تابعنا
وفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة يجدون أنفسهم عالقين وسط ظروف بالغة الصعوبة، مقرونة بدمار كبير وهجمات متلاحقة وتشريد ونقص حاد في الاحتياجات الأساسية.

أمام خيمتها المفتقرة لأبسط مقومات الحياة جنوب قطاع غزة، تجلس السيدة الثلاثينية غدير الحوراني، على الرصيف، مصطحبةً طفلتها ميرا ذات الأشهر السبعة وصاحبة الشعر الأصفر والعينين الزرقاوين اللتين لم تهدآ عن البكاء طوال ليلتها، لشدة الالتهابات الجلدية أسفل جسدها، الذي تلفّه قطعة قماش بالية بدلاً من حفّاظات الأطفال.

نزحت غدير من مخيم جباليا شمال قطاع غزة إلى مخيمات النزوح جنوب القطاع هرباً من قصف الاحتلال الإسرائيلي على رؤوسهم، تعيش -وهي أم لأربعة أطفال، أصغرهم ميرا- حياة يومية مأساوية تحاول تأمين تلبية احتياجاتهم، من بينها حفّاظات المواليد المفقودة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ووفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة يجدون أنفسهم عالقين وسط ظروف بالغة الصعوبة، مقرونة بدمار كبير وهجمات متلاحقة وتشريد ونقص حاد في الاحتياجات الأساسية.

قماش الأكفان بديلاً

يسعى الاحتلال الإسرائيلي لفرض عقاب جماعي على سكان غزة مع استمرار الحرب للشهر السادس، ومنعه وصول قوافل المساعدات الإغاثية إلى القطاع، التي تشكل حاجيات أساسية للسكان المحاصَرين، من مأكل ومشرب، ومواد رعاية صحية ومن أبرزها حفّاظات الأطفال، مساهماً في تعميق الأزمة الإنسانية والمعيشية، للسكان وزيادة معدلات الفقر حتى تجاوزت 80%، وفق إحصائية صادرة عن جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وتقول السيدة غدير لـTRT عربي إنها تخرج يومياً من الساعة السادسة صباحاً في جولة شاقة للبحث عن حفّاظات لطفلتها ميرا، أحياناً تجدها ببالغ الصعوبة، فتعجز عن شرائها لارتفاع ثمنها، نظراً لصعوبة وضعها المادي وانعدام فرص العمل لزوجها، مما يُشعرها بحسرة كبيرة على طفلتها.

وتضيف: "أضطر لاستخدام بدائل من خلال قص قطع قماش، مصدرها أكفان موتى حصلت عليها في عبوة مساعدة إغاثية، رغم علمي أنها غير صحية ومضرّة بجلدها لصغر سنها، لكنّ هذا الخيار هو المتاح لي، وأجد فيه طوق نجاة عوضاً عن بقائها من دون شيء، لا سيما في فصل الشتاء والبرد القارس".

فاقمت أزمة غياب حفّاظات الأطفال عن المتاجر والصيدليات، الأوضاع الإنسانية والمعيشية للأطفال وذويهم، مما حرمهم تأمينها نظراً لارتفاع أسعارها، فأصبحت تُباع في أكشاك شعبية على الأرصفة والطرقات، بأسعار خيالية وصلت من 80 إلى 100 دولار للعبوة الواحدة، والقطعة الواحدة بمتوسط 5 دولارات أمريكية.

كما دفعت الأزمة الأمهات والآباء إلى البحث عن بدائل غير آمنة من قطع القماش البالية، والمحارم الورقية، والنايلون، وبعض الأمهات استخدمن حفّاظات خاصة بكبار السن بقصّها إلى قطع صغيرة مناسبة لموالديهن وفق المتاح، وأخريات أمّنّ أحجاماً أصغر من الأحجام المناسبة لأطفالهن مما يُسبب لهم آلاماً وأمراضاً جلدية افترست أجسادهم الصغيرة.

وتشير غدير إلى تعرض جسد طفلتها ميرا لتسلخات جلدية تُسبب لها حكة مستمرة وتجعلها في حالة بكاء شديد، بعد أن عجزت عن عرضها على طبيب مختص لعدم امتلاكها ثمن الكشفية وشراء العلاج، فعادت إلى طرق بدائية غير صحية، مثل علاجها طفلتها كما كانت تفعل الجدّات خلال الهجرة الفلسطينية القسرية على أثر نكبة عام 1948، إذ تدهن جلد طفلتها المتسلخ من الأسفل بقليل من زيت الطهي ليلاً، ثم تضعها صباحاً في الهواء الطلق خارج الخيمة لتهويته كي يجف.

أمراض جلدية تفترس أجساد الأطفال

في إحدى النقاط الطبية لعلاج الأطفال بمخيم النازحين في دير البلح وسط قطاع غزة، كان ماجد ياسين (31 عاماً)، يصطف في طابور ممتلئ بالأهالي يحملون أجساد أطفالهم الذين افترست أجسادهم الالتهابات وتسلخات الجلد نتيجة استخدامهم بدائل الحفّاظات، منتظراً دوره للوصول إلى الصيدلية لصرف مرهم جلدي لطفليه.

يقول ماجد، وهو نازح من حي الصبرة شرقي القطاع، بمشاعر مختلطة من اليأس والإحباط: "حفّاظات الأطفال أصبحت من رفاهيات الحرب. اضطررت لأكثر من مرة بيع حصتنا الغذائية لتأمين ثمن شرائها، ثم توقفت نتيجة استمرار غلائها، فاستعاضت زوجتي عنها ببديل غير آمن عبارة عن قطع من قماش سترة لي ولفها بنايلون كنا نستخدمه لوضع الطعام عليه، تبدلها مرة واحدة باليوم وأحياناً تغسلها وتعيد استخدامها لطفلَيَّ أو أحدهما رغم أنها مبتلّة".

ويضيف ماجد لـTRT عربي: "الحرب دمّرتنا، كنت أعمل سائق سيارة أجرة بمصدر دخل شهري مناسب، أستطيع من خلاله تلبية حاجيات أطفالي من مأكل ومشرب وحفّاظات، تعرض منزلي للقصف الإسرائيلي وفقدت مركبتي، وأصبحت أُقيم مع طفلَيَّ وزوجتي في خيمة، أعجز عن تأمين لهم ما يريدونه رغم أنه أساسي".

أما نور إبراهيم (26 عاماً)، فحاولت تعليم طفلتها الصغيرة تالا، ذات العامين، الاعتماد على نفسها في الذهاب إلى الحمام، مستغنيةً تماماً عن حفّاظات الأطفال وبدائلها، نظراً إلى ارتفاع أسعارها وما سبَّبته لطفلتها من أمراض جلدية تجعلها في حالة بكاء طيلة الوقت.

تقول نور لـTRT عربي إنها أرغمت طفلتها الصغيرة على استخدام الحمام في سن مبكرة عوضاً عن الحفّاظات الذي تَضاعف ثمنها لأكثر من 200%، بعد تعرضها لتبول غير إرادي لخوفها المستمر من القصف في الحرب.

غياب الحفّاظات يُعيد عهد الجدّات

وتضيف السيدة أنها تعلم أن الوقت غير مناسب لهذا القرار، لكنها عاجزة عن توفير ثمن حفّاظات بشكل يومي، مشيرةً إلى ابنتها من المفترض أن تنعم بحياة آمنة صحية في منزلها من دون حرب وخوف "لكنّ إسرائيل حوّلت حياتنا وحياة الأطفال إلى كابوس".

بدوره يؤكد طبيب الأطفال والأسرة الدكتور مصطفى العيلة، أن أزمة حفّاظات الأطفال أعادت الزمن بأولياء الأمور 50 عاماً إلى الوراء، معتمدين على أساليب بدائية بديلاً، كانت تعتمد عليها الجدّات، مما يتسبب بمضاعفات صحية خطيرة على أجساد الأطفال و المواليد.

ويوضح العيلة في حديثه مع TRT عربي أن "اعتماد الأمهات على استخدام قطع قماش أو النايلون على أجساد الأطفال، سواء لفترة قصيرة أو أطول فترة ممكنة، يؤدي إلى تراكم البول على جسد الطفل مفرزاً مادة الأمونيا، ومنع تسربه للخارج مما يُحدث تفاعلات تؤدي إلى تراكم البكتيريا والفطريات على جسد الطفل، ويسبب أمراضاً جلدية أشهرها تسلخات وطفح جلدي".

وينصح طبيب الأطفال والأسرة الأمهات باستخدام مياه دافئة ومعقمات في حال ملاحظة أي أعراض أمراض جلدية على الطفل، مشيراً إلى أنه حتى المياه غير متوفرة لتنظيف أجساد الأطفال يومياً، لذا يمكن اللجوء لتهوية جسد الطفل من أسفل، خارج الخيمة تحديداً، وتعريضه لشمس الصباح.

وفي خطوة للتخفيف من وطأة أزمة توفير أولياء الأمور الحفّاظات لأطفالهم، إلى جانب انتشار الأمراض الجلدية التي أكلت أجسادهم، لاستخدامهم بدائل غير آمنة، أسست مجموعة نسوة مصنعاً صغيراً لصنع حفّاظات أطفال بإمكانات متواضعة جداً، معتمدات على أقمشة كمامات فيروس كورونا، التي دخلت القطاع عبر مساعدات إغاثية مؤخراً، بوصف ذلك حلاً مؤقتاً بديلاً للبضائع المستوردة التي يمنع الاحتلال دخولها إلى القطاع.

TRT عربي