبل في تاريخ الأمم المتحدة".

"عام الكارثة والبطولة"

ويقول المدير العام للمركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدّراسات الاستراتيجيّة (مسارات) هاني المصري، إنّ 2023 يعد عام إحياء القضية الفلسطينية، مضيفاً أنّ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما بعده نقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة عنوانها إمكانية هزيمة إسرائيل.

ويشير المصري في حديثه لـTRT عربي، إلى أنّ 2023 يمكن وصفه بعام "الكارثة والبطولة" أو "التحديات والفرص العظيمة".

ويرى المصري أنّه "على الرغم من الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في هذه الحرب متعددة الجبهات بحق كل الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر وما يرافقها من إبادة جماعية ومشاهد مروعة في إطار سياسة العقاب الجماعي وإعدامات ميدانية واعتقالات غير مسبوقة واستيطان وتهجير، إلّا أنّ ما يجري الآن نقل القضية من حال إلى حال، وتمكنت غزّة من تحقيق إنجازات أشبه بالمعجزة، وأكدّت أنّ النهج السياسي الذي كان سائداً على مدار سنوات طويلة انتهى، وأنّ المفاوضات لا يمكن أن تحقق شيئاً دون قوّة على الأرض".

ويعتقد المصري أنّ "العيدية" التي يمكن أن تمنحها الفصائل للشعب الفلسطيني على أعتاب العام الجديد هي تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام لاستثمار منجزات المقاومة على الأرض.

TRT عربي
الأكثر تداولاً