تابعنا
"إذا كان الحفاظ على الشرعية ثمنه دمي أنا فإني مستعدّ أن أبذل ذلك"، هذه العبارة هي آخر ما قاله الرئيس المصري السابق محمد مرسي، خلال آخر خطابٍ له من القصر الجمهوري، قُبيل احتجازه.

هو أوّل رئيس مدني منتخب بطريقة الاقتراع والانتخاب الديمقراطي في تاريخ مصر، بعد حصوله على نسبة 51.73 % من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011.

لم تستمر فترة رئاسة مرسي طويلاً، فاقتصرت على الفترة من 30 يونيو/حزيران 2012، أي مباشرةً بعد أدائه اليمين الدستورية، حتى الهجوم والانقلاب عليه في العام التالي.

خرج الناسُ إذاً في مظاهراتٍ عارمة بمصر بدعم من القوات المسلحة المصرية، مما أسفر عن عزل مرسي تماماً من منصبه في 30 يونيو/حزيران 2013، وبذلك لم تتمّ فترة حكمه سوى عام واحد لا أكثر. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل زُجّ به في السّجن بلائحة اتهامات عديدة، كان من ضمن أبرزها التخابر مع جهات أجنبية، وإفشاء أسرار الأمن القومي في أثناء فترة رئاسته.

بقي مرسي معتَقلاً ينتظر حكماً نهائيّاً في حقه طوال تلك الفترة الطويلة الماضية، منذ تاريخ عزله، حتى وافته المنية أمس، في 17 يونيو/حزيران 2019، خلال إحدى جلسات محاكمته. كأنّ شهر يونيو/حزيران لعب لعبته القدرية مع هذه الشخصية التي على الرغم من قصر مدة حكمها فإنها بقيت راسخة في تاريخ مصر، تجد لها مؤيدين ومناصرين.

الطريق إلى الساحة السياسية

في عام 1977، انتمى محمد مرسي إلى فكر الإخوان المسلمين، غير أنه لم يلتزم معهم سياسياً، ولم يلتحق بالتنظيم إلا بعد سنتين، وفي أواخر سنة 1979 أصبح عضواً في القسم السياسي للجماعة.

ترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 1995، ثم ترشح في انتخابات عام 2000 لينجح فيها، ويُنتخَب -آنذاك- عضواً في مجلس الشعب المصري عن الجماعة، ليشغل موقع المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان.

وفي انتخابات مجلس الشعب لعام 2005 حصل على أعلى نسبة من الأصوات، وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، لكن هذا النصر وجد من يعاديه، فأُجرِيَت جولة إعادة للانتخابات، ليُعلَن بعدها فوز منافسه لا فوزه هو.

تولى رئاسة حزب "الحرية والعدالة" بعد تأسيسه مباشرةً، بعد أن كان عضواً في مكتب إرشاد الجماعة، ونائباً سابقاً في مجلس الشعب المصري عن دورة 2000 - 2005.

مما عُرف عن مرسي مُعاداته الشديدة للمشروع الصهيوني في المنطقة، وعليه اختير عضواً في لجنة مقاومة الصهيونية في محافظة الشرقية، كما أصبح عضواً في المؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وهو أيضاً عضو مؤسّس في اللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني.

جولات وصولات في السجون

شارك مرسي أيضاً في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير مع الدكتور عزيز صدقي سنة 2004، كما شارك في تأسيس التحالف الديمقراطي من أجل مصر في عام 2011، وهو الحزب الذي ضمّ عشرات الأحزاب والتيارات السياسية، وفي العام نفسه انتخبه مجلس شورى الإخوان، وبالتحديد في 30 أبريل/نيسان، ليكون رئيساً لحزب الحرية والعدالة الذي أنشأته الجماعة.

واجه مرسي حالات ملاحقة واعتقال عديدة، فقد قضى سبعة أشهر في السجن بعد اعتقاله صباح 18 مايو/أيار 2006 من أمام محكمة شمال القاهرة ومجمع محاكم الجلاء وسط القاهرة، وذلك في أثناء مشاركته في مظاهرات شعبية تندِّد بتحويل اثنين من القضاة إلى لجنة الصلاحية لموقفهما من تزوير انتخابات مجلس الشعب، هما المستشاران محمود مكي وهشام البسطاويسي، واعتُقل معه 500 عضو ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، حتى أُفرِجَ عنه في 10 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.

اعتُقل صباح جمعة الغضب في 28 يناير/كانون الثاني 2011، في أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني، مع 34 من قيادات الإخوان على مستوى المحافظات، في محاولة لمنعهم من المشاركة في جمعة الغضب، فيما عملت الأهالي على تحريرهم في الـ30 من الشهر نفسه، بعد ترك الأمن للسجون خلال الثورة.

لكن كان لمرسي وقتها موقفٌ لا يُنسى، إذ رفض ترك زنزانته، واتصل بوسائل إعلام عديدة ليطالب الجهات القضائية بالانتقال إلى مقرِّ اعتقاله في سجن وادي النطرون، والتحقق من موقفهم القانوني وأسباب اعتقالهم قبل ذلك.

