مقتل وإصابة العشرات في ليلة دامية في العراق والجيش ينتشر لحماية المتظاهرين (AP)
تابعنا

منذ الإطاحة بحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، عرفت بعض الميليشيات المسلحة ومن بينها الميليشيات الشيعية انتعاشةً وتَمدُّدَ نفوذها بشكل لافت في العراق إلى جانب عدة ميليشيات أخرى من طوائف وملل وانتماءات مختلفة.

ثم أسهمت بعد ذلك العديد من الظروف السياسية والأمنية التي عاشها العراق طوال سنوات، في انتشار واسع للعصابات المسلحة والميليشيات، وبعضها ينفذ أجندات خارجية.

ومنذ ذلك الوقت أُضعف صوت القانون بشكل مفزع، وتراجع دور السلطة في ضبط الأوضاع وتحقيق الأمن و الحفاظ على النظام. حتى أصبح بعضهم يصفها بـ"دولة الميليشيات" تعبيراً عن مدى تمكن هذه العصابات المسلحة من إحكام قبضتها على العراق، وتهديدها حياة العراقيين واستهدافهم.

تمدد وانتشار الميليشيات المسلحة

لم تكن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باستخدام الطائرات المسيرة المسلحة، والتي باءت بالفشل يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي دون معرفة الأطراف الحقيقة التي تقف وراء ذلك، إلا إحدى إرهاصات تمدد الميليشيات المسلحة في العراق.

ورغم أن الكثيرين وجهوا أصابع الاتهام بشكل مباشر حينها إلى ميليشيات "الحشد الشعبي" المسلحة والمدعومة من إيران، فإنه لم يُكشف فعلياً وبشكل رسمي عن أي هويات للأشخاص الذين يشتبه بتورطهم في الحادثة، ولم تُنفذ في الأثناء أي نوع من المحاكمات أو الملاحقات. واعتبر ناشطون، بناء على ذلك، أنه في الواقع، لا أحد يجرؤ على الإقدام على ذلك، في ظل علاقة هذه الميليشيات الوثيقة بإيران، حتى تكاد تكون صاحبة الأمر والنهي في العراق، بشكل تضاهي فيه الحكومة.

وإن كانت الأجهزة الحكومية والسلطات في العراق عاجزة عن تأمين نفسها أو مجابهة خطر الميليشيات، فإن ما تتعرض له بقية فئات الشعب من مختلف الطوائف والتيارات لم يعد مفاجئاً.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرضت محافظة ديالى شمالي العراق إلى هجوم مسلح من تنظيم داعش الإرهابي أسفر عن مقتل أشخاص من الطائفة الشيعية، أعقبه مجموعة من الهجمات المسلحة العنيفة من الميليشيات الشيعية، وسقط حينها العشرات من القتلى وأُحرقت المنازل والمزارع، وتطور الأمر إلى إطلاق قذائف هاون، دون أن تتعرف الأجهزة الأمنية على الأطراف التي تقف وراء القصف وهذه الإعتداءات.

وعلى الصعيد ذاته، فقد كشفت العديد من التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية، استهداف العصابات والميليشيات المسلحة للناشطين والصحفيين في العراق، ومحاولة تصفيتهم أو على الأقل تكميم أفواههم عن طريق القمع والتهديد.

وازدادت وتيرة الاعتداءات وجرائم الاغتيال لمختلف الناشطين والإعلاميين، منذ اشتعال فتيل "ثورة تشرين" عام 2019. وسُجل منذ ذلك الحين نحو 373 اعتداءً، بين جرائم اغتيال وتهديد بالقتل واختطاف وهجمات مسلحة من الميليشيات والعصابات، وسط عجز حكومي عن إيقاف هذه الجرائم وتأمين حياة الناشطين، وفق ما جاء في تقرير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة.

ولا تُعد هذه الحوادث إلا بعضاً من حلقات سلسلة طويلة من الاعتداءات والانتهاكات التي تسود العراق، من طرف هذه العصابات المتنفِّذة والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

هل يمكن فرض القانون في العراق؟

يتساءل الجميع في الشارع العراقي والمراقبون من كثب للأوضاع الأمنية والسياسية التي تسود العراق، عن قدرة الدولة اليوم على إنفاذ القانون وصد خطر هذه العصابات والميليشيات المسلحة المتنفذة، على اختلاف ألوانها وانتماءاتها.

طُرح هذا التساؤل من قبل، ويتجدد طرحه اليوم، بينما أصبح الاستهداف لا يستثني أحداً، ناشطاً أو إعلامياً أو حتى مسؤولاً بارزاً أو بعثة ديبلوماسية. ويرى البعض في هذا السياق أن الحكومة في الوقت الذي أصبحت فيه عاجزة عن تقديم أي ضمانات لحماية الحريات وتأمين حياة الناس، فإنها أيضاً مكبلة بشكل كبير بسلطة العصابات المسلحة ولا يمكنها ملاحقتهم أو التحقيق معهم أو حتى مجرد ذكر أسمائهم، وبخاصة الموالين لجهات أجنبية.

ووفق ما أشار إليه تقرير صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الإفلات من العقاب في العراق لا يعود بالضرورة إلى نقص الإرادة لدى السلطات القضائية لمحاسبة القتلة، أو إلى نقص المعلومات حول من يقف وراء هذه الاعتداءات والجرائم. بل يعود غالباً إلى معرفة السلطات بقدرة تلك العصابات والميليشيات على إفشال أي محاولة من الحكومة لمحاسبتها.

TRT عربي