جنود من الجيش الجزائري على الحدود مع مالي / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

اتفق قادة أركان جيوش الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر على إعادة تفعيل نشاط لجنة الأركان العملياتية المشتركة للحدّ من نشاطات الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة بمنطقة الساحل الإفريقي.

وهي خطوة من شأنها إعادة الدور الميداني لهذا التكتل الأمني الذي يمكن أن يشكّل بديلاً حقيقياً لـ"مجموعة الخمس" لدول الساحل التي أنشأتها فرنسا، وبالخصوص مع تراجع نفوذ باريس في المنطقة وتزايد الاحتجاجات المطالبة بمغادرة القوات الفرنسية القارة الإفريقية، باعتبارها قوة استعمار لا قوة دعم ومساعدة.

وتراجع دور لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي أُسست عام 2010 منذ التدخل الفرنسي في مالي في يناير/كانون الثاني 2013، بالنظر إلى سعي باريس لتقييد عمل هذا التكتل ومحاولة إيجاد بديل له بتأسيس مجموعة الخمس في 2017، لكنّ تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة يفتح المجال لعودة هذه اللجنة للقيام بالمهمة المنوطة بها، وإمكانية توسيعها لتشمل دولاً أخرى بهدف تحقيق الأمن بإحدى أكبر المناطق الساخنة في إفريقيا.

ديناميكية جديدة

في 13 أكتوبر/تشرين أول الماضي، احتضنت الجزائر الدورة غير العادية لمجلس رؤساء أركان الدول الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة لدول الساحل التي تضمّ أيضاً مالي والنيجر وموريتانيا، ويقع مقر هذه اللجنة بولاية تمنراست الجزائرية في أقصى جنوب البلاد على الحدود مع مالي والنيجر اللتين تشهدان تحركات متواصلة للجماعات المتطرفة.

وقالت وزارة الدفاع الجزائرية إن الاجتماع يندرج "في إطار مبادرة جزائرية تهدف لإعطاء ديناميكية جديدة وفعالية للتعاون والتنسيق العملياتي بين الدول الأعضاء، من خلال مناقشة والتوقيع على مشاريع نصوص قانونية جديدة، وكذا فرصة لتبادل وجهات النظر والتقييمات حول الوضع الأمني السائد في المنطقة".

وقال رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة إنّ "الهدف الأسمى لهذا الاجتماع، هو ترجمة تطلعات شعوبنا إلى السلّم والأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، وذلك عبر أعمال مدروسة، تهدف أساساً، إلى احتواء نشاطات الجماعات الإرهابية والإجرامية".

وأضاف شنقريحة أن اجتماع الجزائر "سيساهم، بكل الفعالية المطلوبة، في إعادة تنشيط لجنة الأركان العملياتية المشتركة من خلال إعادة تكييف مهامها وتنظيمها، بغرض ضمان نجاعتها ودوامها، وتقريب وجهات نظرنا، وتوحيد جهودنا لضمان أمن المنطقة".

ومنذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2019، عمل على إعادة بعث الدور الجزائري في المنطقة الإفريقية، وبالخصوص في دول الساحل التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني.

وأقرّ تبون في التعديل الدستوري الذي أجراه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مادة تسمح بمشاركة الجيش الجزائري في عمليات خارج الحدود، وفق شروط مقيّدة جداً تستدعي موافقة البرلمان بغرفتيه، وهي المادة التي اعتبرها البعض تحولاً كبيراً في نظرة الجيش الجزائري لحلّ أزمات المنطقة، وهو الذي كان يرفض أي محاربة لقواته خارج الحدود.

وأرادت الجزائر من هذا الاجتماع توجيه رسالة دعم لجيرانها، وكذا رسالة بالعودة إلى المنطقة للفاعلين الدوليين بالساحل، فقد استقبل الرئيس تبون على هامش الاجتماع قادة أركان جيوش موريتانيا ومالي والنيجر وسفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفير ألمانيا المعتمدين بالجزائر والمنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة وممثل الاتحاد الإفريقي بالجزائر للحديث عن الوضع في منطقة الساحل.

وحرص تبون على توجيه رسالة وحيدة لهذه الأطراف أن بلاده ترفض التدخل الأجنبي في منطقة الساحل.

ويتمثل التدخل الأجنبي في منطقة الساحل بالخصوص في الوجود الفرنسي المدعوم بقوات عسكرية لدول الاتحاد الأوروبي تعطي شرعية لتحركاتها العسكرية من الغطاء الأممي الذي تنشط تحت لوائه، إضافة إلى قوات روسية تتمثل في عناصر تابعة لمجموعة "فاغنر"، ووجود أمريكي عسكري عبر قوات "أفريكوم".

وقال تبون إن "الجزائر تسعى دائماً للمساهمة في إرساء موجبات الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، وهي المساعي القائمة أساساً على مبدأ رفض التدخل الأجنبي، وتشجيع الحوار الداخلي، والحفاظ على الوحدة الترابية والانسجام الوطني للدول".

