تابعنا
أثارت الاشتباكات الدائرة في السودان بين قوات الجيش وقوات ما يسمى "الدعم السريع"، اهتمام المنطقة العربية والعالم، وسط تخوف من الانزلاق نحو حرب أهلية، إذ استمرت الاشتباكات رغم هدنة 24 ساعة بتدخل أمريكي بين الطرفين.

أثارت الاشتباكات الدائرة في السودان بين قوات الجيش وقوات ما يسمى "الدعم السريع"، التي يقودها محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، اهتمام المنطقة العربية والعالم، وسط تخوف من الانزلاق نحو حرب أهلية، إذ استمرت الاشتباكات رغم هدنة 24 ساعة بتدخل أمريكي بين الطرفين.

ويتبادل طرفا النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اتهامات ببدء كل منهما هجوماً على مقار تابعة للآخر، بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كل منهما.

السفير محمد الشاذلي، سفير مصر السابق لدى السودان، قال لـTRT عربي إن ما يحدث في السودان يؤكد أن "الحرب الأهلية هناك بدأت بالفعل"، وفق تعبيره.

وأضاف أن استهدافاً للمدنيين "من الفريقين المتنازعَين" يجري داخل مناطق عدة في السودان، مشيراً إلى أنه منذ استقلال السودان عام 1956 عن مصر تعاقبت حكومات عدة لم تستطع وقف نزيف البلاد، ما أدى إلى انفصال جنوب السودان وصولاً إلى الأحداث الحالية.

وأوضح أنه منذ استعانة الرئيس السابق للسودان، عمر البشير، بالجنرال "حميدتي" لسحق تمرد دارفور، درءاً لاستخدام قوات الجيش الرسمي أمام مواطني دارفور، توسعت قوات الدعم السريع حتى أصبح "حميدتي" يحمل رتبة فريق أول، ما عرّض البشير لانتقادات وعقوبات دولية، وهو أمر دفعه لإعادة تسمية هذه القوات بـ"قوات الدعم السريع"، المعروفة مسبقاً باسم "الجنجويد".

ويرى الشاذلي أنه "رغم اتفاق قوات الجيش وقوات الدعم السريع على عزل البشير لإعادة الاستقرار إلى السودان فإنه يبدو أن حالة من عدم الثقة بين الجانبين كانت حاضرة.

جرت وساطة دولية من خلالها اتُفق على حكم مدني وإدماج عناصر الدعم السريع في الجيش السوداني، ولكن الاختلاف، وفق ما يرى الشاذلي، "كان واقعاً بين الجانبَين بخصوص كيفية تقسيم السلطة الأمر الذي أشعل الأزمة الحالية".

وتوقع السفير المصري السابق دخول السودان "مستنقع انقسامات" نتيجة ما سماّه "ضعف القوة المركزية وظهور فصائل مسلحة مختلفة"، حسب قوله.

يرى فريق آخر من الخبراء أن الدعم السريع لم يكن له دور في الانقلاب على البشير بل كان داعماً له. على عكس اللجنة الأمنية التي كانت تتشكل من الجيش وجهاز الشرطة والجهاز الأمني والتي كان لها دور حاسم في عزل البشير. ويرون أن حميدتي دخل في المجلس العسكري الذي تولى الحكم في الفترة المؤقتة بعد عزل البشير.

تخوف من ظهور ميليشيات

وقال الدكتور عثمان البشري، ممثل حزب الأمة السوداني في مصر، لـTRT عربي، إن القوى المدنية "سبب غير مباشر لما يحدث الآن في السودان بتشرذمها وانقسامها"، مطالباً إياها بضرورة "الاصطفاف حول رأي واحد والتجمع داخل جبهة وطنية واحدة للوقوف ضد الحرب الجارية على أرض السودان بكل الوسائل السياسية".

وطالب البشري المجتمع الدولي والدول المؤثرة إقليمياً بضرورة الضغط على الطرفَين المتنازعَين في السودان لوقف الحرب فوراً، مؤكداً "ضرورة إدماج قوات الدعم السريع في قوات الجيش الرسمي"، على أن تجري العملية بإشراف أممي، مشيراً إلى أن نشوء الحرب الحالية كان بسبب "الخلاف على تفاصيل تحيط بعملية الدمج تلك".

وأبدى تخوفه من وقوع سيناريو أبشع في السودان بظهور مليشيات مسلحة أخرى، كمليشيا "جبريل" و"العدل والمساواة" و"حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي، وكذلك مليشيا "نماذج"، المعروفة باسم الجيش الثالث، وهي حركة مسلحة منشقة عن حركة جبريل وحركة مناوي، بالإضافة لعديد من الانشقاقات المتوقعة، والتي بدورها ستؤدي ربما إلى "اشتعال الإقليم كلياً".

وأكد البشري أن ما يشهده السودان حالياً "حرب أهلية صريحة"، موضحاً أن "دخول القوات الجوية المعركة تسبب في إصابة عشرات المدنيين داخل الخرطوم".

وأعرب عن تخوفه من مناصرة القبائل لأحد طرفَي الحرب، الأمر الذي سيزيد تأزُم الأحداث أكثر ويؤدي إلى خطر "تفكيك السودان إلى دويلات"، مشيراً إلى أن "الحرب الداخلية هناك ليس بها منتصر ومهزوم فالكل خاسر"، وفق تعبيره.

ولفت إلى خطورة أي "دعم خارجي لأي من الطرفَين عبر التمويل أو المساندة المعلوماتية أو غيرها"، إذ سيؤدي ذلك وفق تعبيره إلى "استمرار الحرب وتشعب نطاقاتها"، مناشداً "المجتمع الدولي سرعة التدخل لإيقاف هذه المواجهات بأي ثمن".

"السودان مفتوح على أبواب حرب أهلية"

وأكدت الدكتورة أماني الطويل، مدير وحدة الدرسات الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـTRT عربي، أن احتمالات قوية قائمة لشد السودان نحو حرب أهلية، مع ارتفاع وتيرة الاشتباكات.

ونفت الطويل أن تكون الهدنة المؤقتة، بتدخل أمريكي، ذات جدوى في الظرف الراهن، فالطرفان المتنازعان يحاولان السيطرة على نقاط تمركز أوسع واكتساب نقاط تمركز عسكري أكبر ليكون لكل منهما الغلبة في أثناء التفاوض لاحقاً، إنْ حدث، حسب قولها.

ولفتت الطويل إلى أن النزاع الحالي في السودان "مفتوح على أبواب حرب أهلية" لن ترحم أحداً، لافتة إلى أن "النخبة السياسية والعسكرية هناك لا تمتلك خطوطاً حمراء بشأن المصالح الدولية"، حسب قولها.

وقالت إن الحل الوحيد الممكن هو "اصطفاف القوى المدنية السودانية وتوحيد جبهتها السياسية ليكون لها دور حاسم في وقف دائرة الحرب".

واتفقت الطويل على أن الاعتداء على المدنيين هو من أخطر السيناريوهات المطروحة داخل السودان، مشيرة إلى رصد عدة وقائع لاشتباكات داخل الأحياء والاعتداء على منزل عضو المجلس السيادي والقيادي في القوات المسلحة السودانية، شمس الدين الكباشي، وذلك عقب إعلان تجمع المهنيين لجان مقاومة شبابية لحماية الأحياء السكنية بالخرطوم.

وقال رمضان قرني، مدير تحرير مجلة "آفاق إفريقية" التي تصدر عن الهيئة العامة للاستعلامات بمصر، لـTRT عربي، إن ما يحدث داخل السودان حالياً "يشبه حرباً أهلية، وقد تستمر لأسابيع طويلة قادمة".

وأوضح أن النزاع بين الجيش النظامي في السودان وقوات الدعم السريع، التي تعتمد على العصبيات والانتماءات القبلية كقبيلة الجنجويد، يجعل هذه الحرب تأخذ طابع حروب الشوارع".

وأكد وجود "أطراف خارجية تتداخل في الأزمة السودانية لخدمة أهداف سياسية وعسكرية معينة"، مشيرا إلى أن الحرب "ستستمر لعدم خروج مبادرات دولية أو إقليمية لوقفها رغم عرض بعض الدول -كمصر وجنوب السودان- الوساطة لتسوية النزاع".

وقال إن الأزمة الجارية في السودان "ليست وليدة اليوم ولكنها نشأت منذ عامَين تقريباً، وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2021، منذ بداية الصراع بين القوى المدنية والمكون العسكري، إذ لم تكن الترتيبات السياسية خلال العامَين الماضيَين قادرة على رأب الصدع، مما تسبب في انفجار الوضع".

وكانت مجلة فورين بوليسي أشارت إلى أنه من "الصعب هزيمة قوات الدعم السريع في موطنهم القبلي في دارفور، لا سيّما مع قدرتها على حشد جنود من تشاد المجاورة" وهو أمر يبدو مع "انزلاق السودان إلى حرب أهلية واسعة النطاق" احتمالاً وارداً.

TRT عربي