تابعنا
يشير تقرير مُدين إلى أن فرنسا ساعدت في بناء المؤسسات المسؤولة عن واحدة من أسوأ الفظائع التي شهدها القرن العشرين.

توصّل تقرير استقصائي استغرق إعداده سنوات إلى أنّ حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران كانت على علم بأنّ إبادة جماعية على وشك الحدوث في رواندا لكنّها لم تتخذ الخطوات اللازمة لوقفها.

وشهدت هذه المذبحة إبادة أكثر من 800 ألف شخص، معظمهم مِن أقلية التوتسي والساسة الروانديين المعتدلين، بطرق مروّعة واستمرت لمدة 100 يوم بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران عام 1994.

وهزّ حجم الوحشية والعنف في هذه الإبادة العالمَ وأدّت إلى توتر العلاقات بين باريس وكيغالي، عاصمة رواندا.

وقال التقرير، الذي أعدّه مكتب المحاماة الأمريكي ليفي فايرستون ميوز: "خلصنا إلى أنّ الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة في دعم إبادة جماعية كانت متوقعة".

وجاء تقرير ميوز بتكليف من كيغالي للتحقيق في دور فرنسا في هذه الإبادة الجماعية، التي ارتكبها نظام الهوتو الحاكم والتي كانت تربطه علاقات وثيقة بباريس.

وقد بدأ معدّو التقرير بحثهم عام 2017 وراجعوا آلاف الوثائق ومئات المقابلات لسنوات للخروج بتقريرهم.

ويقولون إنّ السلطات الفرنسية لم تشارك في التحقيق وتُواصل حجب معلومات مهمة، لها أن تساعد في تسليط الضوء على سير الأحداث خلال المذبحة التي استمرت حوالي 100 يوم.

وقفة احتجاجية على ضوء الشموع خلال حفل تأبين عام 2019 لإحياء ذكرى مرور 25 عامًا على الإبادة الجماعية ، في استاد أماهورو في كيغالي ، رواندا (Others)

وخلال هذه الفترة، كان الرجال والنساء والأطفال يُقتلون وتُترك جثثُهم على جانب الطريق فيما يمرّ الجنود الفرنسيون الذين يرافقون الأجانب بهم دون تقديم أي مساعدة.

وأضاف أنّ فرنسا "عرقلت سير العدالة، وأخفت وثائق، وخرجت بروايات كاذبة حول هذه الإبادة الجماعية" طوال السنوات الـ25 الماضية.

وقد بدأت هذه الإبادة الجماعية المروّعة بعد إسقاط الطائرة التي كانت تُقلّ رئيسَ رواندا آنذاك جوفينال هابياريمانا الذي ينتمي للهوتو في 6 أبريل/نيسان عام 1994، فوق العاصمة كيغالي.

ويقول التقرير إنّ فرنسا اعتبرت هابياريمانا حليفاً مقرّباً وساهمت في تسليح نظامه رغم علمها أنه كان يستعد لتنفيذ إبادة جماعية.

ويأتي تقرير ميوز بعد أيام فقط من صدور تقرير لجنة دوكلرت، الذي أقرّته الحكومة الفرنسية برئاسة إيمانويل ماكرون.

وقد أعدّ تقريرَ لجنة دوكلرت مجموعةٌ مِن المؤرخين، وحمّل باريس مسؤولية الامتناع عن فعل ما يكفي لوقف الإبادة الجماعية، لكنّه لم يشر إلى أيّ تواطؤ منها، بل قال إنّ القيادة الفرنسية أعمتها رغبتها في توسيع نفوذ فرنسا في فترة ما بعد الاستعمار في شرق إفريقيا.

ويشير تقرير ميوز إلى أنّ تقرير لجنة دوكلرت "عجز عن التصريح بأنّ الحكومة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة في تمكين ارتكاب إبادة جماعية كانت متوقعة".

وبينما يقول تقرير دوكلرت إنّه لم يعثر على أيّ دليل يشير إلى أنّ فرنسا قدّمت دعماً عسكرياً لنظام الهوتو بعد بدء الإبادة الجماعية، يقول تقرير ميوز إنّ باريس زوّدت الجيش الرواندي في السنوات التي سبقت المذبحة بالأسلحة والتجهيزات.

وقال: "كان الضباط العسكريون الفرنسيون يقدّمون استشارات وتدريبات للجنود الروانديين، فيما كان الجنود الفرنسيون يدعمون دفاع الجيش الرواندي عن كيغالي. وهذا الدعم وفّر للمتطرفين الوقت الكافي للتخطيط للإبادة الجماعية وتنفيذها".

برقية دبلوماسية تكشف أن فرنسا أمرت مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 بالفرار (AA)

ويرفض تقرير ميوز المُدين المزاعم التي خرج بها ميتران، الذي توفي عام 1996، ومسؤولون فرنسيون آخرون، بأنّهم لم يتوقعوا حدوث هذه الإبادة الجماعية.

وجاء في التقرير: "كان المسؤولون الفرنسيون في رواندا يقدّمون تقارير إلى باريس لِما يقرب من أربع سنوات عن مذابح تستهدف التوتسي".

وعوضاً عن أن تسعى الحكومة الفرنسية إلى منع من يرتكبون هذه الفظائع، واصلت اعتبار الجبهة الوطنية الرواندية (RPF) تهديداً أكبر. والجبهة الوطنية الرواندية، التي تحكم رواندا الآن بقيادة زعيمها الرئيس بول كاغامه، كانت القوة الوحيدة التي حاولت التصدي للإبادة الجماعية حينذاك.

ويقول تقرير ميوز إنّه أيضاً لم يجد أيّ دليل يُثبت تورط مسؤولين فرنسيين بشكل مباشر في قتل أفراد التوتسي. لكنّ "الحكومة الفرنسية كانت متواطئة بشكل حيوي في بناء المؤسسات التي أصبحت من أدوات هذه الإبادة الجماعية".

هذا الموضوع مترجم عن شبكة TRT WORLD التركية.

TRT عربي