تابعنا
مع التهديدات المستمرة لجيش الاحتلال والاقتحام البرّي الذي نفّذه وصعوبة التنقل وكثافة القصف منذ 7 من أكتوبر الماضي، لم يستطع معظم النازحين أخذ حاجياتهم الأساسية معهم من كساء ودواء وأدوات شخصية، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة والأمطار في فصل الشتاء.

"فرحنا عند إعلان الهدنة وقلنا أخيراً سنعود إلى منازلنا. أما الآن، بعد عودة القصف، نشعر بالخوف والرعب. أمورنا صعبة جداً وأولادنا الشهداء ما زالوا تحت الركام".

بهذه الكلمات تصف الحاجّة نعيمة دغمش من سكان غزة مخاوفها بعد استئناف الاحتلال الإسرائيلي القصف إثر انتهاء الهدنة الإنسانية منذ الأول من ديسمبر/كانون الأول التي أعطت هدوءاً مؤقتاً في 7 أيام لسكان القطاع بعد 48 يوماً من القصف المستمر.

ومع دخول الحرب يومها الـ58 وتكثيف القصف الجوي على القطاع، لم يعد هناك مكان آمن لا شمالاً ولا جنوباً، إذ أكد نازحون لجؤوا إلى جنوبي القطاع في وقت سابق من الحرب أنه ليس لديهم الآن مكان آمن يذهبون إليه.

ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه بكثافة على مناطق متفرقة من القطاع بعد ثلاثة أيام من انتهاء الهدنة، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات، إذ استشهد أكثر من 700 شخص خلال الساعات الـ24 الماضية فقط، ووصلت حصيلة الشهداء الكاملة إلى 15 ألفاً و523 شخصاً، حسب وزارة الصحة في غزة.

أسرة فلسطينية نازحة من شمال قطاع غزة تستخدم عربة يجرها حمار بسبب شح الوقود (TRT Arabi)

"لا مأوى إلّا فوق الردم"

الحاجة نعيمة الموجودة الآن في منطقة دير البلح كانت نزحت من حي الصبرة السكني مع عشرات النساء، وتوفي سبعة رجال من عائلتها، منهم زوجها، وبقي لديها ابن واحد ما زال في مدينة غزة تتمنى رؤيته سالماً، إذ تعبّر عن ألمها بما ألمَّ بعائلتها من مصاب بقولها "قصفوا الجامع علينا يمّة".

وعن ظروف نزوحها تقول لـTRT عربي: "نزحت مع عشرات النساء اللواتي استشهد أزواجهن، فمن منطقتي فقط استشهد أكثر من 300 رجل، عدا الأطفال والنساء. اليوم قبل غد أود العودة إلى منزلي، لكننا نخشى القصف".

أما النازح من منطقة المخابرات شمال غرب غزة عطا ناصر أبو خضر، يصف بدوره ما شاهده من دمار "غير معقول" على طريق شارع صلاح الدين. ويقول: "كانت رحلة النزوح صعبة جداً، والدمار مهول، كان معنا نساء منهم حوامل، وأطفال قطعوا مسافات طويلة مشياً على أقدامهم، إذ كانت الدبابات على جانبي الطريق مما أرعب أطفالنا".

يعرب الرجل في حديثه لـTRT عربي عن قلقه وتخوّفه من عودة الحرب بشكل أعنف الآن، كما لا يعلم إلى أين سيعود بالضبط كون منطقته "ممسوحة مسحاً" على حد قوله بإشارة إلى دمار الأبنية والمنازل.

ويردف: "حتى لو انتهت الحرب وعدنا فلا مأوى يأوينا إلّا فوق الردم، غزة أصبحت غير صالحة للسكن".

ومع التهديدات المستمرة لجيش الاحتلال والاقتحام البرّي الذي نفّذه وصعوبة التنقل وكثافة القصف منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يستطع معظم النازحين أخذ حاجياتهم الأساسية معهم من كساء ودواء وأدوات شخصية، بخاصة مع انخفاض درجات الحرارة والأمطار في فصل الشتاء.

