أكدت منظمة الصحة العالمية وقوع 200 قتيل على الاٌقل في معارك طرابلس وما حولها (Reuters)
تابعنا

أحدث اللواء المتقاعد خليفة حفتر صدمة للمجتمع الدولي حين أمر قواته بالتوجه نحو العاصمة الليبية طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً معلناً عزمه "تطهيرها من التنظيمات الإرهابية".

أدى هجوم حفتر إلى نسف خطط الأمم المتحدة لعقد مؤتمر وطني حول المستقبل السياسي في ليبيا، وبعد مضي أسابيع على بدء الهجوم لم تجد دعوات المجتمع الدولي أو تحذيراته بوجوب وقف القتال صدىً لدى اللواء المتقاعد الذي يبدو أنه يقف على أرضية صلبة ويستند على دعم من أطراف دولية عدة، وسط تساؤلات عن جدية تلك التحذيرات.

حلبة مجلس الأمن

وقد ذكر دبلوماسيون في الأمم المتحدة أن مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا حول ليبيا وعرضته على الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لم يلق إجماعاً، ويطالب بوقف لإطلاق النار والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال.

وفي وقت لاحق عبّرت كل من الولايات المتحدة وروسيا في جلسة مغلقة بشأن ليبيا، إنه لا يمكنهما تأييد القرار في الوقت الحالي، فروسيا تعترض على القرار لأنه يلقي باللوم على خليفة حفتر في التصعيد الأخير، في حين لم تبين الولايات المتحدة سبب موقفها من القرار.

ويظهر أن الأسرة الدولية ما زالت منقسمة بشأن هجوم قوات اللواء خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس.

ويتطلب صدور أي قرار من مجلس الأمن، البالغ عدد أعضائه 15 دولة، موافقة 9 دول على الأقل شريطة ألا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) حق النقض (الفيتو).

من جانبه كان موقف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة أكثر وضوحاً، إذ اتهم قوات حفتر بشكل مباشر بأنها تحاول تنفيذ انقلاب على الحكومة الشرعية ولا تسعى لمواجهة الارهاب كما تدعي. واعتبر أن إصدار حفتر أوامره لاعتقال رئيس حكومة الوفاق الدولي فائز السراج ومسؤولين آخرين دليل على رغبته في تنفيذ انقلاب عسكري.

وربط المبعوث الأممي البدء بتنفيذ الحل السياسي في حال اقتنعت جميع الأطراف بفشل الحل العسكري. لكنه في الوقت ذاته أكد أن دولاً عديدة تدعم حفتر منذ أكثر من ثلاث سنوات بحجة مواجهته للإرهاب، غير أن هدفه في الحقيقه هو السيطرة على العاصمة طرابلس.

وفي تصريحات أدلى بها الكاتب السياسي المختص بالشأن الليبي محمد فؤاد لـ TRT عربي قال إن "ردود الفعل الدولية على هجوم حفتر على طرابلس كانت مخيبة للآمال، حتى إن رد فعل الأمم المتحدة جاء في أدنى مستوياته، وأن الهجوم بدأ في ظلّ وجود أمينها العام في ليبيا".

ووفق فؤاد فإن قوى دولية عديدة وعلى رأسها فرنسا تدعم حفتر في هجومه على طرابلس، إضافة إلى دول أخرى لا تبدي معارضتها للأمر مثل روسيا والولايات المتحدة.

تضارب مصالح

ووسط اعتداء واضح من قوات حفتر على الحكومة الليبية الشرعية التي تم تشكيلها برعاية الأمم المتحدة، يستغرب البعض عدم قدرة المجتمع الدولي على توجيه أصابع الاتهام لطرف معين بإعاقة جهود الأمم المتحدة ومحاولة الانقلاب على حكومة معترف بها دولياً.

لكن التضارب في المواقف الدولية يعود بالأساس إلى مصالح اقتصادية وتاريخية تربط الدول الفاعلة على الساحة الدولية بالملف الليبي.

وهو ما ألمح إليه الدكتور في القانون الدولي محمد زبيد في تصريحات لـ TRT عربي معتبراً أن المجتمع الدولي "لن يقوم بما هو أكثر من دعوات وقف إطلاق النار في ليبيا، مستبعداً أن يكون هناك قرار من مجلس الأمن على غرار ما حدث في 2011 بفرض حظر جوي من قبل الناتو".

