تابعنا
في ظلّ التحوّلات الإقليمية الأخيرة، وفي إطار توجّه سياسي خارجي أكثر انفتاحاً، قررت كلٌّ مِن إيران والإمارات خفض التوتر، وترميم العلاقات المتصدّعة بينهما طيلة سنوات، وتجاوز الخلافات في سبيل فتح صفحة جديدة.

رغم تراجع العلاقة بين البلدين، وتصاعد الخلاف بينهما خلال السنوات الأخيرة، بسبب عدة ملفات إقليمية، إلا أنّ طهران وأبو ظبي، ارتبطتا بعلاقات اقتصادية وتجارية متينة استمرت عقوداً.

وفيما يبدو استجابة لتحديات المنطقة، قررت الإمارات وإيران المضيّ في طيّ صفحة الخلاف، وفتح "صفحة جديدة" في العلاقات بينهما.

وفي هذا السياق كتب علي باقري، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، في تغريدة على حسابه في تويتر يوم الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري قائلاً: "بعد السّفر إلى دول المنطقة، اليوم حلَلَتُ بدبي، وأجريتُ لقاء ودّياً مع الدكتور محمد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، ووزير الدولة خليفة شاهين المرر، واتفقنا على فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين".

ومن جانبها أكدت السلطات الإماراتية عبر وكالة الأنباء الرسمية "وام" أن الطرفين قد ناقشا خلال اللقاء الذي جمع بينهما، سبل تعزيز العلاقات بين البلدين على أساس حُسن الجوار والاحترام المتبادل في إطار المصالح المشتركة.

كما أكدا ضرورة تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجاربة بين البلدين الجارَين.

هل يتجاوز الطرفان الخلافات؟

"في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. هناك مصلحة دائمة"، لطالما اختزلت المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، توجّهاً سياسياً عاماً يحكم العلاقات بين مختلف الدول في العالم.

ويبدو أنّ الجميع اليوم إزاء أحد تمثّلات هذا المبدأ، مع إعلان طهران وأبو ظبي تجاوز الخلاف المحتدّ بينهما منذ سنوات، وتطوير العلاقة بينهما بما يخدم مصلحة البلدين.

وقد شهدت العلاقات الديبلوماسية والسياسية بين البلدين أطواراً مِن الصراع والخلاف، وتبادلاً للاتهامات بين ساستها وقادتها.

وتعود جذور هذا الخلاف أساساً إلى إعلان البحرية الإيرانية سيطرتها على ثلاث جزر تقع في مضيق هرمز، هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، عام 1971 وهي الجزر التي تُطالب بها الإمارات، وذلك عقب الانسحاب البريطاني منها.

وتعتبر الإمارات أن سيطرة إيران على الجزر الثلاث بمثابة تحدٍ صارخ للمواثيق والمعاهدات الدولية، فيما تؤكد السلطات الإيرانية أنّ "الجزر الثلاث هي مساحات لا تنفصل عن الأراضي الإيرانية وأيّ مطالبة بها مرفوضة بشدة".

واستمر بذلك الخلاف بين البلدين، وسط عجز الأطراف الدولية والمنظمات الأممية عن إيجاد حلّ لهذا الملف المعقّد.

ومع احتدام الصراع في اليمن، وانضمام الإمارات، في مارس/آذار 2015، إلى التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لدعم "الشرعية" ومحاربة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، خوفاً من التمدد الإيراني في المنطقة، ضغطت مختلف الأطراف السياسية والحكومية في طهران وأبو ظبي لمراجعة العلاقات بين البلدين، وأيّدت حينها الإمارات العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والذي اعتبرته الأخيرة تماهياً مع سياسات العداء الأمريكي لطهران.

وبينما شهدت العلاقات الإيرانية-الإماراتية حالة من التراجع والفتور على خلفية ملفات إقليمية عدّة، بدأت حِدّة الخلاف تنخفض تدريجياً منذ عام 2019، وقرر الطرفان فتح محادثات وُديّة.

ويؤكد خبراء ومحللون أنّ العلاقة بين البلدين لم تصل إلى القطيعة أبداً بالرغم مِن كل الصراعات المُعلنة بينهما، كما أنه لم تتوقف المشاورات واللقاءات بين الطرفين طيلة السنوات الماضية، لتنسيق السياسات الخارجية ومنع نشوب أيّة مواجهة في مضيق هرمز.

وعقب الهجوم الذي تعرّضت له ناقلات النفط الأربع قبالة السواحل الإماراتية في مايو/آيار 2019، لم تتهم أبو ظبي طهران بالوقوف وراء الهجوم على عكس الرياض وواشنطن. وقررت الإمارات في الأثناء إعادة حساباتها فيما يتعلّق بمشاركتها في التحالف الذي يُحارب الحوثيين في اليمن. ليُرجح بذلك خبراء ومحللون أنّ هناك تفاهمات ضمنية ومعلنة بين الطرفين قد تعكس تحالفات جديدة في أهم الملفات الشائكة في المنطقة.

ومع انتشار جائحة كورونا وتصدّر إيران الترتيب الأول من حيث عدد الإصابات في الشرق الأوسط، أرسلت الإمارات شحنات من الإمدادات الطبية لإيران لمساعدتها على تجاوز تداعيات الجائحة.

علاقات اقتصادية متينة

بالرغم من مناخ التوتر المُعلن بين البلدين، إلا أنّهما حافظا على حجم التبادل التجاري ومتانة العلاقات الاقتصادية بينهما طوال الفترة الماضية.

وبناء على بيانات وإحصائيات رسمية، فإنّ رجال الأعمال الإيرانيين يملكون رأس مال يقترب من 300 مليار دولار في الإمارات، وبالتالي تتراوح ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات ما بين 20 و30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات.

ويُقدّر في السياق ذاته، عدد الشركات الإيرانية المسجلّة رسمياً في دبي بنحو 7660 شركة. وبينما تُقدّر الجالية الإيرانية في الإمارات بنحو 80 ألف نسمة، فإن نحو 8 آلاف منهم يُعتبرون رجال أعمال مهمّين ومستثمرين برؤوس أموال ضخمة في الإمارات.

أما على مستوى التبادل التجاري، فتحتلّ إيران المرتبة الرابعة في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، فيما تُعتبر الأخيرة الشريك التجاري العربي الأول لإيران.

وقد قُدّرت في هذا الإطار، قيمة التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 بنحو 11 مليار دولار، من بينها 6 مليار دولار صادرات إيرانية إلى الإمارات، ورغم أنّ هذه القيمة قد شهدت تراجعاً نسبياً بعد ذلك، بسبب العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة على الاقتصاد الإيراني، إلا أنها استعادت زخمها خلال الفترة الأخيرة، وسط سعي الجانبين لتطويرها وتذليل الصعوبات أمامها بما يخدم مصلحتهما.

TRT عربي