مجموعة من العائلات النازحة من الشمال رفقة أطفالها في قطاع غزة الذي يتعرض لعملية عسكرية من الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (TRT Arabi)

سحق لأشكال الحياة

وفق تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنه على مدار 48 ساعة من انهيار الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة واستئناف الهجمات الجوية والبحرية والبرية على السكان في سلسلة واسعة من الغارات غير المتناسبة،عادت إسرائيل بكثافة نيران أقوى مصحوبة بالإعلان عن خطة تهجير قسري من مناطق جديدة في جنوبي قطاع غزة.

وأضاف التقرير أن إسرائيل "تسحق كل أشكال الحياة المدنية في غزة وتعيد السكان إلى مرحلة ما قبل النهضة الصناعية، فيما تحيل القطاع، بما في ذلك المنازل والمصانع والشركات والبنى التحتية، إلى أكوام من الركام".

واليوم الأحد 3 من ديسمبر/كانون الأول، طلب الاحتلال الإسرائيلي من سكان مدينة خان يونس الواقعة في الشق الجنوبي من قطاع غزة، التوجه إلى رفح أقصى جنوب القطاع، كما أعلن خانيونس منطقةَ عمليات عسكرية، ما دفع عشرات الآلاف من سكان المدينة والنازحين من مدينة غزة وشمالها إلى المغادرة باتجاه رفح.

وأصبحت مدينة رفح مليئة بأعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين قدموا من مختلف مناطق قطاع غزة، ويتكدسون في الشوارع والطرقات، كما أصبحت المدارس ومراكز الإيواء تعاني من القدرة الاستيعابية لأعداد النازحين.

وحسب ما رصدته TRT عربي يمثل التخوف الأكبر عند هؤلاء النازحين أن تسعى إسرائيل إلى دفع المواطنين الفلسطينيين للتوجه إلى منطقة الجدار الذي يفصل رفح الفلسطينية عن مصر ما يعني تهجيراً قسرياً.

وكان المتحدث باسم الجيش للإعلام العربي أفيخاي أدرعي دعا سكان خانيونس من أحياء المحطة، والكتيبة، وحمد، والسطر، وبني سهيلا ومعن، إلى إخلاء منازلهم "حفاظاً على سلامتهم".

وحث سكان هذه الأحياء على الانتقال إلى مآوي النازحين المعروفة في أحياء الفخاري والشابورة والزهور وتل السلطان، إذ نشر أدرعي خارطة لما أسماها "مناطق الإخلاء"، قّسم بموجبها قطاع غزة إلى "بلوكات" تمهيداً لمرحلة جديدة من الحرب حدد من خلالها الأماكن التي سيستهدفها بما يسمح للسكان بمغادرتها مسبقاً.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يصل إلى 1.8 مليون شخص في غزة، أي ما يقارب 80٪ من السكان، أصبحوا نازحين داخلياً. إذ جرى تسجيل ما يقرب من 1.1 مليون نازح في 156 منشأة تابعة لـ "أونروا" في جميع أنحاء غزة، منهم حوالي 86% مسجلون في 99 ملجأ لـ"أونروا" في الجنوب. ويقدر أن 191 ألف نازح آخر يقيمون في 124 مدرسة عامة ومستشفى، وكذلك في أماكن أخرى مثل قاعات الزفاف والمكاتب والمراكز المجتمعية، بينما تستضيف العائلات ذويهم من النازحين.

سيدة فلسطينية من مخيم الشاطئ نزحت لتقيم في إحدى الخيام وسط غزة تغسل الملابس يدوياً (TRT Arabi)

اعتقالات وإعدامات على طريق النزوح

كانت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" قد أفادت عن وجود حواجز إسرائيلية واعتقالات على طريق النازحين من شمال غزة نحو الجنوب، إذ تحدثت سيدة عن اعتقال الجيش الإسرائيلي ولدها الوحيد وطالبت بإتاحة الوصول إلى معلومات عنه ما إن كان حياً أو متوفياً.

تكرُّر هذه العمليات عبر ممر النزوح الذي ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه "آمن" بين شمال قطاع غزة وجنوبه جعل العديد من سكان القطّاع يفضلون البقاء في منازلهم على مواجهة مصير الاعتقال أو الإعدام.

