تابعنا
تبدو إفريقيا "قارة المستقبل" لا لكونها سوقاً واعدة فقط، ولكن لأنها تحتوي على احتياطيات هائلة للعديد من المعادن الاستراتيجية التي تمثل عنصراً أساسياً في الأدوات التي ستساهم في رسم صورة هذا المستقبل، كالسيارات الكهربائية والهواتف الذكية والحواسيب.

شهدت العقود الأخيرة حالة من التنافس الدولي المحموم على المعادن الإفريقية، حيث تمتلك القارة السمراء مخزونات هائلة مغرية لقوى دولية وإقليمية مختلفة ساعية إلى تعظيم مكاسبها بالاستثمار فيها.

وضمن هذا السياق تبدو إفريقيا "قارة المستقبل" لا لكونها سوقاً واعدة فقط، ولكن لأنها تحتوي على احتياطيات هائلة للعديد من المعادن الاستراتيجية التي تمثل عنصراً أساسياً في الأدوات التي ستساهم في رسم صورة هذا المستقبل، كالسيارات الكهربائية والهواتف الذكية والحواسيب.

أبرز أنواع المعادن في القارة الإفريقية

تعد إفريقيا منجماً غنياً بالمعادن المختلفة، وتمتلك القارة وفقاً للدكتورة نازك الهاشمي مخزوناً من المعادن النادرة والغالية مثل الألماس والذهب الذي يعد مصدراً من مصادر الدخل الأساسية والبديل للنفط في السوق الاقتصادية.

وتضيف الدكتورة الهاشمي في تصريحها لـTRT عربي أن إفريقيا تحتوي أيضاً على "المعادن الصناعية مثل الألومنيوم والنيكل والمنغنيز والكروم، والتي تستخدم في التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المنخفضة الكربون، وكذلك معادن نادرة مثل النيوديوم وهو داعم للتقنيات في التحول لألواح الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، بجانب معدن اليورانيوم".

وتضمنت ورقة صادرة عام 2008 عن "مركز التدريب الدولي لدراسات المواد الخام (CESMAT)"، ومقره باريس، النسب المئوية لبعض ما تختزنه إفريقيا من المعادن قياساً إلى الاحتياطيات العالمية، وخلصت الدراسة إلى أن في القارة 30% من البوكسيت في العالم، و60% من المنغنيز، و75% من الفوسفات الصخري، و85% من البلاتين، و80% من الكروم، و60 من الكوبالت، و30% من التيتانيوم، و75% من الألماس، ونحو 40% من الذهب.

ووفقاً لدراسة حديثة فإن خبراء مؤسسة "باريس للتقنية" يحصرون أنواع المعادن جميعاً في أربعة أصناف هي: الأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت اللذين تعد مدغشقر أكبر منتج لهما بنحو 60% للزمرد و80% للياقوت ، والمعادن النفيسة كالذهب الذي تُعد غانا وجنوب إفريقيا والسودان من أكبر منتجيه على مستوى القارة، والمعادن الصناعية كالبوكسيت الذي يدخل في صناعة الطائرات، والسيارات، وغيرها، وتمتلك غينيا أكبر رواسب له في العالم في جبال "سيماندو"، وأخيراً المعادن الاستراتيجية كالكولتان والكوبالت والليثيوم التي تعد الكونغو الديمقراطية أكبر منتج لها جميعاً.

تنافس دولي بأدوات مختلفة

تشهد القارة حالة من التسابق الدولي المحموم للاستفادة من ثرواتها، وفي إفادتها لـTRT عربي تذكر الدكتورة سمر الباجوري الأستاذة المساعدة بقسم الاقتصاد بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن هذا "التنافس على الموارد الإفريقية في الفترة الأخيرة صنفته بعض الكتابات على أنه شكل من أشكال الاستعمار الجديد للقارة الإفريقية وأسمته التكالب الثالث على إفريقيا".

في حين ترى الدكتورة نازك الهاشمي أن المدخل لهذا التنافس يتمثل في حاجة التعدين إلى موارد واستثمارات ضخمة "وغالبية الدول الإفريقية ليست لديها البنية الأساسية لاستخراج المعادن بنفسها"، مضيفة أن هذا التسابق الدولي "يأخذ عدة صورة منها السياسي والاقتصادي، وآخر جيوسياسي".

يوافقها في ذلك الدكتور أبو بكر فضل محمد موضحاً أن أبرز القوى الدولية المتنافسة على المعادن الإفريقية تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وقوى أخرى صاعدة كالهند والإمارات.

وفي تصريحه لـTRT عربي يضيف أبو بكر، الأكاديمي السوداني المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن من الأدوات الاستراتيجية لتلك الدول الشركات التجارية والاستثمارية والأمنية والوكالات الإنسانية بدرجات متفاوتة.

ويمضي أبو بكر موضحاً أن "الولايات المتحدة تستفيد من وكالاتها المتعددة وشركاتها العملاقة، مستخدمة المداخل الإنسانية وإصلاح الأنظمة السياسية ونشر الديمقراطية وإرساء قيم العولمة واقتصاد السوق الحر، في حين تستخدم الصين الشركات الاستثمارية من خلال دبلوماسية القروض والتعاون التنموي والشراكات الاستراتيجية كمداخل لتثبيت أقدامها في حلبة التنافس في القارة السمراء".