مرسي في المشهد العربي والدولي

شهدت فترة توليه الرئاسة حالة توتُّر شديد مع عدد من الأنظمة العربية، لا سيما دول خليجية والنظام السوري، بسبب موقف هذه الدول الصارم من ثورات الربيع العربي، وموقفه هو الصادر تجاه الثورة في سوريا على وجه التحديد.

فقد كان صرّح قائلاً "الشعب السوري يتعرَّض لحملة إبادة وتطهير عرقي ممنهج غذّتها قوى إقليمية ودولية لا تأبه بالإنسان السوري وكرامته ومعاناته".

وقد غذّى التوتر علاقة مرسي بإيران، الخصم اللدود لدول الخليج، إذ زارها نهاية أغسطس/آب 2012 عقب تولّيه رئاسة مصر، لحضور قمة عدم الانحياز التي أقيمت في العاصمة الإيرانية طهران، وكان في استقباله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي رحّب به بقوة وحفاوة، وسرعان ما ردّ له الثاني هذه الزيارة في أبريل/نيسان من العام التالي 2013، إذ زار أحمدي نجاد مصر لحضور القمة الإسلامية في القاهرة، وردّ مرسي له الاستقبال بحفاوة وترحاب أكبر.

وضمن هذه التوترات، وخروج مرسي عمّا تريده الأنظمة المجاورة ومصالحها، خرج المفكّر والباحث الفلسطيني عزمي بشارة، ليؤكّد نشوء ثورة مضادّة سعت لجمع توقيعات لإجراء انتخابات مبكرة، بعد مرور عام واحد من حكم مرسي "كان يقف وراءها المخابرات العسكرية المصرية ودول عربية أخرى".

مرسي وحصار غزة

أظهر مرسي دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية، والمقاومة في قطاع غزة على وجه الخصوص، وسار في طريق داعم لهذا النهج الذي بدأه منذ بداية حياته السياسية، في العمل ضدّ الاستيطان الصهيوني، وأطماع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.

وخلال هذه الفترة شهد القطاع انتعاشاً كبيراً على المستوى الاقتصادي، إذ فُتحت المعابر والأسواق المصرية للفلسطينيين، بل وتمكنت المقاومة الفلسطينية من تلقي الدعم العسكري والمالي من الخارج، والتواصل مع حلفائها والداعمين لها بكل سهولة.

وكان لمرسي موقف بارز خلال الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة في عام 2012، من حيث التنديد والشجب والرفض من جانب، ومن جانب دعمها بكل السبل الممكنة، وكان ضمن ذلك أنه أوفد الكاتب والإعلامي البارز هشام قنديل مع وفود إعلامية وطبية من أجل الوقوف مع أهل غزة ودعمهم، وإبراز معاناتهم، والجرائم الحاصلة على أرضهم، وتأكيد دعم مصر حكومة وشعباً لهم.

من أشهر أقواله في هذا الصدد: "لن نترك غزة وحدها، إنّ مصر اليوم مختلفة تماماً عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركاً لكل شعوب المنطقة ضدكم، أوقفوا هذه المهزلة فورا وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبداً أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة".

محطته الأخيرة

كُتبت محطة مرسي الأخيرة بين قضبان السجون وجلسات المحاكم التي لا تنتهي، على قيد سلسلة من التهم، فزُجّ به في مكان لم يُحدَّد، ولم يُسمح له بمقابلة أي من أفراد عائلته والمقربين منه، فيما عانى إهمالاً طبياً منذ بداية اعتقاله، وقد ذكر في تسجيل صوتي أنه لا يعلم مكان احتجازه، واشتكى من المعاملة التي يتلقاها.

وأكدت صحيفة الإندبندنت ذلك في ورقة لها في أبريل/نيسان من عام 2018، مبرزة أنه "إذا لم تتحسن معاملة محمد مرسي في سجن طرة في مصر قريباً فقد يواجه موتاً مبكراً"، وهذا ما حدث بالفعل في أثناء محاكمته في جلسة 17 يونيو/حزيران 2019، بأزمة قلبية كتبت آخر سطور حياته.

بقي مرسي معتَقلاً ينتظر حكماً نهائيّاً في حقه طوال تلك الفترة الطويلة الماضية، منذ تاريخ عزله، حتى وافته المنية أمس (AP)
التحق محمد مرسي بالإخوان المسلمين عام 1979، وفي أواخر نفس السنة أصبح عضواً في القسم السياسي للجماعة (Reuters)
شهدت فترة تولي مرسي الرئاسة حالة توتُّر شديد مع عدد من الأنظمة العربية، لاسيما دول خليجية والنظام السوري (AP)
اعتُقل مرسي صباح جمعة الغضب في 28 يناير/كانون الثاني 2011، مع 34 من قيادات الإخوان، في محاولة لمنعهم من المشاركة في جمعة الغضب (Reuters)
TRT عربي