تابعنا
ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بفيديوهات محمد علي التي يهاجم فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويتهمه بالفساد، بل ويدعوه إلى التنحِّي والاعتذار إلى الشعب.

كانت فيديوهات الفنان محمد علي (المقاول المصري الذي عمل 15 سنة مع الجيش المصري) أشبه بالمسلسل التاريخي الذي وصلت ذروة أحداثه إلى معركة ينتصر فيها المصريون على الأعداء.

لحظة بلحظة يتابعها الكل، ينتظرونها بفارغ الصبر على الإنترنت، يشاهدونها مرة واثنتين وثلاثاً على موقع فيسبوك، ثم تويتر ويوتيوب.

البعض يعيد تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي كما هي، والبعض الآخر يعيد نبش فيديوهات قديمة للسيسي، يُجرِي عليها بعض المونتاج ثم يدمجها مع الفيديو الأصلي مع عبارات كوميدية، تنتشر على مواقع التواصل كالنار بالهشيم.

لكن ما قصة هذه الفيديوهات التي باتت حديث رواد الإنترنت والإعلام في مصر وخارجه؟

في 2 سبتمبر/أيلول 2019.. بدأت الحكاية

كان أول فيديو يظهر فيه الفنان محمد علي، رجل الأعمال المصري الذي يعيش في إسبانيا حاليّاً، على الشبكات الاجتماعية موجّهاً حديثه إلى الشعب المصري.

في الفيديو الذي بثّه مباشرة على صفحته الأولى على فيسبوك، تحدّث علي عن قضايا الفساد في مصر، وجّه فيه اتهامات إلى الرئيس السيسي وزوجته انتصار، وقيادات بالقوات المسلحة.

وقال إنه بنى عدة قصور للسيسي ومعاونيه، وأنشأ خمس فيلات وقصراً في منطقة الهايكستب العسكرية، تتصل كل وحدة منها بنفق يؤدِّي إلى مبنى إداري يجمع أهمّ القيادات لإدارة الدولة.

لكن بعد فترة ألغى السيسي الفكرة وبنى كياناً جديداً يحتوي على خمسة قصور في منطقة الغولف بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة، التي يسكن السيسي في أحدها حاليّاً على حد قول علي.

اختراق الصفحة الأولى على فيسبوك

لكن صفحته على فيسبوك اختُرقت،وحُذف هذا الفيديو وبعض الفيديوهات الأخرى، وبقي فيديو واحد في محاولة لتأكيد أنها صفحته، لكن متابعيه علموا أنها اختُرقت. حين أنشأ محمد علي صفحة أخرى أُغلقت أيضاً، لكنه كان قد نشر قبلها فيديوهات نفى فيها أنه من جماعة الإخوان.

5 سبتمبر/أيلول: "أنا مش إخوان"

كشف محمد علي في فيديو جديد أنه ترك مصر منذ عام تقريبا، ولم يأتِ إلى مصر إلا مرة واحدة فقط، وذلك ردّاً على وصف المذيع أحمد موسى له بأنه "هارب".

كما نفى علي الاتهامات التي وُجّهَت إليه بأنه تابع لجماعة الإخوان، مشيرا إلى أنه نجل بطل كمال الأجسام المصري علي عبد الخالق، وموضحاً أنه نشأ في حي العجوزة بالجيزة.

أُغلقت الصفحة الثانية، فأنشأ محمد علي صفحة ثالثة على فيسبوك في 6 سبتمبر/أيلول 2019 أطلق عليها اسم "أسرار محمد علي -Mohamed Ali Secrets"، يُقدَّم اليوم ضدّها بلاغات كثيرة لإدارة فيسبوك.

6 سبتمبر/أيلول: تهديدات بالقتل ودعوة للسفارة المصرية

لكن القصة كبُرت أكثر، ربما كما أرادها محمد علي من البداية. فلم تعد كما أطلق عليها محمد علي "الجيم" أي اللعبة بينه وبين السيسي.

رجل الأعمال المصري قال في فيديو جديد، إنه يتعرض للتهديد بالقتل، مشيراً إلى أن السيسي أرسل إليه عبر السفارة المصرية بإسبانيا طلباً لحل مشكلته، معتبراً أنها "محاولة فاضحة لاستدراجه".

السفارة المصرية في مدريد أبدت استعدادها الكامل لدفع كل المستحقات المالية المتأخرة لمحمد علي، نظير مشاريعه التي نفذها لمصلحة الجيش، مقابل خروجه باعتذار عن جميع اتهاماته بحق السيسي وزوجته.

واعترف الشاب، الذي يملك شركة مقاولات عملت سنوات طويلة مع الجيش المصري، بأن مصيره قد يكون القتل، وأن اللعبة التي بدأت بينه وبين السيسي ستنتهي على الأرجح بمصرعه.

أما على شبكات التواصل الاجتماعي، فكان البعض يعيد التذكير بما حدث مع الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، الذي قُتل داخل قنصلية بلاده قبل عامين في إسطنبول، متسائلين: هل ينتقم السيسي من محمد علي، على طريقة الراحل خاشقجي؟

7 سبتمبر/أيلول: رفض عرض السيسي

ظهر محمد علي بفيديو جديد يطمئن فيه متابعيه بأنه ما زال على قيد الحياة، رافضاً في الوقت نفسه العرض الذي وصل إليه عن طريق مقربين من السيسي بأنه سيحصل على مستحقاته وأكثر، شريطة الاعتذار إلى السيسي أمام الجميع.

النهاردة هجاوب على السؤال اللي الناس بتقوله .. ليه بعد 15 سنة شغل مع الجيش بتتكلم دلوقتي؟ بس فيه كمان كام سؤال لسيادة الريس ياريت يجاوبني عليهم #محمد_علي

Posted by ‎أسرار محمد علي - Mohamed Ali Secrets‎ on Sunday, 8 September 2019

في 8 و9 سبتمبر/أيلول، واصل علي نشر فيديوهات يجيب فيها عن أسئلة طرحها المتابعون عليه، كذلك الفيديو الذي ظهر فيه لنحو نصف ساعة، وكان عنوانه "لماذا ظهرت الآن بعد 15 سنة عمل مع الجيش؟".

10 و11 سبتمبر/أيلول: مؤتمر الشباب العاجل

نشر المقاول المصري خمسة فيديوهات جديدة، واصل في اثنين منها شنّ هجومه على السيسي، منتقداّ إعلان السلطات المصرية إقامة دورة جديدة لمؤتمر الشباب بحضور السيسي.

وفي الفيديو الذي نشره يوم 11 سبتمبر/أيلول، أكّد أنه سيردُّ على كلمة سيلقيها السيسي في المؤتمر، مباشرة بعد انتهائه. وهذا ما حصل.

14 و15 سبتمبر/أيلول: ردّ من أربعة أجزاء

بعد انتهاء كلمة الرئيس المصري، كان متابعو الفنان المصري على موعد مع أربعة فيديوهات ردّ فيها على السيسي.

ساخراً تساءل محمد علي في الجزء الأول من تعليقه عن السبب الذي يجعل "الحركات الإرهابية" تنشط بشكل مؤثر وفاعل في الساحة المصرية دون غيرها من البلاد الأخرى.

كما اعتبر المقاول المصري تجاهل السيسي الرد على أسئلة تتعلق بما ساقه من اتهامات، وتكرار تحذيره من أن تصير مصر إلى ما صارت إليه "سوريا والعراق" وتصديره "خطر داعش والإخوان ومحمد علي ومن وراءه من القوى الغربية الداعمة له" دليلاً على ضعف موقفه وحجته.

فيديوهات محمد علي الأربعة التي ردّ فيها على السيسي، حظِيَت وحدها بمشاهدات فاقت 3 ملايين خلال يومين، فيما تصدّر هاشتاغ #رد_على_محمد_علي_ياسيسي مواقع التواصل.

كانت القصة تكبُر أكثر، وبلغت الآن حدّ الدعوة إلى ثورة جماهرية.

16 سبتمبر/أيلول: الدعوة إلى ثورة

هاشتاغ "#كفاية_بقى_يا_سيسي" تَصدَّر قائمة "ترند" على موقع تويتر وفيسبوك بعد ساعات من دعوة المقاول محمد علي المصريين إلى استخدامه في فيديو جديد، تَوعَّد فيه السيسي بتنظيم ثورة ضده، ردّاً على الفساد وسوء إدارة البلاد.

بداية الواجب العملي ج1 مش ملاحظين ان السيسي - القزعة - دايما رابط نفسه بالجيش ويقولك انا لو وقعت الجيش هيقع! طب يا سيسي هتقع والجيش مش هيقع .. تعالو أقولكم هنعمل ايه #كفاية_بقى_ياسيسي #محمد_علي

Posted by ‎أسرار محمد علي - Mohamed Ali Secrets‎ on Sunday, 15 September 2019

استنفار نظام السيسي

تسبب الفيديو السابق لمحمد علي في نوبة استنفار وطوارئ داخل وزارة الداخلية المصرية، بعدما طالب باتخاذ خطوات عملية لإنهاء حكم السيسي.

17 سبتمبر/أيلول: "ارحل يا سيسي"

في فيديو الثلاثاء الماضي دعا محمد علي السيسي للتنحي عن منصبه يوم الخميس 19 سبتمبر، والاعتذار إلى الشعب المصري، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بكل توجهاتهم، وإخلاء سبيل ضباط الجيش والشرطة الذين اعتُقلوا لعدم تنفيذ قرارات نظامه.