ويؤكد أبو صالح النازح من بيت لاهيا في حديثه لـTRT عربي وقوع موجة اعتقالات شنها الاحتلال في الفترة بين 21 و22 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وينقل قصة امرأة نازحة من الشمال خضعت للتفتيش، إذ كانت تحمل حقيبة طلب الاحتلال منها أن تفتحها ثم طلب منها أن تتجرد من ملابسها لكن عند رفضها تم اعتقالها هي وزوجها.

بدوره، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان نقلاً عن شهادات لنازحين فلسطينيين بتحويل إسرائيل ممر النزوح المعلن في غزة إلى "مصيدة قتل واعتقال"، فضلاً عن عمليات تنكيل ممنهجة وواسعة النطاق والأشكال.

وقال المرصد إن الحديث من قبل الجيش الإسرائيلي عن ممر آمن لخروج النازحين هو جزء من تكتيكاته العسكرية التي يستخدمها للنيل من المدنيين الفلسطينيين.

عائلة فلسطينية تنزح من مدينة غزة نحو جنوب وادي غزة (TRT Arabi)

احتياجات متزايدة

محمد أبو عويمر من لجنة إدارة شؤون النازحين بمستشفى شهداء الأقصى يوضح لـTRT عربي أن "النازحين يعانون ظروفاً صعبة والاحتياجات التي تنقصهم كثيرة جداً مثل الغذاء اليومي، والاحتياجات المعيشية في أماكن وجودهم في وقت الأمطار والمنخفضات الجوية".

وحول توفير احتياجات النازحين، يقول أبو عويمر: "نوفر الاحتياجات من قوافل المساعدات التي تدخل غزة من معبر رفح، لكنها قليلة ولا تكفي، ومن مؤسسات مجتمعية ومبادرات فردية من داخل غزة وخارجها وما تبقى نشتريه من السوق المحلية بما يتاح لنا".

من جهته، يشير إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إلى أن "القطاع في كارثة إنسانية حقيقية ومتفاقمة بسبب تدمير جيش الاحتلال لأكثر من 60% من منازل المواطنين ووحداتهم السكنية التي يعيشون فيها، وبخاصة في محافظتي غزة وشمال غزة، إذ تأتي هذه الكارثة بالتزامن مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس وهطول الأمطار وصعوبة الحصول على بيوت للمأوى".

ويؤكد الثوابتة لـTRT عربي أن "أكثر من 300 ألف وحدة سكنية جرى استهدافها، منها 50 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال تدميراً كلياً، و250 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال تدميراً جزئياً وبحاجة إلى بناء وترميم".

وناشد الثوابتة المجتمع الدولي ضرورة وضع خطة إنقاذ عاجلة من أجل إيجاد حلول إنسانية سريعة تعمل على إيواء أكثر من 300 ألف أسرة أصبحت في الشوارع وليس لها مأوى، كما أعرب عن خشيته من أن تتفاقم الحالة الإنسانية وتزداد صعوبة بسبب عدم وجود مأوى لمئات الآلاف من الأسر والعائلات.

بدورها أوضحت القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام والتواصل بوكالة أونروا في غزة، إيناس حمدان، لـ TRT عربي وجود 1.1 مليون نازح في 156 منشأة تابعة للمنظمة.

وقالت إن "الأعداد الكبيرة للنازحين والمرشحة للتزايد بسبب استمرار الحرب تخلق ضغطاً شديداً على مرافق مراكز الإيواء، حيث يتشارك ما لا يقل عن 4.500 شخص في وحدة استحمام واحدة".

وأكدت المسؤولة أن "مراكز الإيواء تحتضن نازحين بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية على الأقل بأربع مرات، كذلك المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة لا تكفي الاحتياجات المستمرة والمتزايدة للنازحين ودخول فصل الشتاء يضع المزيد من العبء على أونروا إذ لابد من توفير الأغطية والفراش والخيم وشوادر النايلون بالإضافة إلى الملابس الشتوية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً