تابعنا
مرت سنوات من الهدوء في بغداد بعد معركة طاحنة هزم بها العراق تنظيم داعش الإرهابي، ليصحو البغداديون على صوت انفجارٍ مدوٍّ أمس في قلب بغداد بساحة الطيران تسبب بوقوع عشرات القتلى والجرحى جراء تفجير انتحاري مزدوج.

تنامت التكهنات حول الجهات التي قد تكون مستفيدة من هذا التفجير بهذا الوقت. وفي السابق وقع تفجيران بساحة الطيران في جهة الرصافة ببغداد صباح 15 يناير/كانون الثاني 2018 وأسفرا عن مقتل 38 شخصاً على الأقل وإصابة 105 قبل 6 أشهر من الانتخابات البرلمانية العراقية.

ولا يختلف تفجير 2018 كثيراً عن 2021 إذ سقط عشرات بين جريح وقتيل جراء تفجيرين انتحاريين بسوقٍ ألبسة مستخدمة قبل أشهر أيضاً من الانتخابات المبكرة العامة في العراق.

ويقصد ساحة الطيران عموماً الفقراء من العراقيين وذوو الدخل المحدود والباعة المتجولين لذلك دائماً تكون مستهدفة بسبب اكتظاظ الناس فيها، إذ قال الصحفي العراقي سيف صلاح في تدوينة له على تويتر: "‏‎#ساحة_الطيران هي ساحة الكسبة الباحثين عن الرزق الحلال أو المتبضعين للمواد رخيصة الثمن، يجري استهدافها دائماً لوجود المعوزين هناك وكثرتهم! ليقع عدد أكبر من الضحايا ولإحداث صدمة مروعة ولتصل رسالة هذا الطرف إلى ذاك.

وقال شهود عيان إن سيارات الإسعاف لم تسارع وفق ما تقتضيه الحاجة إلى مساعدة الجرحى فاضطروا إلى نقلهم باستخدام عربات خشبية يستعملها عادة الباعة المتجولون. وبلغت بذلك حصيلة ضحايا الانفجار 32 قتيلاً و110 جرحى حسب تصريح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة العراقية لـTRT عربي أمس.

يعتقد مراقبون أن هذه التفجيرات تقف خلفها أطراف تسعى لشحن الخطاب الطائفي واستثماره انتخابياً، إذ أكد عمر الجنابي وهو صحفي وقانوني عراقي بحديثه لـTRT عربي أنه ومع "اقتراب الانتخابات وبعد أي تفجير تظهر أصوات نشاز، فتتهم جهات عدوة لها وتنشر صوراً مفبركة وبيانات لاتهام شخصيات أو دول أياً كانت الأسماء لتصفية حسابات سياسية معينة".

ويستغرب الجنابي مسارعة اتهام جهة أو طرف معين من دون انتهاء التحقيقات وعرض النتائج أو إجراء تحليل DNA أو تحقيقات جنائية أو غيرها من إجراءات التحقيق بأي جريمة شبيهة بجريمة ساحة الطيران.

واستغرب الجنابي أن يتهم "القيادي في الحشد الشعبي جواد الطليباوي بتصريحاته السعودية فوراً معتبراً إياها الجهة التي تقف خلف الحادثة". وأكد وجود "آخرين كذلك يؤججون بنفس الخطاب الطائفي"، مستغرباً "تزامن التفجيرات الدامية مع تصاعد الخطاب الطائفي"، ويحمِّل الجنابي "الحكومة العراقية والقوات الأمنية مسؤولية الفوضى الإعلامية وتأجيج الجيوش الإلكترونية لخطاب طائفي لأنها لم تحارب التطرف وتتصدى للجماعات التابعة لإيران التي تروج لصراع طائفي" حسب تعبيره. وقد حاولت TRT عربي التواصل مع الطليباوي لأخذ تصريحاته حول التفجير ولكن من دون رد.

وفي تدوينة له عبر تويتر قال الصحفي العراقي شاهو القرة داغي: ''من يُسهل تحركات الإرهابيين مقابل المال من السهل أن يتعاون مع تنفيذ جرائم إرهابية لاحقاً. ما دامت توجد حصانة للمليشيات فهذا يعني استمرار الاختراقات الأمنية وأعمال العنف".

وعلى صعيدٍ حكومي ‏أمر رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي ببيان رسمي فتح تحقيق على الفور، للوقوف على أسباب حدوث هذا الخرق الأمني وملاحقة الخلايا الإرهابية التي سهّلت مرور الإرهابيين وارتكابهم هذه الجريمة.