ودعا تبون المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته في المنطقة طبقاً لقرارات منظمة الأمم المتحدة، لا سيما عبر تقديم المزيد من المرافقة والمساعدة لدول الساحل، قصد المساهمة في تحقيق تنمية مستدامة وتطوير حلول ذاتية كفيلة بتذليل الصعاب والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي تُعدّ أحد الأسباب العميقة والحقيقية لتدهور الوضع الأمني في المنطقة.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور زكريا وهبي لـTRT عربي إن "منطقة الساحل الإفريقي لم تعرف الاستقرار ولم تُحقق الأمن والسّلم بالشكل المطلوب، جراء هشاشة المنظومة الأمنية والاضطرابات السياسية التي تعرفها دول مثل مالي وتشاد والنيجر، مما انعكس بشكل مباشر على تحقيق الأمن بمفهومه الموسّع، لذا جاء اجتماع الجزائر لمناقشة مشاريع قوانين جديدة لآلية التعاون الأمني في إطار إعطاء ديناميكية جديدة للتعاون والتنسيق العملياتي بين الدول الأعضاء".

بديل للإخفاق الفرنسي

في منتصف أغسطس/آب الماضي، أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي، لتُنهي مهمة جيشها في مستعمرتها السابقة بعد تسعة سنوات في إطار قوة برخان العسكرية.

وهو الانسحاب الذي كان منتظراً بعد توتر العلاقات بين باريس وبماكو، وتُرجم في إعلان الأخيرة في 15 مايو/أيار الماضي الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوتها العسكرية المكلفة بقتال الجماعات المسلحة في المنطقة التي تدعمها فرنسا وتضمّ أيضاً موريتانيا وتشاد وبوركينافاسو والنيجر.

ويرى متابعون أن الهزات التي حدثت في مجموعة الخمس تضع لجنة الأركان المشتركة العملياتية في رواق جيد لاستعادة دورها كهيئة مساعدة في محاربة الجماعات المسلحة، والعمل على توفير الأمن بالمنطقة في ظلّ تراجع النفوذ الفرنسي بسبب توسع الاحتجاجات المناهضة له في كلٍ مِن بوركينافاسو والنيجر أيضاً.

وقال الخبير الأمني بن أعمر بن جانة لـTRT عربي إن الذاكرة الجمعية لشعوب المنطقة لا يمكنها أن تنسى ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي هناك، لذلك كان من الطبيعي أن تفشل المقاربة الفرنسية في المنطقة.

ويوضّح الدكتور زكريا وهبي أنّ "الضرورة الأمنية والسياسية تتطلب من دول لجنة الأركان المشتركة العملياتية التنسيق المعلوماتي وتبادل التصورات لمجابهة التهديدات الأمنية، لذلك يُنتظر من هذه اللجنة أن تكون فعّالة في تحقيق الهدف المشترك، لأنّ الواقع أثبت أن التدخلات الخارجية والفرنسية لا تحلّ المعضلة الموجودة بمنطقة الساحل".

وأضاف الدكتور وهبي أن نجاح هذه اللجنة في أن تكون بديلاً حقيقياً للتدخلات الفرنسية يتطلب الحرص على تحقيق "التعاون والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات من خلال هيئة مختصة، مع توسيع النطاق إلى المساهمة في تنمية هذه المناطق بمشاريع استثمارية تقلل من الأزمات الإنسانية".

وتابع أستاذ العلوم السياسية قائلاً إن "التجارب السابقة للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة أثبتت فشلها، ما جعل شعوب المنطقة تدرك أن الحلّ يكون داخلياً مع شركاء إقليميين، لذا توسعت دائرة الوعي والنضج الداخلي لدى شعوب المنطقة الرافضة لفرنسا، بسبب ما خلّفته من دمار وتخريب للمنطقة، ونهب ثرواتها، وأحسن مثال على ذلك، ما تقوم به شركة أريفا في مناجم اليورانيوم على الحدود المالية النيجيرية".

ليس سهلاً

لا يتردد الخبير الأمني الجزائري بن أعمر بن جانة في وصف مهمة لجنة الأركان العملياتية المشتركة بالصعبة، بالنظر إلى أن الدول الفاعلة في المنطقة ومنها فرنسا لن تسمح بتغيّر الأوضاع إلى حال لا تخدم مصالحها، حتى وإن سحبت قواتها من مالي.

وقال بن جانة لـTRT عربي إن "جميع الدول الاستعمارية ومنها فرنسا تعمل على إعاقة أي تقدم لحلّ المشاكل بمنطقة الساحل، لكن بالنظر إلى التحولات الحاصلة في العلاقات الدولية في الفترة الأخيرة، يتوجب على دول الساحل الإفريقي العمل لتصبح مالكة لقرارها السياسي، فحتى مع وصول لاعبين جدد كروسيا والصين لا أعتقد أنهم سيقومون بالسوء الذي قامت به فرنسا في المنطقة، لأنه يمكن الوصول معهم إلى تفاهمات تخدم المنطقة ومصالحهم أيضاً".

ويرى بن جانة أن صعوبة المهمة تفرض على دولة كالجزائر مواصلة جهودها لإرساء الأمن بالمنطقة، وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، وهو ما يظهر في أهمية الوساطة التي تقوم بها في مالي.

ويذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر زكريا وهبي أن الدول الأربع قامت سابقاً بعمل مشترك لرصد التحركات الإرهابية ومراقبة الحدود وحمايتها من عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، لكن رغم ذلك لا يزال اليوم أمام لجنة الأركان العملياتية المشتركة عمل كبير، بالنظر إلى تعقد الأزمات بمنطقة الساحل، وهو العمل الذي تكون فيه المسؤولية كبيرة على الجزائر، بالنظر إلى دورها الإقليمي، وتجربتها وإمكاناتها الكبيرة في مجال الأمن والدفاع.



TRT عربي