تابعنا
ما إنْ بدأ الاحتلال بالتوغل البري إلى القطاع حتى زاد الترويج لفكرة أن أنفاق حماس محفورة تحت المستشفيات والمدارس، وهي رواية صدقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورددتها وسائل إعلام عالمية.

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حدد الاحتلال المشافي والمراكز الطبية أبرز نقاط للاستهداف.

ورغم أن قصف هذه الأماكن في القوانين الدولية يندرج في إطار جرائم الحرب، فإن الاحتلال ادّعى أن لحركة المقاومة الإسلامية حماس مراكز عمليات قيادة تحت المشافي، وبالأخص في مستشفى الشفاء، أكبر مجمع طبي في القطاع، الذي أصبح ثكنة عسكرية بعد محاصرة جيش الاحتلال له واقتحامه.

وما إنْ بدأ الاحتلال بالتوغل البري إلى القطاع حتى زاد الترويج لفكرة أن أنفاق حماس محفورة تحت المستشفيات والمدارس، وهي رواية صدقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورددتها وسائل إعلام عالمية.

لكنّ مهاجمة المستشفيات واقتحامها والتفتيش فيها، أثبت حجم التضليل والخداع الذي مارسه جيش الاحتلال طوال أيام العدوان على العالم، لتبدأ وسائل إعلام كثيرة بالتشكيك في روايته.

كشف التضليل

لم يكن يتخيل أكثر الفلسطينيين تفاؤلاً أن يأتي الكشف عن تضليل جيش الاحتلال من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" التي عُرفت بانحيازها الدائم للرواية الإسرائيلية.

وقال مذيع القناة روس أتكينز، في تقرير التحقق من المعلومات الخاص بالقناة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، إن "إسرائيل وصفت مستشفى الشفاء بأنه المقر الرئيسي لعمليات حماس، لكن ما نراه في فيديو الجيش الإسرائيلي (الأخير) لا يعكس ذلك".

وأضاف المذيع أن "الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي تزعم أنها تقدم نظام أنفاق حماس تحت المستشفى، ولكن رغم وجودها داخل المجمع (منذ أيام) لم تقدّم إسرائيل بعد أدلة على وجود الأنفاق".

وسُمح لكوادر "بي بي سي" و"فوكس نيوز" بالتصوير في المستشفى، لكن في المواقع التي تختارها إسرائيل فقط، وفق المذيع.

وخلال العدوان على غزة، نشر الجيش صوراً ومقاطع فيديو كثيرة اضطر لحذفها لاحقاً بعدما أثارت سخرية وتكذيباً كبيراً، إذ يلجأ لعمل فتحات ويُظهرها على أنها أنفاق، أو يلقي بأسلحة ومتفجرات في مدارس ومستشفيات وغرف أطفال داخل المنازل.

على سبيل المثال، نشر الجيش مقطع فيديو في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أظهر أسلحة في مبنى الأشعة بمستشفى الشفاء، لكن لوحظ لاحقاً عند وجود المراسلين الصحفيين ازدياد عددها، فيما يشير إلى التلاعب بهذا المشهد.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حاول الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على الرواية العالمية بكم هائل من المعلومات المضللة التي تهدف إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير جرائمه بحقهم في قطاع غزة، كما تقول رهام أبو عيطة، مديرة مرصد "كاشف" للتحقق والتربية الإعلامية.

وتضيف أبو عيطة لـTRT عربي، إن "المستشفيات كانت جزءاً من هذه الحملة، مثلاً بعد محاصرة مستشفى الشفاء واقتحامه وقصف عيادته الخارجية، لم يجد الاحتلال أي دليل على ادعاءاته، فلجأ إلى الفبركة والتضليل، مثلاً باستخدام صور ومقاطع فيديو لأنفاق قديمة أو من خارج فلسطين".

وتلفت إلى أن "الهدف الأساسي من ذلك هو تبرير جرائمه أمام العالم، فهذه الحرب مختلفة تماماً عن سابقاتها من حيث قوة القصف واستهداف المدنيين وتهجيرهم وعدم السماح للمساعدات الإنسانية بدخول غزة، وأيضاً من حيث محاصرة المرافق الطبية والمستشفيات والمدارس وقصفها".

لذلك، تعمَّد الاحتلال تبرير جرائمه بتضليل الرأي العام والادعاء بـ"وجود مسلحين داخل المستشفيات"، كالشفاء والمستشفى الإندونيسي في شمال القطاع وغيرها، حسب تقدير أبو عيطة.

سخرية واسعة

ظهر مراسل قناة "فوكس نيوز" الأمريكية في نفس المواقع التي ظهر فيها متحدث باسم الجيش الإسرائيلي خلال شريط فيديو آخر لمستشفى الشفاء، وقال إنه وجد فيها أسلحة، لكن حساب الجيش حذف الفيديو في وقت لاحق.

وفي تقرير القناة، قال متحدث باسم الجيش إنه عثر على كتيبات عسكرية تابعة لحماس، مثل "تكتيكات العمليات" تحمل شعار كتائب القسام، مضيفاً أن هناك خليطاً من الكتيبات للقادة بشأن كيفية مهاجمة الدبابات، لكنه كان يشير بيده إلى ملخص لأحكام التجويد وأدعية.