وقال فيه "إذا لم يخرج السيسي ويعلن استقالته يوم الخميس أدعو الشعب المصري المسلم والمسيحي والإخواني والليبرالي" للخروج يوم الجمعة الساعة السابعة مساء للتظاهر.

بعد الفشل الإداري ياسيسي وبيع الأرض خلاص لازم تمشي .. وموعدنا يوم الجمعه القادم الساعه السابعه مساءا كلنا أيدينا في أيد بعض ياشعب مصر #استناني_ياسيسي

Posted by ‎أسرار محمد علي - Mohamed Ali Secrets‎ on Tuesday, 17 September 2019

18 سبتمبر/أيلول: الرحيل أو النزول للشارع

قال محمد علي "إذا لم يخرج السيسي ويعلن تنحيه الخميس، فسينزل الشعب المصري للميادين يوم الجمعة المقبل، سيكون هذا اليوم هو آخر يوم لكم عندي، وما أقوله سيتم تنفيذه يا سيسي".

عند هذه العبارة الأخيرة للمقاول المصري محمد علي، التي يرى البعض أنها مجرّد كلام، كان لا بد من الاستماع لما يقوله الشعب هناك.

يتحدث عمرو زين، وهو مصري يعيش في القاهرة، عن فيديوهات محمد علي والتغيير الجوهري الذي فعلته بإزالة الهيبة تماماً عن رئيس الدولة.

يكمل حديثه لـTRT عربي قائلاً "كان يستمدّ شرعيته وقوته من شخصيته العسكرية الصارمة، لكن هذه الفيديوهات كسرت هيبته تماماً". ومع ذلك، لا يرى أن حجم النزول للشوارع يوم الجمعة سيكون لافتاً، بخاصة في ميدان التحرير، فلم تأت الشرارة التي ينتظرها الناس بعد، على حد قوله.

مَن قد يكون وراء محمد علي إذاً؟

يجيب زين بأنهم أفراد من داخل أجهزة أمنية في مصر.

أما المصري السيد الشربيني، الذي وصل إلى تركيا قادماً من مصر قبل أسابيع قليلة، ويعرف حال الشعب هناك، فيقول إن المخابرات العامة بنسبة كبيرة هي من يقف وراء علي ويدعمه.

يستشهد في حديثه لـTRT عربي بما فعله السيسي للفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري سابقاً، المعتقل حاليّاً، الذي نشر تغريدة الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول موجّهاً فيها رسالة إلى الشعب، مستخدماً هاشتاغ محمد علي “كفاية بقى يا سيسي”، قال عنان: "الأيام القادمة ستؤكّد أن ثقة الشعب بجيشه كانت في محلها. وبشّر الصابرين".

صراع بين المخابرات العامة والقوات المسلحة

لا يرى كثيرون أن محمد علي ظاهرة عادية، وإنما هو نتيجة صراع بين القوى الداخلية للدولة المصرية. مَن المستفيد من مشاريع السيسي وقراراته؟ ومَن غير المستفيد؟ الكل يعلم أن الرأي العامّ وإمكانية تحريكه وحشده هي أداة تمتلكها أجهزة الدولة في صراعاتها وتسوية مصالحها.

من جانبه صرّح الأمين العامّ المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة في مصر قطب العربي لـTRT عربي موضحاً رؤيته ليوم الجمعة تجاه نزول الناس للشوارع فقال: "في حال افترضنا أن قوة من داخل الأجهزة المصرية تحرّك محمد علي، فهذا يعني أن ترتيبات تجري لا أحد يعلم بها، وبالتالي قد يكون في الشارع تحرك، ولكن لن يكون المعارضون الآن لنظام السيسي هم من سيحشدون لهذا النزول.

بالتالي فإن "تسجيلات محمد علي موجَّهة إلى الشريحة التي كانت تؤيّد السيسي منذ لحظة اعتلائه الحكم، والتي باتت تعرف من السيسي وأصبحت تنظر إليه نظرة مختلفة عن ذي قبل"، يكمل العربي حديثه.

ماذا سيحدث يوم الجمعة؟ هل سينزل الناس للشوارع في ظل الاستنفار الأمني الكبير الذي فرضته الأجهزة هناك؟ هل قصة محمد علي هي مجرد خلاف بينه وبين القوات المسلحة، أم تقف وراءه قوة داخلية تحرّكه؟ كيف سيكون ردّ السيسي في الفترة المقبلة بناءً على أي تحركات قد تحدث؟

أسئلة كثيرة ستكشف الفترة المقبلة إجابتها بكل تأكيد.

TRT عربي