وفي العملية التي أطلقتها القسام رداً على الانتهاكات في المسجد الأقصى، منيت إسرائيل بفشل استخباري وأمني ذريع، ظهر في اعتراف قادة وخبراء عسكريين وتحليلات وسائل إعلام عبرية وأمريكية. / صورة: AA (AA)
تابعنا

شكلت عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مفاجأة استخبارية وأمنية من العيار الثقيل تجاوز صداها إسرائيل.

وفي العملية التي أطلقتها القسام رداً على الانتهاكات في المسجد الأقصى، منيت إسرائيل بفشل استخباري وأمني ذريع، ظهر في اعتراف قادة وخبراء عسكريين وتحليلات وسائل إعلام عبرية وأمريكية.

كما شكلت العملية صدمة للولايات المتحدة الأمريكية، حليفة إسرائيل الأولى، على اعتبار أنّ الهجوم الأخير هو أسوأ اختراق لدفاعات تل أبيب منذ أن شنت الجيوش العربية حرب عام 1973.

"فشل استخباري"

وصفت صحيفة "معاريف" العبرية ما جرى بأنّه "فشل استخباري خطير" و"نجاح هائل لحماس"، مضيفةً أنّ الحركة "نفسها لم تؤمن يوماً أنّها ستنجح بهذه الصورة".

وقال البروفيسور عوزي رابي، رئيس مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، إنّ "فشلاً استخبارياً كبيراً أعقبه فشل عملياتي (...) يحدث، شيء مشابه لما جرى عام 1973".

وأرجعت معاريف هذا النجاح إلى أنّ "حماس شهدت في السنوات الأخيرة تغييراً في تكتيكاتها العسكرية بمفاهيم قتالية جديدة، ولوجستيات ووسائل قتالية أكثر تطوراً".

وشددت الصحيفة العبرية على أنّ "الحدث الذي نشهده الآن جرى التخطيط له بعناية، إذ أظهرت حماس أنّها ليست مهتمة ببدء حرب ولكن نفذت خدعة ناجحة".

بدوره، قال أمير أفيفي، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، إنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الوسائل التكنولوجية للحصول على معلومات استخبارية دون موطئ قدم داخل غزة.

وأوضح أفيفي أنّ "المسلحين في غزة وجدوا طرقاً للتهرب من الوسائل الاستخبارية التكنولوجية، ما أعطى إسرائيل صورة غير كاملة عن نواياهم"، وفق ما نقلت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

وتابع الجنرال: "لقد تعلّم الجانب الآخر كيفية التعامل مع هيمنتنا التكنولوجية وتوقفوا عن استخدام التكنولوجيا التي يمكن أن نكشفها"، موضحاً أنّ "المسلحين لم يكونوا يستخدمون الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر، وكانوا ينفذون أعمالهم الحساسة في غرف محمية خصوصاً من التجسس التكنولوجي أو يختبئون تحت الأرض".

لكن أفيفي أشار إلى أنّ الفشل يمتدّ إلى ما هو أبعد من ذلك، "فأجهزة الأمن الإسرائيلية فشلت في تكوين صورة دقيقة من المعلومات الاستخبارية التي كانت تتلقاها عن نوايا حماس".

"حملة خداع"

في السنوات الأخيرة، نظرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى حماس بشكل متزايد باعتبارها جهة فاعلة مهتمة بالحكم، وتسعى إلى تطوير اقتصاد غزة وتحسين مستوى معيشة سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، حسب الجنرال الإسرائيلي، مستطرداً بالقول: "الحقيقة أنّ حماس لا تزال ترى أنّ تدمير إسرائيل هو أولويتها".

وذكرت وكالة رويترز أنّ حماس نفذت "حملة خداع دقيقة" أدت إلى مفاجاة إسرائيل عندما شنت هجومها المدمر، "ما مكّن قوة تستخدم الجرافات والطائرات الشراعية والدراجات النارية من التغلب على أقوى جيش في الشرق الأوسط".

وهبطت قوات القسام إلى المستوطنات القريبة من غزة، بطائرات شراعية أشبه بـ"الباراشوت"، كشفت عنها للمرة الأولى، ما شكل مفاجأة وضربة للاستخبارات الإسرائيلية.

كما افتتحت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، باستخدام منظومة صواريخ قصيرة المدى ومحلية الصنع أطلقت عليها اسم "رجوم" في التمهيد الناري الذي سبق عبورهم إلى الأراضي المحتلة.

ونشرت كتائب "القسام" مقطعاً مصوراً استعرضت فيه منظومة "رجوم" الصاروخية التي استخدمتها لبدء الهجوم على إسرائيل، والتي قالت إنّها بدأت بإطلاق 5000 صاروخ في اللحظة الأولى، بالتوازي مع اقتحام مواقع عسكرية إسرائيلية ومستوطنات محاذية لقطاع غزة.

