قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت - ديسمبر 2017 (AFP)
تابعنا

كان يُنظَر منذ وقتٍ طويل إلى مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1981 لمواجهة الخطر الإيراني المُحدِق، باعتباره منظمة تنقصها الآليات الضرورية لتعزيز التعاون والعلاقات بين دولها. مع هذا، تمكَّن المجلس من اجتياز تعقيدات سياسات الشرق الأوسط.

تسبَّبت ثلاث حروب كبرى في المنطقة، بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وحتى الحربين اللتين قادتهما الولايات المتحدة على العراق في عامي 1991 و2003، في إثارة خلافات عميقة في الخليج، لكنَّ هذه الخلافات ظلَّت ضمن نطاق السيطرة، بغض النظر عن النتيجة.

وأصبح الوضع أكثر تعقيداً بعد ظهور لحظة تاريخية أخرى فاصلة، أي الربيع العربي، الذي قسَّم الخليج إلى معسكرَين متخاصمين.

كان حصار قطر، المفروض منذ يونيو/حزيران 2017 من جانب أربع دول -هي السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر (ثلاث منها أعضاء في مجلس التعاون الخليجي)- هو القشة التي قصمت ظهر البعير.

الحصار كان مؤشراً مبكراً على التهور التام الذي ستتسم به سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لاحقاًَ. وكان الأمر الصادم في هذا الحدث هو أنَّ محمد بن سلمان لم يكن يريد فقط تحقيق بعض المكاسب السياسية في علاقته مع قطر، بل كان يهدف إلى تقويض استقلالية هذا البلد تماماً وتحويلها إلى مجرد دولة تابعة.

لاحقاً، كان مستوى التمثيل خلال قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في الكويت عام 2017 منخفضاً للغاية؛ فإلى جانب مُضيف القمة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، كان رأس الدولة الخليجي الوحيد الحاضر في الاجتماع هو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

علاوة على ذلك، يُعتَقَد أنَّ أمير قطر حضر القمة كبادرة احترام لأمير الكويت البالغ من العمر 89 عاماً أكثر من أي سببٍ آخر. ومع ذلك، ظل الكثير من المراقبين يبحثون عن مؤشراتٍ لتسوية محتملة للخلافات بين الدول الخليجية. وبالنسبة لأكثر هؤلاء المراقبين تفاؤلاً، كان انعقاد القمة في الكويت برغم الخلافات القائمة إشارة جيدة.

لكن منذ ذلك الحين، انتقلت التطورات السياسية في الخليج من السيئ إلى الأسوأ؛ فأدّى النقد اللاذع المناوئ لقطر، والذي تتناقله وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية، إلى ظهور دائرة مسمومة.

وأشارت محاولات محمد بن سلمان تنفيذ انقلاب داخل عائلة آل ثاني الحاكمة، أو تحويل قطر إلى جزيرةٍ عبر حفر قنوات مائية ضخمة حول شبه جزيرة قطر، إلى أنَّ الطرفين لم يعودا يُكِنَّان لبعضهما أي ود.

ثبتَ أنَّ عملية القتل الشنيعة للكاتب بصحيفة واشنطن بوست الأميركية جمال خاشقجي كانت تقديراً خاطئاً فادحاً آخر من محمد بن سلمان وتابعيه. كان الهدف الأوليّ للخطة هو اتهام تركيا وقطر بتدبير العملية وشنّ حملة بعدها ضد الدولتين لتشويه سُمعتَيهما.

علاوة على ذلك استهدفت الحملات الإعلامية السعودية الكويتَ وعُمان أيضاً؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، دعا أمير سعودي يُدعى خالد بن عبد الله آل سعود إلى شنِّ هجومٍ عسكري ضد الكويت، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات.

وفُرِضَت العديد من الضغوط الاقتصادية السعودية بحق عُمان، جاءت في صورة قيود مفاجئة على حركة التجارة بين البلدين. وظهرت أيضاً تقارير تفيد بمحاولة عملاء تابعين للإمارات التدخل في الشؤون الداخلية لعُمان.

وفي ظل هذه الظروف ستنعقد القمة السنوية المقبلة لمجلس التعاون الخليجي. تلقت قطر دعوةً مكتوبة من ملك السعودية، سُلِّمت باليد بواسطة الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني، لحضور القمة. مع هذا، يُستبعَد حضور الشيخ تميم شخصياً؛ فلم يكن عدم استقبال أمير قطر لمبعوث مجلس التعاون، الذي استقبله وزير الدولة للشؤون الخارجية في قطر بدلاً من الشيخ تميم، زلةً بروتوكولية. بل كان إشارةً واضحة إلى أنَّ قطر مضت في طريقها قُدُماً.

تضاءلت ثقة القطريين في السعودية بشدة، الأمر الذي بدوره أدَّى إلى غياب الاستعداد للتعاون المشترك مع جيرانهم. وكان إعلان قطر خروجها من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قبل أسبوع واحد فقط من قمة مجلس التعاون الخليجي خطوةً أخرى في هذا الاتجاه.

تُجسِّد قصة مجلس التعاون الخليجي نموذجاً لتداعيات باهظة التكلفة للسياسات العدائية غير المدروسة؛ فبدفعٍ من سياسات محمد بن سلمان وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، تحوَّلت هذه المنظمة الخليجية من كونها واحدةً من أكثر الكيانات استقراراً سياسياً في العالم العربي إلى كيانٍ مختل وظيفياً تماماً.

وفيما يقرع صقور إدارة ترمب طبول حربٍ أخرى في الخليج ضد إيران، آملين تكوين جبهة موحدة من حلفائهم في الخليج، يُستبعَد أن يكون مجلس التعاون الخليجي -بشكله الحالي- قادراً على توفير مثل هذه المنصة.

TRT عربي