تابعنا
بعث مقتل الفتى نائل المرزوقي (17 عاماً) على يد شرطي في مدينة نانتير النقاش من جديد في فرنسا حول قانون فبراير/شباط 2017، الذي فتح المجال واسعاً لعناصر الأمن الفرنسي لاستعمال أسلحتهم النارية، وعدم الاكتفاء بحالات الخطر الداهم.

بعث مقتل الفتى نائل المرزوقي (17 عاماً) على يد شرطي في مدينة نانتير النقاش من جديد في فرنسا حول قانون فبراير/شباط 2017، الذي فتح المجال واسعاً لعناصر الأمن الفرنسي لاستعمال أسلحتهم النارية، وعدم الاكتفاء بحالات الخطر الداهم، إذ يُعدّ هذا التشريع "المتهم الأول" في حادثة قتل الشاب ذي الأصول الجزائرية التي أشعلت احتجاجات في مدن فرنسية عدّة.

ورغم تقدّم عدة نواب بمقترحات لتغيير بعض بنود هذا القانون، إلا أنّ الحكومة الفرنسية لم تستجِب لهذا الطلب، وهو ما تسبّب في مضاعفة "العنصرية" والميل إلى استعمال السلاح وسط رجال الشرطة في البلاد، حسب مختصين.

قانون فبراير

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، تعرّض أربعة رجال من الشرطة الفرنسية في مدينة فيري شاتيون إلى اعتداء بزجاجات المولوتوف، وهي الحادثة التي تحجّجت بها الحكومة وقتها لإدخال تعديل على قانون الأمن العمومي الصادر في 28 فبراير 2017، وأصبح يُعرف باسم (قانون فبراير 2017).

وقالت السلطات الفرنسية حينها، إنّ "الهدف من القانون تخفيف القيود المفروضة على رجال الشرطة المتعلقة بإطلاق النار في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، شريطة وجود تهديدٍ جدّي وبعد استخدام طلقات تحذيرية".

ووفق الفقرة الأولى من المادة 435 من القانون، بات يحقّ لعناصر الشرطة إطلاق النار على من يرفض الامتثال لأمر الحاجز، في حال لم يتمكّنوا من إيقاف السيارة، وكذا احتمال تسبّب السائق خلال هروبه بخطرٍ على حياتهم وحياة الآخرين.

وقبل صدور هذا القانون، كان رجال الشرطة يخضعون لقانون العقوبات، ومبدأ الدفاع عن النفس فقط، مثل أي مواطن فرنسي آخر.

وساهم قانون 2017 في ارتفاع عدد القتلى برصاص الشرطة، إذ بلغ عددهم هذا العام 3 أشخاص، ووصل هذا العدد العام الماضي إلى 13 شخصاً.

ومنذ اعتماد هذا القانون، ارتفعت حالات إطلاق النار على المركبات المتحركة، إذ سُجلت 202 عملية في 2017، مقارنة بـ137 عام 2016، وفق إحصاءات تداولتها الصحافة الفرنسية.

"قانون فضفاض"

وحول هذا القانون، يقول مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان، المحامي عبدالمجيد مراري، إنّ حادثة قتل نائل تندرج ضمن تبعات قانون 2017، لأنّ الشرطي الذي قتل الفتى استند إلى الفقرة الأولى من المادة 435 من هذا التشريع، ليطلق النار من مسدسه على نائل.

ويوضّح لـTRT عربي، أنّ هذا القانون يسمح للشرطي بإطلاق النار، إذا كان هناك "احتمال" بأن يمسّ تصرّف السائق بحياته أو حياة الآخرين، مضيفاً القول: "لكنّنا كحقوقيين نرفض هذا النص، لأن (احتمال) كلمة فضفاضة لا يمكن الاعتماد عليها، فهي تعطي الحق لرجال الشرطة ليؤوّلوها كما يريدون وفق مزاجهم".

ويعرب المحامي مراري عن استغرابه قائلاً: "من غير المعقول المعاقبة على فعل محتمل الحدوث، فعلى القانون أن يتحدّث عن الخطر الداهم والواقع المحقّق، لأنّه لا يمكن أن يُعاقب أحد على نيّته".