وأكد زبيد أن "استدامة الصراع في ليبيا من مصلحة القوى الدولية، لأن الصراع في الأصل هو صراع دولي بأيادٍ ليبية"، منوهاً إلى أن "كل طرف في الداخل الليبي مرتبط بعلاقات مع أطراف خارجية".

في سياق آخر، تصاعدت أزمة غير مسبوقة بين فرنسا وإيطاليا بشأن ليبيا، استدعت على إثرها باريس السفير الإيطالي للاحتجاج، ويتصاعد الخلاف من حين لآخر بين زعامات الاستعمار القديم على البلد الغني بالنفط والغاز.

و تقف مجموعة من الحكومات الغربية وعلى رأسها إيطاليا إلى جانب حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج. و تربط إيطاليا علاقات جيدة بحكومة الوفاق الليبية، حيث تُعد ليبيا أكبر مستورد للغاز الإيطالي، كما أن شركة "إيني" هي الشريك الرئيسي لشركة النفط الليبية.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية كشفت عام 2015 عن وجود قوات فرنسية تقاتل إلى جانب قوات حفتر ببنغازي، وهو ما تعزّز باعتراف فرنسا بمقتل جنود لها هناك بعد ذلك بأشهر قليلة.

ووجّهت حكومة الوفاق الليبية مؤخراً، على لسان وزير الداخلية، اتهاماً صريحاً لفرنسا بوقوفها إلى جانب حفتر في هجومه على طرابلس.

على الجانب الآخر، يتلقى حفتر دعماً سياسياً وعسكرياً وإعلامياً من السعودية ومصر بالإضافة للإمارات العربية المتحدة المتهمة بتزويده بالسلاح في ظلّ الحظر الدولي المفروض على دخول السلاح إلى الأراضي الليبية، وفقاً للإندبندنت البريطانية.

وكان حفتر قد توجّه لزيارة السعودية قبل أيام فقط من إعلانه الهجوم على طرابلس، إضافة إلى لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وذلك أثناء المعارك على تخوم العاصمة الليبية.

وتَعتَبِر دول الإمارات والسعودية ومصر حفتر حليفاً رئيسياً لها نظراً لعدائه الشديد لجماعات على رأسها "الإخوان المسلمون" التي تعتبرها تلك الدول عدواً لدوداً لأنظمتها.

ليبيا إلى أين؟

منذ 2011، تعاني ليبيا صراعاً على الشرعية والسلطة، يتركز حالياً بين حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في العاصمة الليبية طرابلس وقوات حفتر المتمركزة في منطقة الشرق الليبي، والمدعومة من مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق.

وفي ظلّ تصاعد القتال بين الأطراف المتصارعة وازدياد حصيلة القتلى من المدنيين، يرى البعض أن مجلس الأمن لربما يتدخل عسكرياً أو يصدر قراراً للتدخل جوياً كما حدث في عام 2011، إلا أن هذا الأمر سيستغرق وقتاً خاصة أن موقف المجلس لا يزال غير محسوم بين الدول الأعضاء في ظل تعنّت الموقف الروسي.

ووصفت صحيفة لوموند الفرنسية الموقف الدولي مما يحدث في ليبيا "بالانتكاسة القاسية"، واعتبرت دخول ليبيا حرباً أهلية جديدة يعد "فشلاً مريراً أظهر بجلاء عجز وانقسام المجتمع الدولي".

ويبدو أن المواقف لن تتخطى حاجز الدعوة إلى وقف القتال وضبط النفس، إذ أن الحل السياسي ليس مستبعداً، لكن الواقع يوحي بأن القوى الدولية تنتظر حسماً عسكرياً لتُستأنف بعد ذلك مرحلة المشاورات السياسية مجدداً.

من جانبه، يستبعد الدكتور في القانون الدولي محمود زبيد هذا الحسم، نظراً "للشروخ الكبيرة التي أصابت المجتمع الليبي بعد سقوط نظام القذافي"، وأكد أن "الحالة الليبية الآن لا يوجد فيها طرف منتصر".

بعكس ما يعتقده الكاتب محمد فؤاد أن "الحل الوحيد يكمن في هزيمة قوات حفتر حتى تعزّز الحكومة الشرعية من وجودها على الأرض"، واعتبر أن "الأيام القادمة يمكن أن تشهد نتائج لصالح حكومة الوفاق والقوى المؤيدة لها، إذا لم تتدخل أي قوى أجنبية لدعم حفتر".

حفتر التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة أثناء المعارك على مداخل طرابلس (Reuters)
TRT عربي - وكالات