تابعنا
تسعى أكثر الحكومات الإسرائيلية اليمينية تطرفاً على الإطلاق لتقويض استقلال القضاء فيما تلقى المحاولة مقاومة من عموم المواطنين.

يعتبر رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو أحد أبرز السياسيين الإسرائيليين. فهو سياسي مخضرم، خدم في المنصب أكثر من أي رئيس وزراء غيره، واستطاع الظفر بعديد من المعارك السياسية باسم حزب الليكود الذي يترأسه. لكن رد الفعل العنيف -بشكل أساسي من عامة الناس- ضد اقتراحه المثير للجدل لإصلاح القضاء في البلاد أضعف بريق إنجازاته وجعله أكثر عرضة للخطر من الناحية السياسية.

يسعى اقتراح نتنياهو لمنح الحكومة سلطة تعيين قضاة المحكمة العليا، أعلى محكمة في البلاد، التي أثارت أحكامها السابقة غضب نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف. كانت التعديلات ستحد بشدة من قدرة المحكمة على التصرف ضد المسؤولين المنتخبين، لا سيّما رئيس الوزراء. كما تسعى الخطة للحد من تأثير المستشارين القانونيين الذين تعينهم السلطة القضائية.

وُصفت الخطة بأنها مثيرة للجدل حتى إن بعض أعضاء حكومته، بمن فيهم وزير الدفاع، عارضها. هذا فضلاً عن مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين نظموا مظاهرات استمرت أسابيع للاعتراض عليها. من جانبه، انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن، حليف تل أبيب في جميع المناسبات، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي وجد نفسه محاصَراً بطريقة لم يشهد لها مثيلاً من قبل.

في النهاية بدا نتنياهو يتراجع عن موقفه، مما أدى إلى تأخير التصويت على الإصلاح القضائي في الكنيست، إذ حذر نقاد وسياسيون إسرائيليون، بمن فيهم الرئيس إسحاق هرتسوغ، من أن الدولة اليهودية، لأول مرة في تاريخها، يمكن أن تصل إلى "شفا حرب أهلية" إذا حاولت الحكومة فرض إرادتها على الجمهور.

وصرح نتنياهو وهو يحاول أن ينجو من صراعاته اليومية "عندما تكون لمنع حرب أهلية إمكانية من خلال المفاوضات، سأمنح فرصة لهذه المفاوضات". مع ذلك كان رده على بايدن حازماً بالقول: "إن إسرائيل دولة ذات سيادة" وهو الأمر الذي فُهم منه أنه قد يلجأ إلى طرح مشروع الإصلاح القضائي مجدداً.

الدولة على مفترق طرق

ألون ليئيل، وهو المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يعد من بين الخبراء الذين يعتقدون أن إسرائيل وصلت إلى مفترق طرق مع طرح خطة نتنياهو للإصلاح القضائي.

في الأشهر الأخيرة، حسب ليئيل، بدأ جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي يخشى أن نتنياهو يهدف إلى "غيير الطبيعة الديمقراطية للبلاد. "شعر الناس بالقلق الشديد والغضب والانزعاج وخرجوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة. مؤكداً: "لم يكن لدينا أبداً مظاهرات بهذا الحجم في تاريخ إسرائيل" حسبما صرح لـTRTWorld.

يرى ليئيل أن عديداً من الإسرائيليين ينظرون إلى خطة نتنياهو للإصلاح القضائي على أنها محاولة "لتقليص" مكانة النظام القانوني من خلال تعديل حيادية المحكمة العليا. ونجحت المعارضة حتى الآن في إحباط تشريع رئيس الوزراء بشأن الخطة، كما يقول، على الرغم من أنه من غير الواضح إن كان نتنياهو سيحاول مرة أخرى.

بحسب ليئيل، ستتوقف الدولة اليهودية عن أن تكون ديمقراطية إذا تمكن نتنياهو من تمرير التشريع المتعلق بإصلاح النظام القضائي في الكنيست. "إسرائيل ستصبح ديكتاتورية إذا انتصر. ولكن إذا خسر"، كما يقول، "فستبقى ديمقراطية". يواصل ليئيل حديثه بالقول،" أعتقد أنه لا يمكن أن يكون بين الديمقراطية والديكتاتورية حل وسط".

وفقاً لليئيل، يوجد احتمال أن تنتقل إسرائيل لتصبح دولة ديكتاتورية، مما يسهل على حكومة نتنياهو تنفيذ خططها غير القانونية لضم الضفة الغربية والجيوب الفلسطينية الأخرى.

يجادل ليئيل أن رغبة حكومة نتنياهو في القضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تجري تحت المظلة السياسية لدولة ديمقراطية. لطالما دافع شركاؤه اليمينيون المتطرفون عن هذه الخطة المدمرة، وضغطوا عليه لتنفيذها.

يورام شفايتسر، عضو سابق في الاستخبارات الإسرائيلية والمدير الحالي لبرنامج الإرهاب والصراع منخفض الحدة في مركز الأبحاث البارز INSS، يشارك ليئيل وجهة نظره بأن خطة نتنياهو للإصلاح القضائي تشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية في إسرائيل.

