يبدو مصير العام الدراسي 2023/2024 مجهولاً بالنسبة إلى الطالب كرم الحاج موسى نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر الثالث على التوالي على قطاع غزة، وحالة الاستهداف التي طالت المدارس الحكومية أو تلك التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي انقطع مئات الآلاف من الطلبة في غزة عن دراستهم نتيجة للحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عدا عن إشكالية نزوح الطلاب من مناطق سكنهم، واستشهاد المئات منهم جراء القصف الجوي والمدفعي.
وحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، جرى تعطيل جميع المدارس في قطاع غزة منذ بدء العدوان وحرمان نحو 608 آلاف طالب وطالبة من حقهم في التعليم المدرسي، كما جرى استخدام 70 مبنى مدرسياً حكومياً و145 مبنى مدرسياً تابعاً لوكالة الغوث مراكز إيواء للنازحين في قطاع غزة.
من مدارس إلى مراكز إيواء
ويقول كرم لـTRT عربي إنه من بين الصعوبات التي تجعل العام الدراسي مجهولاً هو القصف الإسرائيلي الذي استهدف المدارس وأدى إلى تدميرها من قِبل القوات الإسرائيلية في مختلف المناطق، الأمر الذي يعرقل استئناف الدراسة حتى لو توقفت الحرب.
استُشهد أربعة من معلمي كرم، إضافة إلى خمسة من زملائه على مقاعد الدراسة، ورغم ظروف الحرب القاسية فإن كرم يتمنى العودة إلى مقاعد الدراسة من جديد والتمكن من اجتياز مرحلة الشهادة الثانوية العامة والوصول إلى مرحلة الدراسة الجامعية، لا سيما بعد المعاناة التي عايشها نتيجة الحرب والنزوح من مكان إلى آخر.
وتحولت المدارس مع بداية الحرب إلى أماكن للنزوح في ظل وجود قرابة مليونَي نازح في مختلف مناطق القطاع.
وتعتبر معدلات الأمية في فلسطين من أقل المعدلات في العالم، إذ تبلغ وفقاً لبيانات فلسطينية رسمية 2.2% بين الأفراد في سن 15 سنة فأكثر، فيما تبلغ النسبة في قطاع غزة حالياً 1.3% بعد أن كانت خلال عام 1997 تبلغ 13.7%، وهو ما يظهر الحرص على التعليم، وفقاً لدراسة صادرة في سبتمبر/أيلول 2023 وثقت الفترة خلال عام 2022.
وفي هذا السياق يوضح مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن 92 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل كلي وخرجت عن الخدمة تماماً، إذ تحتاج إلى إعادة بناء، فيما دمر جيش الاحتلال 285 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وتحتاج أيضاً إلى إعادة ترميم وتأهيل لكي يجري استكمال الدراسة فيها.
ويقول الثوابتة لـTRT عربي إن "الاحتلال يسعى إلى فرض سياسة التجهيل بشكل مقصود ومتعمد، القائمة على حرمان الفلسطينيين من التعليم، أو من فرص الحصول على التعليم الجيد، بهدف تجهيلهم ومنع تطورهم، وهو ما يتضح من خلال استهداف المدارس والجامعات وقصفها".
ويشير المسؤول الحكومي في غزة إلى أن "الاحتلال يحاول إخضاع الفلسطينيين والسيطرة عليهم وتفريغ عقولهم من مضمونها، وبالتالي غياب الثوابت وضياع القضية الفلسطينية من عقول الأجيال، إذ إن عملية التجهيل تأتي ضمن سياسة التمييز العنصري التي يتبعها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتُعَدّ أيضاً انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومخالفة واضحة للقانون الدولي ولكل القوانين التي تكفل الحق في التعليم".
وبشأن التقديرات بأعداد الشهداء من المدرسين والطلبة، يلفت الثوابتة إلى أنه لا توجد إحصائية دقيقة بسبب استمرار الحرب وعرقلة عمل الطواقم الحكومية المتخصصة في عمليات رصد قتل الطلبة والمدرسين ومَن لهم علاقة بسلك التعليم.
وأفادت وزارة التربية والتعليم في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي بأن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى 3679 شهيداً و5429 جريحاً، مشيرةً إلى أن 209 معلمين وإداريين استُشهدوا وأصيب 619 بجروح في قطاع غزة.
وحول الاعتداءات على البنية التحتية للمدارس، لفتت الوزارة إلى أن 278 مدرسة حكومية و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تعرضت للقصف والتخريب في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى تعرض 83 منها لأضرار بالغة، و7 للتدمير بالكامل.
وعن مصير العام الدراسي يشدد الثوابتة على أن هذا الموضوع هو قيد الدراسة، ولم يُبت فيه إلى حين انتهاء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
تدمير للمؤسسات التعليمية
أما فريد أبو عاذرة مدير برنامج التعليم في أونروا في غزة فيقول إن هذه الحرب أثرت في جميع مناحي الحياة في القطاع من نقص في المواد الغذائية ومياه الشرب وتدمير للبنى التحتية والوحدات السكنية، إلى جانب تصاعد حدة الأعمال العدائية بفعل الحرب.
ويشير أبو عاذرة في حديثه مع TRT عربي إلى أن أعداد النازحين تتزايد في مراكز إيواء أونروا، ومعظمها مدارس لأغراض التدريس والتعلم لكنها تُستخدم مراكز إيواء للنازحين الذين يلجؤون إلى منشآت الأونروا ويحتمون تحت علم الأمم المتحدة الأزرق، في الوقت الذي تقوم فيه فرق الأونروا بتحديث البيانات المتعلقة بالأضرار التي لحقت بمدارس الأونروا نتيجة للأعمال العدائية.
ويلفت إلى أنه حسب آخر تقارير للأونروا جرى الإبلاغ عن 188 حادثة أثرت في مباني الوكالة وفي الأشخاص الموجودين داخلها منذ بداية الأعمال العدائية، بما في ذلك ما لا يقل عن 18 حادثة استخدام عسكري و/أو تدخل في منشآت أونروا.
ويؤكد أبو عاذرة أن "الطلاب متضررون بشكل كبير جداً، إذ إن معظم سكان قطاع غزة هم في عداد النازحين ويعيشون ظروفاً إنسانية كارثية، على اعتبار أن كثيراً من طلاب وطالبات الأونروا يتخذون من مدارسهم ملجأ للسكن يمضون فيه ساعات النهار وينامون داخل الفصول الدراسية".