تتويج اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية كريم بنزيما بالكرة الذهبية.  (Reuters)
تابعنا

جابت صورة اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية، كريم بنزيما، وهو يحتضن الكرة الذهبية التي تُوج بها الاثنين، الصفحات الأولى للجرائد الفرنسية، كما تصدرت أخبار ذلك الإنجاز كل النشرات المعنية بالرياضة في البلاد. إضافة إلى ذلك تهاطلت على اللاعب التبريكات من كل جانب، من زملاء في اللعبة، كذلك من شخصيات سياسية، أبرزها رئيس الجمهورية.

وغرَّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محتفياً بهذا التتويج، بالقول: " ك.ب.9! (إشارة إلى الحروف الأولى من اسم اللاعب ورقمه في المنتخب) حرفان ورقم سيدخلان التاريخ". وأضاف: "بعد 24 عاماً من زين الدين زيدان، ها هي كرة ذهبية أخرى تفوز بها فرنسا".

وقد يبدو هذا الاحتفاء باللقب من قبل رئيس الجمهورية أمراً طبيعياً، لولا أن اللاعب الفائز ضحية تاريخ طويل من العنصرية في فرنسا، إذ لقي هجمات على شخصه "لكونه من أصول جزائرية"، كما جرى الضغط لاستبعاده من المنتخب طوال السنوات السبع الماضية. ما يطرح أسئلة حول ازدواجية المعايير الفرنسية، التي تعتبر دائماً نجاحات الرياضيين أمثال بنزيما نجاحاً للبلاد، وترجع إخفاقهم لأصولهم الإفريقية.

بنزيما.. نجاح بمرارة العنصرية!

منذ صعود نجم موهبته الكروية في نادي ليون الفرنسي، وبعدها انتقاله إلى نادي ريال مدريد الإسباني، برز المهاجم من أصول جزائرية كريم بنزيما كأحد أفضل اللاعبين الذين عرفهم تاريخ اللعبة في فرنسا. غير أن مدرب منتخب الديكة ديدييه ديشون أراد وبشكل مفاجئ، عام 2016، استبعاد اللاعب من تشكيلات فريقه، مرجعاً ذلك إلى نزاع نشب بينه وبين زملائه هناك.

وقتها فجر بنزيما المستور بقوله إن ما يعانيه هجمة عنصرية تروم استبعاده من التشكيلة الزرقاء، وأن المدرب ديشون "رضخ للضغوطات العنصريَّة"، رابطاً الأمر بصعود اليمين المتطرف وقتها، الذي لم يكف يوماً عن التحريض ضده. وهو ما أكده بطل مونديال 1998 برفقة المنتخب الفرنسي، إيريك كانتونا، حين صرح وقتها لـ"الغارديان" البريطانية قائلاً: إن "كريم بنزيما وحاتم بن عرفة هما أفضلُ لاعبَين فرنسيَّين، لكنهما لن يلعبا في اليورو (2016).. من المؤكد أن هذا راجع لأصولهما المغاربيَّة".

فترة أثرت بشكل كبير على المسار الكروي للاعب، يكشف المحلل الرياضي المغربي أيمن زيزي، في حديثه لـTRT عربي، قائلاً: "بدون شك ما عاشه كريم بنزيما مهاجم ريال مدريد من مشاكل وانتقادات متعلقة بالعنصرية كان له تأثير على مساره الكروي، خصوصاً مع المنتخب الوطني الفرنسي في عهد المدرب الفرنسي ديديي ديشان منذ أن جرى إستبعاده من قائمة اللاعبين الفرنسيين المشاركين في بطولة أوروبا للأمم "يورو2016" التي استضافتها فرنسا آنذاك".

ويضيف زيزي: "شكل كل ما عاشه بنزيما في فترة سابقة حافزاً مهماً له من أجل تغيير نمط عيشه وحياته الكروية داخل وخارج الملعب. فأصبح يعيش حياة هادئة خارج الملعب، بعيداً عن الضوضاء والمشاكل المتعلقة بالسهر والملاهي الليلية، وأصبح أكثر انضباطاً وإلتزاماً ومواظبة دون إغفال أنه مسلم مقيم للشعائر الدينية والصلوات، ويتردد باستمرار على الديار المقدسة لأداء شعائر العمرة".

من جانبه يشدد الصحافي والمحلل الرياضي الجزائري زكرياء حبشي، متحدثاً لـTRT عربي، على أن الكرة الذهبية لهذا الموسم مستحقة بجدارة لكريم بنزيما. معتبراً إياها جواباً لمن وجهوا إليه انتقادات عنصرية طوال مسيرته، حيث "انتقدوا عدم ترديده النشيد الوطني الفرنسي، وهاجموه بأنه يحب الجزائر أكثر وأنه اختار فرنسا فقط للجانب الرياضي".

هذا وحتى بعد النجاحات الكروية التي حققها مع ناديه، وعودته إلى المنتخب سنة 2021 وتتويجه معه بدوري الأمم الأوروبية، لم يسلم كريم بنزيما من هجمات العنصريين، على رأسهم إيريك زمور الذي انتقد تلك العودة، ومعيَّراً اللاعب بأنه "من مجموعة اللاعبين الذين يخلقون الفوضى داخل الفريق".

فرنسي في الفوز جزائري عند الهزيمة!

يسترسل ضيفنا زكرياء حبشي في حديثه، قائلاً: "بعد تتويج بينزما بالكرة الذهبية، ها نحن نرى الجميع يحتفي به على أنه فرنسي ويحب فرنسا، وكأنهم لم ينتقدوه قبلها بكونه جزائرياً ويحب الجزائر، وكأن حب أصوله جريمة (...) إنه النفاق بعينه وازدواجية المعايير التي تسود الإعلام الفرنسي، فهم يحتفون بالرياضيين إذا فازوا كفرنسيين وإذا أخفقوا يهاجمونهم كجزائريين".

ولا تقتصر هذه الحالة على بنزيما وحده، يوضح حبشي، مذكراً بتصريحات اللاعب الفرنسي من أصول سنغالية باتريس إيفرا "الذي قال: لو عاد به الزمن إلى الوراء لاختار منتخب السنغال عوض فرنسا". ويختم الصحافي الجزائري حديثه بالقول: "أظن أن بنزيما كذلك، لو عاد به الزمن إلى الوراء لاختار منتخب الجزائر".

وفي السياق ذاته، يأكد المحلل الرياضي المغربي أيمن زيزي، أنه "يمكن اعتبار التمييز العنصري في المجال الرياضي ظاهرة فرنسية". معللاً ذالك بتحقيق صحافي نُشر عام 2011، "يكشف من داخل الإدارة التقنية الفرنسية بالاتحاد الفرنسي لكرة القدم وجود نقاش واسع ومستمر بخصوص وجود عدد كبير من الفرنسيين السود والفرنسيين ذوي الأصول العربية داخل المنتخبات الفرنسية لمختلف الفئات العمرية مقارنة بالفرنسيين البيض".

ويختم زيزي هو الآخر حديثه بالقول: "هذا دليل قاطع على أن المجال الرياضي، وكرة القدم على وجه الخصوص، تعيش ما تعيشه القطاعات الأخرى من عنصرية تجاه الفرنسيين من أصول إفريقية وعربية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً