قائد القوات الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم" يزور الجزائر وليبيا وتونس  (Onayli Kisi/Kurum/AA)
تابعنا

على وقع التطورات المهمة الحاصلة في شمال إفريقيا، نزل قائد القوات الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم" ستيفان تونساند، ضيفاً ثقيلاً على ثلاث دول في هذه المنطقة ليلتقي قادتهم السياسية والعسكرية في وقت قياسي، كدلالة على أهمية توقيت هذه الزيارة.

تأتي هذه الجولة المكثفة من قائد "أفريكوم"، في سياق تصعيدي تعيشه الضفة الجنوبية لدول شمال إفريقيا، أو ما يعرف بدول الساحل الإفريقي، إذ تشهد تشاد توترات كبيرة منذ اغتيال رئيسها خلال معارك، فيما تعيش مالي على وقع انقلاب عسكري ومعارك كبيرة ضد المتطرفين، ولكن يبقى المعطى الأهم من هذا هو بداية الحديث عن إمكانية استعانة مالي بمرتزقة فاغنر الروسية ضمن اتفاق عسكري.

في المقابل، تجد الولايات المتحدة نفسها، إلى جانب حلفائها التقليديين، في مواجهة شبيهة بالحرب الباردة مع تزايد النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا، وهو ما يفسر توجه بعض الدول إليهما، فيما أصبحت واشنطن تعطي أولوية كبرى لهذه القارة ومناطق النفوذ فيها، وعلى رأسها مشاريع النفوذ العسكرية الصينية.

زيارة خاطفة

من الجزائر، بدأ ستيفان تونساند جولته إلى شمال إفريقيا، حيث بحث مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سبل دعم قدرات دول منطقة الساحل الإفريقي في مكافحة الإرهاب، إذ تعد هذه المرة الثانية التي يزور فيها الجزائر خلال عام بعد زيارته الأولى في سبتمبر/أيلول 2020.
وحسب بيان الرئاسة الجزائرية، الذي نقله التلفزيون الرسمي للبلاد، تناولت مباحثات تبون وتونساند "فرص دفع علاقات التعاون في مختلف المجالات ذات الصلة بنشاط القيادة الأمريكية في إفريقيا".
وأوضح أنه جرى "استعراض مستجدات الأوضاع في المنطقة بخاصة الجانب الأمني في الساحل الإفريقي، وسبل تعزيز قدرات دول المنطقة لا سيما المتعلقة بمكافحة الإرهاب"، وقبل أيام، أعلنت الجزائر أن تبون راسل رئاسة الاتحاد الإفريقي لتحذيرها من تنامي النشاط الإرهابي في القارة السمراء.
ونشرت السفارة الأمريكية بالجزائر تصريحات لقائد "أفريكوم" لدى وصوله الجزائر صبيحة اليوم في زيارة غير محددة المدة، قال فيها إن بلاده "تقدر الدور المهم الذي تلعبه الجزائر في استقرار المنطقة وخارجها وتأمل في مواصلة بناء علاقاتنا القوية".وعقد الوفد الأمريكي لدى وصوله الجزائر جلسة عمل مع قيادات عسكرية جزائرية برئاسة شنقريحة، لبحث التعاون وتبادل التحاليل بشأن الأوضاع في المنطقة، حسب التلفزيون الجزائري.

المحطة الثانية كانت ليبيا، إذ التقى قائد "أفريكوم" برئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، واتفقا على مواصلة التعاون الاستراتيجي المشترك بين طرابلس وواشنطن فيما يخدم استقرار وأمن المنطقة.
ووفق بيان الحكومة الليبية، بحث الدبيبة مع الجانب الأمريكي "تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب بالجنوب الليبي" كما ناقشا ملف إخراج المرتزقة ووجود قوات أجنبية بالجنوب الليبي والجهود المبذولة مع الدول الحدودية حيال هذا الشأن".

ووفق الحكومة الليبية وتقارير دولية، ينتشر في الجنوب الليبي مرتزقة من عدة دول، أبرزها تشاد، استعان بهم المتمرد خليفة حفتر في حربه الأخيرة على طرابلس، والتي مُني فيها بالهزيمة‎.

كما اتفق الدبيبة وتاونسند "على مواصلة التعاون الاستراتيجي المشترك بين دولة ليبيا والولايات المتحدة فيما يخدم استقرار وأمن المنطقة"، حسب بيان الحكومة الليبية.

وعقب المباحثات غادر تاونسند نحو وجهته الأخيرة، وهي تونس، حيث استقبله وفد عسكري رفيع المستوى بالقاعة الشرفية لمطار العوينة العسكري، كما أوضحت وزارة الدفاع التونسية، في بيان لها.
وتمحورت المقابلة حول مزيد من دعم التعاون بين البلدين في ميادين التكوين وتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ودعم القدرات العمليّاتيّة للمؤسسة العسكرية في مجالات العمليّات والتدريب والاستعلام والتمارين المشتركة، إضافة إلى استعراض الوضع الأمني الإقليمي.
كان اللافت في هذه الزيارة الخاطفة للدول الثلاث، والتي تعيش تطورات مهمة في داخلها، لم يجرِ التطرق إليها، بل توجهت جل التصريحات نحو جنوب هذه الدول، وبخاصة دول الساحل الإفريقي وعلى رأسها مالي.

عين على مالي

شكل ضعف الدور الفرنسي في دول الساحل الأفريقي، منطقة نفوذ باريس، نقطة تحول بارزة بخاصة مع الفشل المتواصل لعملية "باراخان" في القضاء على التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي أتاح عدم الاستقرار في هذه المناطق ما أثر مباشرة على أنظمة الحكم هناك.

كان الانقلاب على الرئيس كييتا في مالي، لحظة فارقة بالنسبة للفرنسيين والمعسكر الغربي، بخاصة مع ظهور العديد من التقارير التي تربط بين المجموعة المنقلبة وموسكو، إذ تقول إن مالك دياو وساديو كامارا، وهما عقيدان بالجيش ويشغلان مناصب رفيعة في قاعدة كاتي العسكرية، عادا من روسيا قبل أقل من أسبوع من الانقلاب العسكري، مما يدعو للاعتقاد بأن العقيدين استغلا الوقت الذي أمضياه في العاصمة الروسية للتخطيط للانقلاب، وحشدا لتنفيذ الانقلاب وهما خارج مالي.

أظهر الانقلاب في مالي علاقته بموسكو مع بداية الحديث عن إمكانية اتفاق مرتقب بين الحكومة الحالية ومرتزقة "فاغنر"، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إذ قال إن مالي طلبت من شركة أمنية روسية خاصة مساعدتها في قتال المتمردين، إلا أن "الحكومة الروسية لا دخل لها" وفق تعبيره.

وهو ما يصدق تقرير صحيفة التايمز البريطانية قبل فترة والتي كشفت فيه أن شركة فاغنر الروسية للتعهدات الأمنية سترسل مرتزقتها إلى مالي لحماية الثلة العسكرية الحاكمة هناك، وذكرت الصحيفة آنذاك أن الشركة سيئة السمعة تقترب من توقيع عقد لإرسال 1000 عنصر من قواتها لدعم الحكم العسكري في باماكو.

ونقلت عن مصادر دبلوماسية، أن الشركة ستحصل على 10.8 مليون دولار في الشهر مقابل نشر قواتها، وستكون مهمة هذه القوات تدريب القوات المالية، وتوفير الحماية للمسؤولين البارزين في بلد شهد انقلابَيْن منذ العام الماضي، ويواجه تمرداً في معظم منطقة الساحل.
وسط كل هذه التطورات، التي تهدد الولايات المتحدة وحلفائها، تأتي زيارة قائد أفريكوم للجزائر وتونس وليبيا، فيما يشبه تمتين للعلاقات للعمل من أجل الحول دون تحول مالي حديقة خلفية لروسيا في المنطقة، فيما تدفع واشنطن من أجل إخراج مرتزقة فاغنر من ليبيا بأي ثمن.

أقدام روسيا في إفريقيا

علقت مجلة فورين بوليسي الأمريكية عن احتمالية نشر مقاتلي "فاغنر" في مالي بأنه يتناسب مع استراتيجية موسكو الجديدة التي تعتمد على إرسال المرتزقة الروس لدعم القادة الأفارقة المحاصرين، ما يمنح الكرملين نفوذاً كبيراً في القارة السمراء. وقال مدير الأبحاث في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني، جوزيف سيجل "لدينا خريطة واضحة جداً لكيفية حدوث ذلك". وأشار سيجل إلى أنه جرى إرسال أكثر من 2000 مقاتل من "فاغنر" إلى جمهورية إفريقيا الوسطى منذ عام 2017.

وأضاف الباحث أنه "ظاهرياً، هم مدربون عسكريون غير مسلحين، مما مكّن انتشارهم من الالتفاف على حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2013 على البلاد. لكن الروس سرعان ما اتخذوا مكانة عالية، حيث عملوا كحراس لرئيس إفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا، كما أن فاليري زاخاروف، وهو مسؤول سابق في المخابرات العسكرية الروسية، يعمل مستشاراً للأمن القومي لتواديرا".

وتسعى مجموعة "فاغنر" إلى تعزيز أهداف الكرملين الجيوسياسية، مقابل منحها مكافآت استخراج الموارد الطبيعية المربحة في الدول التي يعملون فيها، حسب فورين بوليسي. وأشارت إلى أنه نمط جرى تنفيذه في سوريا وليبيا والسودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث منحت الشركات التابعة للمجموعة امتيازات تعدين الذهب والألماس في العام 2018.
وقال سيجل للمجلة الأمريكية "أراهن أنهم سيصلون إلى بعض مناجم الذهب واليورانيوم والبوكسيت في مالي"

وأكدت المجلة أن العلاقات الروسية مع الدول الإفريقية تنمو لكنها لا تزال أقل من مستوى علاقات الصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية مع القارة السمراء.
فقد استهدفت موسكو الدول الهشة في القارة في لحظات الاضطراب، في ليبيا، كانت قوات فاغنر بمثابة رأس الرمح، حيث قاتلت إلى جانب المتمرد خليفة حفتر، وفقاً للقيادة الأمريكية في إفريقيا. وفي مدغشقر، شاركت في تدريب القوات المسلحة المحلية، كما جرى إرسال عملاء فاغنر إلى موزمبيق.

منذ عام 2015، وقعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري ثنائية مع أكثر من 20 دولة إفريقية. وخلال هذا الصيف، وقعت صفقات مع أكثر دولتين على مستوى عدد السكان في القارة: إثيوبيا ونيجيريا.
وقال كاميرون هدسون، المدير السابق للشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، إنه إذا تعاقدت الحكومة الانتقالية التي يقودها الجيش في مالي مع مقاتلي فاغنر، فستكون هذه "لحظة فاصلة محتملة". وأضاف "هذه سلطة تقوم بالاختيار بين المرتزقة بقيادة روسيا أو التعاون مع بعض الجيوش الأكثر احتراماً في العالم".

TRT عربي - وكالات