‏وأكد أن الاستهداف الإرهابي كان للمدنيين من العراقيين وأن المعركة ضد الإرهاب مستمرة طويلة الأمد وأنه لا تراجع ولا تهاون بمحاربته والنيل من بقاياه في كل شبر من أرض العراق.

وفي السياق ذاته أجرى رئيس الوزراء العراقي مجموعة من التغييرات في المناصب الأمنية، إلا أن هذا الإجراء لم يُرض الشارع ووصفه ناشطون بالمتخاذل والضعيف.

وبهذا الصدد قال الناشط المدني حيدر جواد بحديث لـTRT عربي: "المنظومة الأمنية مخترقة بالكامل، وتغيير في المناصب لن يؤثر إن كانت داعش من نفذت. فكيف وصلت إلى بغداد لو لم يكن يوجد تعاون، وإن كانت المليشيات هي الفاعلة فإن أغلب المنظومة الأمنية إن لم يكن كلها بيدهم وهنا نتأكد من جديد أن المليشيات أقوى من الدولة ولا أحد يستطيع وقفها".

ألا يزال داعش نشطاً؟

من جانبه أكد الكاتب والمحلل السياسي سجاد جياد لـTRT عربي أن "التفجيرات الانتحارية المزدوجة بأحزمة ناسفة بمناطق مدنية مزدحمة هو ما فعلته داعش مرات عدة في الماضي ولم تفعله أي جماعة أخرى، لذا أغلب الأدلة توحي بأن داعش متهمة بتفجير ساحة الطيران".

ويكمل جياد حديثه قائلاً: "لم تحدث التفجيرات الانتحارية في العاصمة منذ أكثر من 3 سنوات حتى الآن، وقد اعتاد الناس على تحسُّن مستوى الأمن منذ هزيمة داعش على الأرض. فداعش يحاول تقويض النظام السياسي والحكومة ويصعِّد حملته الإرهابية بفترات الانتخابات وبالتالي من المهم الضغط على أجهزة المخابرات لاقتلاع خلايا داعش ومنع مثل هذه الهجمات".

ويفسر جياد اعتقاده أن داعش الجهة المنفذة بالقول: "داعش الإرهابي يسعى لإظهار أنه لا يزال نشطاً قادراً على تقويض الدولة العراقية"، ويتوقع أن تكون قادرة على التجنيد لقضيتها مستقبلاً.

وأدانت معظم سفارات الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة يونامي الهجوم الإرهابي فقال السفير البريطاني ستيفن هيكس في تدوينة له على تويتر: "‏أدين الهجوم الإرهابي المروع الذي وقع اليوم ‎ببغداد ضد المدنيين الأبرياء. دعواتي لعائلات الضحايا".

وأكد أن "المملكة المتحدة تقف إلى جانب الشعب العراقي والحكومة بحربهم ضد الإرهاب، وسيتواصل الدعم لقوات الأمن العراقية، بما في ذلك من خلال التحالف الدولي".

بهذا السياق قال مسؤول بريطاني رفيع المستوى بتصريح خاص إنه لا يعتقد أن أي شخص يعرف الغرض من هجوم اليوم ومن الصعب دائماً فهم ما يمكن دفع أي شخص إلى قتل مدنيين أبرياء بهذه الطريقة، ولا يعرف حتى الآن من المسؤول رغم أن الهجوم يحمل بصمات داعش.

وفي حديث لـTRT عربي مع مسؤول بريطاني فضَّل عدم ذكر اسمه قال إن "سفارة المملكة المتحدة في العراق لا تشعر بأنها مستهدفة بشكل خاص، فنحن محظوظون لأننا نتمتع بأمن جيد وقد عانينا أقل بكثير على أيدي هؤلاء الإرهابيين من الشعب العراقي، إن أفكارنا وصلواتنا مع أولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بهجمات اليوم المروعة" حسب تعبيره.

وقال محمد عمار وهو مواطن من بغداد كان بموقع الحادث لـTRT عربي: "دمنا رخيص ولا أحد يهتم لوجعنا. سيبقى العراقيون يضحُّون ويُقتلون وستبقى الأحزاب متسلطة على رقابنا".

ويتساءل عمار من "القاتل؟ ومن المستفيد؟ فإن كان داعش فكيف دخل قلب العاصمة بغداد والقوات الأمنية منتشرة بكل بقعة من العراق؟ إذن يوجد تواطؤ ولا تفسير آخر. وإن كانت المليشيات فإن الدولة متخاذلة وضعيفة وتستهين بدم العراقيين. كلهم مستعدون لقتلنا لأجل مصالحهم".

TRT عربي