وفاجأ هجوم حماس مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية بوسائل عدة، لا سيّما الأساليب المختلفة التي استخدمها المقاتلون للدخول إلى المستوطنات والخروج منها، وفقاً لمسؤول دفاعي أمريكي كبير.

وقال المسؤول المطلع على المعلومات الاستخبارية لصحيفة نيويورك تايمز -طالباً عدم الكشف عن هويته- إنّ الهجوم الواسع الذي كان ناجحاً في معظمه من وجهة نظر حماس، كشف عن بعض الإخفاقات الكبيرة لمؤسسة الدفاع الإسرائيلية.

وحسب وكالة رويترز، قال مصدر مقرب من حماس: بينما كانت إسرائيل تعتقد أنّها تحتوي الحركة التي أنهكتها الحرب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في غزة، كان المقاتلون يتلقون التدريب، وغالباً على مرأى من الجميع.

وبيّن المصدر أنّ "حماس استخدمت تكتيكاً استخبارياً غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع عام بأنّها غير مستعدّة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل، بينما هي تحضِّر لهذه العملية الضخمة".

وتعترف إسرائيل بأنّها تفاجأت بالهجوم الذي تزامن مع يوم السبت اليهودي وعطلة دينية.

"غزو متطور"

من جانبه، قال الرائد نير دينار، المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية، إنّ "هذا (الهجوم) يشبه 11 سبتمبر"، في إشارة إلى هجمات نيويورك الشهيرة عام 2001.

وأضاف -وفق ما نقلت رويترز- بأنّ حماس "تمكنوا منّا، وفاجؤونا قادمين بسرعة من مواقع عدّة، بحراً وأرضاً وجواً".

وبالعودة إلى المصدر المقرب من حماس، بيّن أنّه في أحد العناصر الأكثر لفتاً للانتباه في استعداداتها، "بنت حماس مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة، تدربت على اقتحامها وتنفيذ إنزال عسكري فيها".

وقال الجنرال المتقاعد ياكوف عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إنّ الهجوم يمثل "فشلاً كبيراً لنظام الاستخبارات والجهاز العسكري في الجنوب".

ولفت عميدرور، الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي من أبريل/نيسان 2011 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2013، إلى أنّ بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إنّ حماس اكتسبت "مزيداً من المسؤولية".

وأردف عميدرور وهو الآن زميل كبير في معهد القدس للاستراتيجية والأمن: "لقد بدأنا بغباء نعتقد أنّ هذا صحيح لكنّنا أخطأنا".

ونقلت الصحيفة عن ناحوم بارنيا، الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، أنّ "الاستخبارات فسرّت أنّ حماس كانوا يتدربون على شيء لن يجرؤوا على تنفيذه أبداً"، مضيفاً: "لقد كان حكماً سيئاً، وشنت حماس غزواً معقداً ومتطوراً، براً وبحراً بشكل لا يصدق".

"تضليل استراتيجي"

ويرى الخبير الأمني الفلسطيني إسلام شهوان، أنّ "عملية القسام تعدّ إنجازاً كبيراً على مستوى العالم وليس على مستوى البيئة المحلية، كونها أحدثت صدمة تحدثت عنها الاستخبارات الأمريكية نفسها".

ويضيف شهوان لـTRT عربي، أنّه في ظل فشل منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، أصاب هذا الأداء الأمني الناجح لحماس بكل تعقيداته المؤسسات الاستخبارية العالمية بالذهول.

ويلفت إلى أنّ هذا النجاح جرى رغم الرادارات وأجهزة الاستشعار عن بُعد وكاميرات المراقبة المتطورة لدى إسرائيل.

ويشير شهوان إلى أنّ الأوساط الإسرائيلية تتساءل عن أسباب فشل الوحدة 8200 (مكلفة الحرب الإلكترونية) "المتخصصة بجمع كل ما يدور في قطاع غزة، رغم الأعداد الكبيرة من الراصدين العاملين فيها".

وشدد الخبير الأمني الفلسطيني على أنّ الفشل الأمني والاستخباري الإسرائيلي يكمن في عدم قدرة الاحتلال على قراءة ما تخطط له حماس منذ نحو عام.

ويستكمل: "في المقابل، استطاعت حماس أن تفهم سلوك الاحتلال وفاجأتهم بالزمان والمكان، وضلّلتهم عبر إنزال المظليين والتغطية الجوية في أثناء استخدام المُسيّرات وفتح ثغرات عديدة في الجدار الحدودي وإدخال القوات بأشكال متعددة، على الأقدام والعربات والدراجات النارية وغيرها".

وخلص شهوان إلى القول إنّ "كتائب القسام رسمت صورة أمنية واستخبارية وعسكرية وميدانية ناصعة البياض وسجلت انتصاراً كبيراً جداً".

TRT عربي
الأكثر تداولاً