قال شفايتسر لـTRT World إن ما يحاول نتنياهو ورفاقه المتطرفون تحقيقه مع هذا الإصلاح القضائي المزعوم هو "تغيير لا لبس فيه للنظام". ويضيف: "إذا انتصر، ستواجه إسرائيل أسوأ أزمة سياسية وقانونية في تاريخها".

لكن لماذا يريد نتنياهو المخاطرة بإسرائيل؟

المصالح الشخصية وحلفاء اليمين المتطرف

يستشهد كلا الخبيرَين بمشكلات نتنياهو القانونية الناجمة عن تحقيقات الفساد الجارية وأجندة اليمين المتطرف لحلفائه المتطرفين دوافع محتملة لجهود الإصلاح القضائي المستمرة التي يبذلها نتنياهو. يقول ليئيل: "مخاوفه الشخصية تؤثر في سلوكه وسلوك من حوله".

أما شفايتسر فقال "إن نتنياهو مستعد لوضع إسرائيل على حافة الهاوية على حساب مواطنيها الذين لا يؤيدونه"، في إشارة إلى قضايا فساد نتنياهو التي قد تؤدي إلى إقالته من منصبه.

نتيجة لذلك، وفقا لشفايتسر، ليس لدى نتنياهو مشكلة في دفع إصلاحه القضائي قدماً إلى الأمام، وهو الأمر الذي يعادل تقريباً تغيير النظام في إسرائيل، وذلك من أجل حماية نفسه من أي إدانة قضائية بتهم الفساد. وحسب ليئيل، يعتقد نتنياهو أنه من أجل الإفلات من حكم قضائي يمكن أن يؤدي به إلى "السجن"، يجب أن يظل في السلطة وأن يكون قادراً على تعيين قضاة.

يؤكد شفايتسر على أن "هذا هو السبب الذي جعله يشكل ائتلافاً مع العناصر الأكثر تطرفاً في الحياة السياسة الإسرائيلية"، في إشارة إلى شركاء نتنياهو في الائتلاف من إيتمار بن غفير، زعيم اليمين المتطرف عوتسما يهوديت (القوة اليهودية)، إلى بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية المتطرف.

سموتريش وبن غفير، وكلاهما مستوطنان غير شرعيين يقيمان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تمكنا من تولي منصب بدرجة وزير في حكومة نتنياهو الحالية، مما دفع رئيس الوزراء إلى إعادة هيكلة الجيش الإسرائيلي، وهو ما تسبب في إحداث عاصفة واسعة في المؤسسة العسكرية للبلاد في يناير/كانون ثاني الماضي. هذا الأسبوع، وقع نتنياهو أيضاً اتفاقاً مع بن غفير، يسمح له ببناء "ميليشيا خاصة"، الأمر الذي صدم كثيرين في إسرائيل.

يزعم ليئيل أن وزراء اليمين المتطرف مثل بن غفير، الذين يرغبون في الحفاظ على مواقفهم التفاوضية القوية في السياسة الإسرائيلية، يحتاجون إلى سياسي لديه عدد من القضايا القانونية مثل نتنياهو من أجل تحقيق مطالبهم السياسية الراديكالية. ويتابع: "الآن يحاولون إكراهه بالتهديد بمغادرة التحالف". يذكر أن حكومة نتنياهو الائتلافية تتمتع بأغلبية مقعد واحد فقط في البرلمان.

تنفير الغرب

يجادل شفايتسر بأن اعتماد نتنياهو على الأحزاب اليمينية المتطرفة يجعل زعيم الليكود في موضع يقدم فيه "جميع أنواع التنازلات" لهؤلاء المتطرفين، مما قد يعقد علاقات إسرائيل مع حلفائها مثل الولايات المتحدة.

في هذا الصدد قال بايدن "لا يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق"، في إشارة إلى خطة الإصلاح القضائي لنتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف. وأضاف "آمل أن يبتعدوا عنها".

من جانبه قال بن غفير في معرض رده على الرئيس الأمريكي إن إسرائيل "ليست نجماً آخر على العلم الأمريكي"، مما أدى إلى توترات مع أكبر حليف لإسرائيل. حتى إن بعض حلفاء نتنياهو وصفوا بيان بايدن بأنه نتاج "أخبار كاذبة".

يؤكد شفايتسر أن تنازلات نتنياهو لليمين الإسرائيلي المتطرف ستؤدي إلى نفور كل من الأمريكيين والأوروبيين، وكذلك مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين ينددون بالإصلاح القضائي حالياً.

من خلال خطته للإصلاح القضائي، الذي سيفكك نظام الضوابط والتوازنات الإسرائيلي، يعتزم نتنياهو فصل جميع الأجهزة الأمنية، بما في ذلك أجهزة المخابرات والجيش، عن النظام القضائي، حسب شفايتسر. ويقول: "إن هذا يشكل تهديداً لأمن إسرائيل"، مضيفاً أنه قد يعرض اقتصاد الدولة للخطر أيضاً.

لكن حسب شفايتسر ، فإن وجود مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين في الشوارع يظهر تصميم الدولة على منعه تنفيذ مثل هذه الخطة.

TRT عربي