ويرى المحلل السياسي وليد عباس، أنّ قانون 2017 سهّل استخدام الأسلحة النارية من الشرطة، وإحصائيات مقتل 13 شخصاً في 2022 على يد عناصر الشرطة دليل على ذلك.

ويبيّن عباس لـTRT عربي، أنّ جزءاً من هذا التشريع غامض ومبهم، فهو يترك أمر استعمال السلاح من عدمِه لتقدير رجل الشرطة.

أمّا الصحفي المهتم بالشأن الفرنسي منير حامد، فيرى أنّ قانون 2017 ليس وحده المسؤول عن حادثة قتل نائل فقط، مبيناً أنّ "الشرطة الفرنسية أطلقت يدها في استعمال السلاح بعد تعيين جيرالد درمانان وزيراً للداخلية في أثناء تظاهرات السترات الصفراء، إذ تعاملت الشرطة بالقوّة المفرطة مع المحتجين".

ويلفت في حديثه لـTRT عربي، إلى أنّ تجربة هذا القانون "قد فشلت"، وهو ما يتجلى في أعمال العنف المضادّ لعنف الشرطة في الشارع الفرنسي، إضافة إلى حالات النهب للمحال التجارية من خلال بعض المتسلّلين داخل هذه التظاهرات والاحتجاجات.

وخلصت دراسة أجراها باحثون فرنسيون إلى أنّ عمليات إطلاق النار على سائقي السيارات من الشرطة زادت خمسة أضعاف بعد تطبيق القانون، وفق صحيفة ليبراسيون الفرنسية.

وقال هؤلاء الباحثون: "استناداً إلى تحليل إحصائي دقيق للعدد الشهري لضحايا إطلاق النار، للأسف، من المحتمل جداً أن يكون قانون 2017 هو السبب في معظم جرائم القتل التي ارتكبها ضباط الشرطة".

"عنصرية متجذّرة"

واعتبرت مونيا والدة نائل في تصريح لقناة "فرانس 5" الحكومية، أنّ حادثة قتل وحيدها لها دوافع عنصرية، قائلة في هذا الإطار، إنّ "الشرطي الجاني رأى وجهاً عربياً، طفلاً صغيراً، وأراد أن يقتله".

وبالعودة إلى المحامي عبد المجيد مراري، فيقول إنّ "الشرطة الفرنسية عنصرية منذ سنوات"، ولا علاقة لقانون 2017 بذلك، مشيراً إلى أنّ تقريراً صدر عن مؤسسة الدفاع عن الحقوق التابعة لرئاسة الحكومة، كشفت أنّ العربي أو الإفريقي أو حتى الفرنسي من هذه الأصول، معرّض لاحتمال التفتيش في حواجز الشرطة 20 مرة مقابل مرة واحدة لباقي الفرنسيين.

ويشير إلى أنّ البرلمان الأوروبي والمحكمة الأوروبية أصدرا تقارير في 2012، أكدت أنّ الشرطة الفرنسية تستهدف أبناء الضواحي والفرنسيين في حياتهم، ولعل أحداث 2005 خير دليل على ذلك.

ويتابع القول: ما يؤكد هذه العنصرية هو البيان الصادر منذ أيام عن نقابة الشرطة المعروفة باسم "تحالف" والذي تضمن عبارات "متطرفة وعنصرية"، إذ وصفت أبناء الضواحي بـ"المتوحشين" في بيانها الذي حمل تهديداً حتى للدولة الفرنسية قبل أن تقوم بسحبِه بعد ثلاث ساعات من نشره.

واعتبر المحامي مراري أنّ موقف الأمم المتحدة الأخير من الأحداث الجارية في فرنسا، دليل آخر على وجود "عنصرية" داخل الشرطة الفرنسية.

وفي مؤتمر صحفي عقدته بجنيف الجمعة الماضية، لم تتردّد الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، في التعبير عن قلقها إزاء مقتل "نائل" على يد الشرطة الفرنسية.