وإضافةً إلى ذلك، أشار الجيش مرات عدة إلى وجود تمور في المكان، في دليل من وجهة نظره على أن المقاتلين كانوا في المكان، وهي رواية أثارت سخرية كبيرة.

وفي نهاية التقرير، قال مراسل "فوكس نيوز" إن الجيش الإسرائيلي "لم يُظهر لنا أياً من الأنفاق التي قال إنها موجودة تحت المستشفى، واكتفى بإظهار بنادق آلية في غرفة الرنين المغناطيسي".

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو للمتحدث باسمه دانييل هاغاري وهو ينفذ جولة في مستشفى الرنتيسي، حيث واصل هاغاري لفت الانتباه إلى الأشياء غير المهمة، مع الإشارة إلى أنها دليل على أن المستشفى كان يضم "خلية إرهابية"، أو أن الستائر الموجودة في الغرفة كانت من أجل "تصوير الرهائن".

وفي لحظة، أشار إلى زجاجة الرضاعة الخاصة بالأطفال وقال: "إنها زجاجة أطفال في قبو، فوق لافتة منظمة الصحة العالمية"، ثم أشار إلى قائمة على الحائط قائلاً: "هذا جدول الإرهابيين، يكتب كل منهم اسمه ووقت مناوبته"، لكن ما تحدث عنه لم يكن أكثر من مجرد تقويم يتضمن أيام الأسبوع.

وقبل ذلك، حذف الجيش فيديوهات عدة حاول فيها تجريم حماس بعد نشرها، وذلك عقب تعرضه لسخرية كبيرة، كما دفع بفتاة إسرائيلية تزعم أنها ممرضة فلسطينية داخل مستشفى الشفاء، وتناشد لإنقاذها من الحركة.

حجج سخيفة

وبعد توالي هذه الفضائح، علّقت مجلة "ذا نيشن" (The Nation) الأمريكية بالقول: "الكذب والدعاية تستوطن في الحروب، كما يعد الرأي العام دائماً ساحة معركة أخرى".

ولكن في حالة الحرب الإسرائيلية الجارية في غزة هي اسمياً ضد حماس، لكنها في الواقع مدمِّرة للسكان المدنيين في المنطقة المحاصَرة، فقد اتخذت الدعاية منعطفاً غريباً، حسب وصف المجلة.

وأردفت المجلة الأمريكية: "فهذه الدعاية لا تكاد تبذل أي جهد لإقناع الناس بها، بل تقدم بدلاً من ذلك حججاً سخيفة بأشكال غير قابلة للتصديق".

ورأت أن "الاهتمام بالدعاية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة يشبه مشاهدة خدعة سحرية يمارسها مشعوذ غير كفء، يسمح باستمرار للجمهور برؤية المرايا والأسلاك التي من المفترض أن تخلق أوهاماً بصرية".

ونقلت عن حسين إيبش، وهو باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية، قوله إن "الدعاية الإسرائيلية كانت دائماً سخيفة، ولكن خلال حرب غزة هذه كانت سيئة للغاية بشكل مثير للشفقة، ومن الصعب للغاية استعادة أي مصداقية على الإطلاق لدى عدد كبير من الأشخاص في الولايات المتحدة وأوروبا".

واستدركت المجلة: "يبدو من غير المرجح أن يكون المستشفى المقر الرئيسي لحماس، ويبدو أن هذه السردية عبارة عن خرافة وضرب من الخيال"، مشيرةً إلى أن "الجناح العسكري لحماس ليس جيشاً نظامياً، بل هو قوة تعمل داخل وخارج السكان، وتتحرك بين الناس كما تسبح السمكة في البحر".

بدوره قال إتش.إيه هيلير، وهو زميل مشارك كبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي لـ(NBC news)، إن "المفارقة هي أنهم قد يجدون شيئاً ما ولن يصدقهم أحد، في هذه المرحلة تُطلق النار على مصداقيتهم".

ولفت موقع القناة إلى أن الدعاية والعلاقات العامة الإسرائيلية ركزت على المستشفيات، لكن الجهود المبذولة لإثبات سرديتها أضرّت بإسرائيل في بعض الأحيان.

وفي هذا السياق، تقول مديرة مرصد "كاشف" للتحقق والتربية الإعلامية رهام أبو عيطة، إن "الاحتلال نجح في البداية بتحقيق هدفه والسيطرة على الرواية العالمية، لكن مع مرور الوقت انقلبت هذه الصورة وخرجت مسيرات ضخمة حول العالم داعمة للفلسطينيين".

ويعود الفضل في ذلك -حسب أبو عيطة- إلى الصحفيين والمؤثرين في قطاع غزة، الذين خاطروا بحياتهم لنقل الجرائم المروعة التي ارتكبها الاحتلال إلى العالم، وكذلك إلى مؤسسات التحقق من المعلومات التي أثبتت عدم صدق الاحتلال وتعمده التضليل.

TRT عربي