في أجواء سياسية محتدمة تغلب عليها انعكاسات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والحرب الروسية الأوكرانية، عُقد على مدار يومي 22 و21 فبراير/شباط الجاري في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين.
وحضر الاجتماع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، والروسي سيرغي لافروف، وباقي وزراء خارجية المجموعة، إضافةً إلى ممثلي المؤسسات الدولية الرئيسية، ومنها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الدولية، ومنظمة الصحة العالمية.
وتولت البرازيل رئاسة مجموعة قمة العشرين في ديسمبر/كانون الأول 2023، وستنتهي ولايتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وسبق أن قال الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إن "مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات العالم هي حاليّاً المنتدى السياسي والاقتصادي الذي يتمتع بأكبر قدرة على التأثير الإيجابي في الأمور في عالم يتسم بتجدد الصراعات وظهور الكتل الحمائية وتدمير البيئة".
وقبل انعقاد القمة بيوم، نقل موقع "بلومبرغ" الأمريكي عن مصادر مطلعة أن الانقسامات بين دول مجموعة العشرين بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وأوكرانيا، قد يدفع إلى تقليص مجال المناقشات في القمة وتجنُّب القضايا الجيو-سياسية تماماً في بياناتها هذا العام، لكن المراقب لتصريحات القادة المجتمعين يجد أن هذه القضايا كانت من أولويات القمة إلى جانب عدد من الملفات الدولية الأخرى.
غزة في المقدمة
عادة ما يكون الملف الاقتصادي والنظام المالي العالمي هو محور اجتماعات قمة دول العشرين، لكن الحرب الإسرائيلية التي تُشنُّ ضد قطاع غزة كانت في مقدمة القضايا التي نوقشت في القمة، خصوصاً بعد اتهام وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا مجلس الأمن بـ"الشلل" بسبب عجزه عن تبني قرار لوقف الحرب في غزة وأوكرانيا.
وجاء في كلمة ماورو الافتتاحية أن "المؤسسات متعددة الأطراف ليست مجهزة بما يكفي للتعامل مع التحديات الحالية، كما يتضح من الشلل غير المقبول لمجلس الأمن بشأن النزاعات الجارية، هذا التقاعس يسبب خسائر في الأرواح البشرية".
بدورها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، أهمية التوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة لإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين.
ولم يكن الوزير البرازيلي الوحيد الذي دعا إلى إصلاح مجلس الأمن، إذ شاطره الموقف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي أكد أن مجلس الأمن الدولي "فشل في اتخاذ خطوات"، بشأن عديد من القضايا، وفي مقدمتها قطاع غزة.
وفي ختام الاجتماع، أكد وزير الخارجية البرازيلي أن المشاركين أجمعوا تقريباً على دعمهم حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وذكر ماورو أن جميع أعضاء المجموعة التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم سلطوا الضوء على المخاوف بشأن الحرب في غزة وخطر اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.
من ناحيته، قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن "القاسم المشترك هو أنه لن يوجد سلام أو أمن مستدام لإسرائيل ما لم يكن لدى الفلسطينيين أفق سياسي واضح لبناء دولتهم الخاصة".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في الخارجية البرازيلية أن كل وزير من المشاركين في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين عبّر عن دعمه حل الدولتين، و"أن عدد هؤلاء الوزراء كبير".
ضغط تركي لوقف الحرب
لفت الانتباه إلى المأساة الإنسانية في غزة، ودعوة المجتمع الدولي إلى إرساء وقف عاجل لإطلاق النار إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، من أبرز المحاور التي ناقشها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مع الوزراء والمسؤولين على هامش اجتماع وزراء خارجية قمة العشرين، وفق وكالة الأناضول.
وفي هذا السياق، التقى فيدان في 21 فبراير/شباط مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، وقالت مصادر دبلوماسية تركية إن الوزيرين تبادلا وجهات النظر حول الخطوات التي يجب اتخاذها لضمان وقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن.
وعقد فيدان في 22 من فبراير/شباط لقائين منفصلين مع نظيريه السعودي فيصل بن فرحان، والفرنسي ستيفان سيجورني، وبحث معهما الخطوات التي يمكن أن تتخذها دول المنطقة من أجل وقف إطلاق فوري في غزة، وحل الدولتين.
وإلى جانب اجتماعه مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، التقى الوزير التركي بوزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا ناليدي باندور، وذكرت مصادر دبلوماسية للأناضول أنّ فيدان أكد دعم بلاده جنوب إفريقيا في الدعوى القضائية التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
كما التقى الوزير التركي مع نظيره المصري سامح شكري وبحث معه الوضع بقطاع غزة والإجراءات الواجب اتخاذها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين.
الحرب الروسية- الأوكرانية
رغم مساعي الدول الغربية لإدانة الحرب الروسية-الأوكرانية، انتهت القمة الأخيرة لمجموعة العشرين ببيان يدين استخدام القوة، لكنه لم يذكُر صراحة روسيا التي تقيم علاقات ودية مع الهند والبرازيل، من بين أعضاء آخرين.
من ناحيته، قال وزير الخارجية البرازيلي إن "دولاً مختلفة" في اجتماع مجموعة العشرين كررت إدانتها الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي ما يتعلق بأوكرانيا، قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنه "لا يرى أي مؤشر على قبول روسيا وقف إطلاق النار"، مضيفاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يريد مواصلة هذه الحرب".
"ضغط دبلوماسي"
وحول دور هذه القمة في إنهاء النزاعات الدولية، يقول مسلم عمران، الباحث في العلاقات الدولية إنه "رغم أهمية قمة العشرين، فإنها لا تشكل المنصة الرئيسية لنقاش قضايا الأمن والصراع والدولي، فهي في النهاية منصة مهتمة بالقضايا الاقتصادية بالمقام الأول".
ويضيف عمران لـTRT عربي: "رغم أن قضية غزة وأوكرانيا تتصدر أجندة النقاش خلال القمة، فإن ديناميكيات القمة وتركيز الأطراف فيها سيستمر على الملف الاقتصادي في المقام الأول".
ويرى عمران أن "هذه القمة تمثل فرصة للبرازيل ودول البريكس لممارسة الضغط الدبلوماسي الناعم على الولايات المتحدة لتليين موقفها، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة".
ويشير إلى أن البرازيل هي المضيفة لهذه القمة، خصوصاً في ظل حكومة يسارية مناهضة لسياسات الهيمنة الدولية بقيادة الرئيس لولا.
إصلاح المنظمات الدولية
وكانت قضية إصلاح المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، من الملفات البارزة التي نوقشت في هذه القمة، بعد فشل المجلس بإصدار قرار يوقف الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وفشله قبل ذلك في وقف الحرب الروسية الأوكرانية.
وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية التركي في كلمة له في ندوة حملت اسم "إصلاح الحوكمة العالمية"، إذ أوضح أن " العالم في حاجة إلى مؤسسات قوية متعددة الأطراف، وآليات حوكمة عالمية فاعلة، للتغلب على التوترات الجيو-سياسية في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب".
ولفت فيدان إلى أن مجلس الأمن الدولي، بفشله في اتخاذ زمام المبادرة في عديد من القضايا، خصوصاً بشأن ما يجري في قطاع غزة، "زعزع احترام منظومة الأمم المتحدة بأكملها".
من ناحيته، أوضح وزير الخارجية البرازيلي فييرا، في كلمته الافتتاحية أن "المنظمات متعددة الأطراف ليست مستعدة بالقدر الكافي لمواجهة التحديات الحالية، فيما مجلس الأمن الدولي لم يكن فعالاً في حل النزاعات في روسيا".
وحظي سعي البرازيل لتمثيل أكبر في مجلس أمن موسع بدعم وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا، رغم صعوبة تحقيق توافق في الآراء حول هذا الأمر.
وقالت خلال الاجتماع، حسب المتحدث الصحفي باسمها، إن "مجلس الأمن في حاجة إلى التكيف مع التحول الجيو-سياسي وأن يكون أكثر كفاءة في عالم متغير، فالمجتمع الدولي يواجه أزمات متعددة".
وقال الدبلوماسي ماوريسيو ليريو، ممثل البرازيل في مجموعة العشرين، للصحفيين: "نعيش في عالم بلا حوكمة وتنتشر فيه الصراعات بشكل غير مسبوق، نفتقر إلى الحوكمة للتعامل مع التحديات العالمية".
إصلاح النظام المالي العالمي
وانتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال الاجتماع الوزاري سياسة المنظمات المالية الدولية، متهماً إياها بتقديم الدعم المالي لتغطية الاحتياجات العسكري لأوكرانيا بدل التركيز على خطط التنمية.
وعبّر لافروف عن هذه السياسة، وقال إن "الأولوية المطلقة في هياكل مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي، تُعطى الآن للاحتياجات العسكرية وغيرها من احتياجات كييف".
وفي السياق ذاته، أوضح وزير الخارجية التركي في أثناء الاجتماع، أن النظام المالي الدولي "يجب أن يكون شاملاً حقّاً، وقائماً على القواعد، وأكثر شفافية واستدامة".
وأكد فيدان أن "المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف يجب أن تتبنى سياسات مناسبة للبلدان النامية وأقل البلدان نموّاً، من أجل سد الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية".
يُشار إلى أن مجموعة العشرين هي منتدى حكومي دولي يهتم في المقام الأول بالقضايا الاقتصادية، ويضم أكبر عشرين اقتصاداً على مستوى العالم، وفي عضويته 19 دولة فضلاً عن الاتحاد الأوروبي.