وقالت رافينا شامداساني: "حان الوقت لفرنسا للتعامل بجدّية مع قضايا العنصرية العميقة والتمييز في أجهزة إنفاذ القانون"، داعيةً إلى فتح تحقيق في أسرع وقت بجميع مزاعم استخدام القوة المفرطة خلال الاحتجاجات في فرنسا.

لكن المحلل السياسي وليد عباس -المقيم في باريس- يرفض تعميم هذا الوصف على جهاز الشرطة الفرنسية بالكامل، إلا أنّه أكّد في الوقت ذاته أنّه "مما لا شكّ فيه أنّ هذا الجهاز يضمّ في صفوفه أشخاصاً عنصريين، ويتعاملون بعنصرية مع أبناء الضواحي"، مرجعاً عدم إصدار حكم بالمطلق بسبب عدم وجود دراسة ذات مصداقية تثبت عنصرية الشرطة الفرنسية.

أما الصحفي حامد، فيرى أنّ العنصرية المسجلة داخل جهاز الشرطة "امتداد لمجتمع فرنسي تصاعدت فيه أصوات التطرف منذ فترة طويلة"، بسبب خطاب إعلامي يصبّ في هذا الاتجاه، وكذا خطاب سياسي "عنصري" صادر من بعض الساسة، ومنهم الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه الذي تبنى فكراً ضدّ الإسلام بإغلاق مساجد وجمعيات وترحيل أئمة.

عنف الشرطة الفرنسية

وأظهر إحصاء قدمته صحيفة لوطون (le temps) السويسرية، أنّ فرنسا هي الدولة الأوروبية الأكثر تسجيلاً لحالات وفيات تتسبب فيها عمليات الشرطة.

وقال النائب السابق في البرلمان الأوروبي مانويل بومبارد، في تصريح لقناة "فرانس إنفو"، "إنّها حقيقة، الشرطة الفرنسية تقتل".

كما أثارت تغريدة لرئيس حركة "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلونشون، بداية شهر يونيو/حزيران المنصرم، الجدل حول هذا الأمر، إذ قال فيها، إنّ "الشرطة الفرنسية تقتل"، وذلك حتى قبل وقوع جريمة قتل نائل.

وجاءت تغريدة ميلونشون على أثر مقتل شخص مدني وجرح آخر داخل سيارة لم تتوقف عند حاجز الشرطة، وهي الواقعة التي لا تختلف كثيراً عن حادثة مقتل نائل، وإن كانت الثانية أكثر جرماً.

ورغم هذا الماضي غير الناصع، فإنّ مراري يرفض الحكم الذي أطلقه ميلونشون، قائلاً: "لا ينبغي وصف جهاز الشرطة بالكامل على أنّه قاتل، فهذا الحكم معمّم ومبالغ فيه".

بينما يعلق الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الفرنسي منير حامد، على هذا الوصف بالقول: "ربّما ميلانشون كان لديه الحقّ في هذه التسمية، لأنّ العنف الصادر عن الشرطة الفرنسية غير مبرّر، ولاحظنا ذلك في الاحتجاجات ضدّ قانون التقاعد، إذ كان هناك استعمال مفرط للقوة ضدّ المتظاهرين السلميين، وهذا دليل على أنّ لديهم أوامر من وزير الداخلية بالتعامل الخشن مع المتظاهرين".

أمّا المحلل السياسي وليد عباس، فيرى أنّ تصريح ميلانشون مبني على أهداف سياسية، بالنظر إلى أنّ كثيرين ممّن يصوتون له في الانتخابات من أبناء الضواحي، فوصف الشرطة بـ"القاتلة" حكم مبالغ فيه.

ويعتقد عباس أنّ تخلّص الشرطة الفرنسية من الأخطاء التي تكررها تتطلب اليوم إقرار برنامج إصلاحات لجهازها، يراعي نوعية الأشخاص الذين يلتحقون بصفوفها، إضافةً إلى تنظيم دورات تدريبية متتالية لعناصرها؛ للتقليل من التجاوزات التي تقوم بها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً