لا خرائط لجريمة فرنسا النووية.. كيف يواجه الجزائريون مخاطر الكارثة البيئية؟ (Getty Images)
تابعنا

بعد أكثر من 60 عاماً على إجراء آخرها، لا تزال فرنسا ترفض تسليم خرائط تجاربها النووية بصحراء الجزائر. فيما يواجه سكَّان تلك المناطق كارثة بيئيَّة تهدد حياتهم، ويزيدها خطراً عزم الحكومة استغلال حقول الغاز الصخري المعروف بنسب تلويثه العالية.

في مثل هذا اليوم عام 1962 أعلنت الجزائر نهاية 130 سنة عاشتها البلاد تحت نير الاحتلال الفرنسي، محرزة استقلالها عنه بقوة ثورة تحرُّر وطني اندلعت قبلها بثمانية أعوام. بينما وبعد 59 سنة من الحرية واقع الحال يقول بأن جرائم الاستعمار لم تنتهِ بعد، لا تزال قائمة تهدد حياة الناس بخطرٍ غير مرئي ناتج عن التجارب النووية التي نفَّذتها سلطات باريس في الصحراء الجزائريَّة التي لا يزال تأثيرها قائماً إلى اليوم يودي بحياة الآلاف من أصحاب الأرض.

فيما تواصل فرنسا رفضها الاعتذار عن هذه الجرائم الفادحة، بل وتمتنع حتى عن مد يد العون لمحاصرة الخطر الإشعاعي، حسب ما أورد وزير المجاهدين الجزائري.

لا خرائط للجريمة..

بالتزامن مع ذكرى استقلال البلاد التي تصادف يوم 5 يوليو/حزيران من كلِّ سنة عاد إلى الصعود مجدداً ملف التجارب النووية الفرنسية بصحراء الجزائر. هذا كان على لسان وزير مجاهديها الطيب زيتوني الذي صرَّح الأحد في مقابلة له مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية كاشفاً أن فرنسا لا تزال ترفض تسليم بلاده خرائط تفجيرات نووية أجرتها خلال ستينيات القرن الماضي.

وقال زيتوني إن: "الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة المشعة أو الكيمياوية غير المكتشفة حتى اليوم". مضيفاً أنه: "من الناحية التقنية لم تقدم فرنسا (حتى اليوم) أية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة، ولا بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين". وشدَّد على أن تلك "التفجيرات النووية الاستعمارية تعدّ من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".

بالنسبة إلى الجزائر فإنها تعتبر الأمر تفجيرات نووية بينما تعتبره فرنسا مجرَّد تجارب، فيما يبلغ تعدادها نحو 17 تجربة أقامت على أساسها فرنسا برنامج سلاحها النووي وامتدت في الفترة بين 1960 و1967، منها 11 تجربة جرت بعد حصول البلاد على استقلالها، أودت بحياة أزيد من 42 ألف مواطن.

ووفقاً لتقديرات اللجنة الفرنسية التابعة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية فإن نفايات مشعَّة تعادل 3 آلاف طن من مخلفات تلك التجارب لا تزال مدفونة في الرمال، كما لا تزال الإشعاعات التي تتسرب منها تشكل خطراً على البيئة والسكان والمحاصيل والماشية. ولم تكشف الحكومة الفرنسية إلى اليوم عن أماكن وجود هذه النفايات المشعة لتحاصر الحكومة الجزائرية خطرها.

مشروع الغاز الصخري.. خطر جديد

في مقال نشرته سابقاً مجلة إيكونوميست تعود من خلاله إلى "ميراث التجارب النووية الفرنسي بالجزائر" كما يبرز ذلك عنوانه. وتبدأ رحلتها من شخصية عبد الكريم التهامي الذي كان لا يزال مراهقاً عندما طلب المسؤولون الفرنسيون في الجزائر أول مايو/أيار 1962 منه ومن جيرانه مغادرة منازلهم في مدينة تامنراست الجنوبية، إجراءً احترازياً لتجربتها تفجير قنبلة نووية بمنطقته.

التهامي اليوم على رأس منظمة "تاوريريت" التي أسسها سنة 2011 بهدف رصد مواقع النفايات النووية الناتجة عن تلك التجارب وتحديدها، يوضح عبر مقال المجلة الدولية المذكورة أن كل ما تتوفر عليه منظَّمته هو جرد المواد الملوثة المدفونة في مكان ما في الصحراء، فيما تبقى مواقع الاختبار المعروفة مؤمنة بشكل سيئ من قبل السلطات. هذا ويضغط نشطاء آخرون على فرنسا من أجل تعويض الضحايا ويقولون إنه: "جرى إحراز بعض التقدم في هذا الاتجاه لكن ليس بالقدر الكافي".

هذا وليس الخطر الإشعاعي هو الوحيد الذي ينغص حياة سكان الصحراء الجزائرية بل يوجد خطر بيئي كامن في عزم الحكومة استغلال احتياطيات الغاز الصخري الذي تتوفر عليه المنطقة، العملية التي تستهلك الكثير من الموارد المائية فيما يعرف بـ"التكسير الهيدروليكي"، كما تلوِّث الفرشات المائية للمنطقة التي تعد أحد أكثر بقاع الأرض جفافاً.

يذكر أن الحكومة الجزائرية واجهت مقاومة شعبية كبيرة لمشروع استغلال الغاز الصخري، إذ عرفت مدن الجنوب الجزائري انتفاضات شعبية دفعت مسؤولي العاصمة إلى التراجع المؤقت على المشروع. فيما لا يزال الحديث عنه يثار بردهات قصر المرادية بين الفينة والأخرى.

TRT عربي