أما روسيا، وفقاً لأبو بكر، فهي "تستخدم شركاتها الأمنية والصفقات العسكرية أدوات تغلغل وحماية وتحالفات عابرة مع القادة المحليين وزعماء مليشيات عسكرية أو قبلية ورجال أعمال مقربين من السلطة الحاكمة، إذ تعمل على حماية الأنظمة المحلية مقابل تعظيم استثماراتها التعدينية في البلدان الإفريقية كما في حالة إفريقيا الوسطى ومالي، ومحاولة تغلغلها في السودان وتشاد".

في حين ترى الدكتورة نازك الهاشمي الكاتبة السودانية المهتمة بالتنمية في إفريقيا أن "القارة الأوروبية من أكبر المتنافسين بخاصة فرنسا، وهو ما يعزى إلى وجودها التاريخي في القارة، حيث تعتمد باريس مدخل السياسة والسيطرة على الحكم للحصول على امتيازات في التنقيب".

من جانبه يؤكد الباحث النيجيري إدريس آيات في دراسة له حول المعادن في إفريقيا أن كندا تفوقت على منافسيها في تعدين الذهب، حيث بدأ عدد من شركاتها في عمليات بحث واستكشاف للذهب في إفريقيا بعد الأزمة المالية العالمية 2008، حيث بلغ إنتاج منطقة غرب إفريقيا وحدها سنوياً 9 ملايين أوقية سنوياً من المعدن النفيس. وأضاف أنه مع حلول عام 2011 فإن مجموع أصول التعدين التراكمية لـ155 شركة كندية تعمل في 39 دولة إفريقية بلغ أكثر من 31.6 مليار دولار كندي (30.5 مليار دولار أمريكي).

دوافع التنافس على معادن القارة الإفريقية

هذا التكالب المحموم على ثروات القارة الإفريقية ومواردها تقف خلفه مجموعة من الدوافع المتشابكة، وهكذا يرى الدكتور أبو بكر فضل أن "كل دولة من الدول المتنافسة على هذه المعادن تسعى إلى تعظيم اقتصادها وزيادة مكاسبها وتقوية نفوذها السياسي والعسكري خدمة لاستراتيجياتها العالمية. وأن الكميات الضخمة من المعادن الموجودة في إفريقيا تمثل كذلك عامل جذب تنافسياً، بجانب وفرة الأيدي العاملة الرخيصة وعدم المشروطية في الحصول على الامتيازات".

توافقه في ذلك الدكتورة سمر الباجوري مديرة مركز دراسات حوض النيل بجامعة القاهرة قائلة: إن "أساس التنافس بالتأكيد هو وفرة هذه الموارد في القارة الإفريقية بالطبع"، قبل أن تضيف مستدركة "لكن من الممكن أن يكون الدافع الإضافي غير المعلن هو رخص أو تدني أسعار هذه الموارد في إفريقيا وسهولة الشروط أو القوانين، وسهولة التهرب منها أو الالتفاف عليها نتيجة هشاشة الكثير من الدول الإفريقية وانغماسها في مشاكلها الداخلية وارتفاع معدلات الفساد فيها".

من جانبها تلقي الدكتورة نازك الهاشمي الضوء على محركات أخرى لهذا التدافع مؤكدة أن "دوافع التنافس الدولي هي الأزمات المالية ابتداء من عام 2008 وانخفاض أسعار النفط"، وتمضي مستطردة أنه "حتى الحرب الروسية وأزمة الطاقة في أوروبا وانهيار المصارف الأمريكية جميعها عوامل تدعو للإسراع لاستغلال المخزون الذي جرى التعامل معه كمخزون احتياطي منذ حقبة الاستعمار"

لتختم إفادتها لـTRT عربي بأن "القارة الإفريقية هي مخزن المعادن البديلة لأزمة الطاقة التي تواجه هذه الدول".

وبناء على ما سبق تعتقد الدكتورة الباجوري أن "المستفيد الأول من الموارد الإفريقية هي الدول الخارجية"، موضحة أن هذا يظهر بجلاء "من خلال التأمل في وضع الدول الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعية مثل نيجيريا على سبيل المثال التي تعتبر أغنى الدول الإفريقية بالبترول وبالرغم من ذلك تتجاوز معدلات الفقر فيها 60% ونفس الوضع في غينيا الاستوائية".

وبينما يؤكد الدكتور فضل أن أكبر المستفيدين من المعادن الإفريقية قوى خارجية كالصين والولايات المتحدة، فإنه يرى بجانب ذلك أن دول القارة السمراء تستطيع الاستفادة من هذه المنافسة "إن أحكمت إدارتها وسياستها، لأن هذه العملية التنافسية تخلق لها بدائل وخيارات وتنجيها من الشروط الاستثمارية والقيود السياسية، وتعطيها الفرصة للدخول في الشراكات الاستثمارية مع الشركات الكبرى العالمية".

TRT عربي